حملة دولية لمعاقبة إسرائيل
فخري صالح
سمعة إسرائيل في العالم أصبحت في الحضيض بعد كل ما ارتكبته من قتل وتدمير في غزة، يرقى حسب ما يقوله رجال القانون الدولي إلى ما يدعى بـ «جرائم بحق الإنسانية»؛ فهي استهدفت المدنيين وقامت بتصفية الأطفال والنساء والشيوخ، وقصفت منشآت مدنية ومستشفيات ومؤسسات إغاثة دولية تابعة للأمم المتحدة، واستهدفت صحافيين ومؤسسات صحافية، واستعملت أسلحة فتاكة ضد مدنيين عزل. وكل ذلك محرم دوليا، وهناك اتفاقيات تمنع استهداف معظم ما قصفته إسرائيل في قطاع غزة المنكوب الذي دفع ثمن مغامرة عسكرية إسرائيلية مجنونة غاليا من دماء أطفاله ونسائه وشيوخه وسكانه الذين قتلهم الحصار والتجويع والقهر، قبل أن تقتله طائرات إسرائيل وبوارجها الحربية ومدافعها التي لازالت رابضة على الأرض حتى بعد وقف إطلاق النار من جانب واحد!
تقول الصحافية الإسرائيلية عميرة هاس في مقالة نشرتها في صحيفة هآرتس الإسرائيلية إنها تشكر الله لأن والديها توفيا قبل أن يشهدا هذه الحرب «ولم يسمعا إيهود باراك وتسيبي ليفني يقولان كاذبين، إنهما لا يحملان أي حقد ضد الفلسطينيين، وإنه ليس هناك أزمة إنسانية في غزة».
لكني لا أعتقد أن القتل الكثير الذي قامت به إسرائيل قد جلب لها الردع والأمان، كما تدعي ترويكا الحكومة الإسرائيلية الراحلة قريبا؛ وما سببته لها من عار، هو الشيء الوحيد المؤكد، وهناك حملات عالمية لعزل إسرائيل دوليا، على رغم الحماية التي تتمتع بها من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبا.
وليست الحماية شيئا قدريا، لأن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا كان يتمتع بتلك الحماية، لكنه واجه عزلا عالميا حتى سقط في النهاية. وترتكز هذه الحملات العالمية لعزل إسرائيل إلى ما فعلته إسرائيل بقطاع غزة خلال ثلاثة وعشرين يوما من القصف المتواصل، الذي ركز على المناطق العزلاء الآهلة بالسكان، وإلى أنواع الأسلحة المحرمة دوليا التي استعملتها.
تقول باولا ماندوكا، وهي أستاذة في علم الوراثة وباحثة في جامعة جنوا الإيطالية إن «هناك أدلة واضحة على أن إسرائيل استعملت في حربها على غزة الفوسفور الأبيض، ومعدنا كثيفا خاملا متفجرا يسمى Dime، وقنابل انشطارية، وقنابل محشوة باليورانيوم المنضب وأسلحة تجريبية جديدة. ولازالت هناك على أرض غزة قنابل لم تنفجر بعد، ومواد مشعة».
وتعمل ماندوكا مع الطبيب النرويجي مادس غيلبرت، الذي يعمل في أحد مستشفيات غزة، الذي يقول إن عددا من الحالات التي وصلت إلى المستشفى بأطراف مقطوعة، وأرجل مهشمة، وجروح لم يشاهدها الأطباء والمتخصصون من قبل إلا خلال حرب تموز سنة 2006، ما يدل على استعمال إسرائيل أسلحة محرمة دوليا تسبب آثارا بليغة، وقد تؤدي إلى الموت البطيء في المستقبل بسبب بقاء المواد المشعة أو المعادن في أجساد المصابين.
هذه التقارير التي بثتها بعض وكالات الأنباء العالمية، إضافة إلى صور القصف الوحشي طوال الأسابيع الثلاثة الماضية، والعدد الكبير من الأطفال والنساء والشيوخ القتلى والجرحى، دفعت عددا كبيرا من الأشخاص والمنظمات الاجتماعية في العالم إلى التحرك لإدانة إسرائيل ورفع قضايا ضدها وضد الحكومة الإسرائيلية التي أمرت بإشعال هذه الحرب التي لا يمكن وصفها سوى بالقذرة.
لقد وقع أكثر من 800 عالم وأستاذ جامعي مرموق وصحافي وكاتب في أميركا وأوروبا، على رأسهم نعوم تشومسكي، عريضة يطالبون فيها بحرمان إسرائيل من ثلاثة مليار دولار تأخذها كمساعدات من الولايات المتحدة الأميركية، وقالوا إن ما تفعله إسرائيل بغزة يستوجب إعادة النظر في العلاقة الوطيدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
كما دعت نعومي كلاين، الكاتبة والناشطة الكندية الشهيرة، والتي تبيع من كتبها ملايين النسخ كل عام، في مقالة كتبتها في مجلة «ذا نيشن» الأميركية، إلى فرض حظر دولي على إسرائيل، لأن ما تفعله في غزة يرقى إلى مستوى ما فعله نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا بالمواطنين السود.
أظن أن علينا نحن الفلسطينيين والعرب أن نبدأ من هذه النقطة؛ أن نعمل يدا بيد مع هؤلاء الأشخاص وهذه الجماعات لتجييش الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، وكشف جرائمها المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، وننشئ حملة تشبه ما فعله حزب المؤتمر الوطني جنوب الإفريقي، بزعامة نيلسون مانديلا، في ثمانينيات القرن الماضي ضد نظام الفصل العنصري، فما تفعله إسرائيل أسوأ بكثير مما فعله ذلك النظام البائد، فهي تقيم معازل عرقية للفلسطينيين، وتقتل وتحرق وتبيد وتدمر، وتحاصر وتجوع وتعطش أهل غزة، محولة القطاع إلى سجن كبير مراقب من البر والبحر والجو.
فلنبدأ الحملة، لأن هذه هي الطريقة التي قد تقود إلى قيام دولة فلسطينية.
كاتب من الأردن