نصر وإخفاق
ساطع نور الدين
لا يشبه قرار وقف اطلاق النار الذي اعلنته اسرائيل من جانب واحد امس في قطاع غزة ، قرار وقف الاعمال الحربية ضد لبنان الذي التزمت به في آب العام .٢٠٠٦ ثمة تحفظ اسرائيلي في اعلان الاخفاق، وتردد فلسطيني في اعلان النصر.. وتعهد متبادل بجولات اخرى مماثلة تطمح الى تحقيق الحسم المستحيل في تلك الحرب الابدية.
وجه الشبه الوحيد بين الحربين، هو ذلك الرقم المتقارب لعدد الشهداء والجرحى اللبنانيين والفلسطينيين، وذلك الحجم الهائل من الدمار الذي خلفته الالة العسكرية الاسرائيلية، والتي يبدو انها وضعت لنفسها معيارا جديدا هو انها لم تعد تخرج في مهمة حربية الا وتعود باكثر من ١٣٠٠ قتيل وخمسة آلاف جريح، وبخراب يزيد عن الملياري دولار، وفي فترة زمنية تقارب الشهر.. اي بمعدل خمسين قتيلا مدنيا طبعا ومئتي جريح من المدنيين ايضا في اليوم الواحد.
عدا ذلك فانه لا يمكن العثور على اوجه شبه بين حرب لبنان التي بدأت من دون تخطيط مسبق وخيضت بشكل عشوائي ومن اجل تحقيق اهداف خرقاء، وبين حرب غزة التي اندلعت بعد تفكير ملي وبناء على خطط محددة سلفا، ورسمت آفاقها واهدافها بدقة متناهية.. لكي لا تؤدي الى احباط او الى فشل، وبالتالي الى لجنة تحقيق، قبل اسابيع من موعد الانتخابات النيابية في اسرائيل المقررة في العاشر من شباط المقبل.
كانت هذه الانتخابات هي المرشد والموجه الوحيد لحرب غزة، منذ الغارة الاولى في ٢٧ كانون الاول الماضي وحتى اليوم . صحيح ان اسرائيل كانت تترقب فرصة للاعلان عن ان جيشها شفي من اعراض حرب لبنان الاخيرة، فوجدتها في قرار حركة حماس انهاء التهدئة واطلاق الصواريخ على مستعمراتها المحيطة بقطاع غزة، لكنها كانت تفضل على الارجح ان تأتي هذه الفرصة بعد توجه الناخبين الى صناديق الاقتراع، لكي لا يخضع اي من قادتها السياسيين لمثل هذه المغامرة، التي يبدو الان انها لم تكن خطرة على اي منهم، بل لعلها كانت مفيدة لمعظمهم.
ربما يقال ان حركة حماس خرجت من هذه الحرب مثلما خرج حزب الله، الذي فقد بعضا من شرعيته الخارجية وشعبيته الداخلية، وهي ستتصرف مثلما فعل الحزب الذي قرر شن هجوم مضاد على الداخل اللبناني من اجل ان يحمي نفسه، وعمد الى السيطرة على العاصمة بيروت.. التي قد تكون اصعب من السيطرة على رام الله، لكنها بالتأكيد هي الهدف المقبل خصوصا وان الاتهامات والتهديدات لفريق السلطة الفلسطينية جاهزة، مشابهة لتلك التي وجهت الى السلطة اللبنانية في صيف العام ٢٠٠٦ .
من دون تحقيق مثل هذا الهدف الفلسطيني الداخلي ، لن يكون بامكان المحور العربي والاقليمي الذي تنتمي اليه حركة حماس ان يعلن انه انتصر في حرب غزة، مثلما انتصر في حرب لبنان، وان يقدم الدليل على ان اسرائيل هزمت في الحربين، وهزم معها المشروع الاميركي في الشرق الاوسط الكبير.. الذي سيشهد المزيد من الحروب قبل ان يتحقق الحسم المستحيل.
السفير