القائد الزاباتي ماركوس: ربما التقطتم كلمتنا هناك في غزة
قبل يومين -في اليوم نفسه الذي ناقشنا فيه العنف- صرحت قدُسُ الأقداس كوندوليزا رايس بأن ما يحدث في غزة خطأ الفلسطينيين بسبب طبيعتهم العنيفة.
يمكن لأنهار العالم العميقة التي تتقاطع تحت الأرض أن تغير جغرافيتها لكنها ترتفع بالنشيد ذاته.
والنشيد الذي نسمعه الآن هو عن الحرب والألم. ليس بعيدا من هنا، في مكان اسمه غزة في فلسطين، في الشرق الأوسط، إلى جوارنا تماما، تواصل القوات المسلحة للحكومة الإسرائيلية، الجيدة التدريب والمدججة بالسلاح، مسيرتها على طريق الموت والدمار.
الخطوات التي أقدمت عليها هي خطوات غزو عسكري كلاسيكي: أولا قصف مكثف لتدمير النقاط العسكرية “الإستراتيجية” (هكذا تعرفها الكتيبات العسكرية) ولـ “إَلانة “تحصينات المقاومة، ثم حرب ضروس على المعلومة: كل شيء يُسمع ويرى “في العالم الخارجي”، أي خارج مسرح العمليات، يجب أن ينتقى بالمعايير العسكرية، والآن قصف مدفعي مكثف ضد مشاة العدو لحماية تقدم جنوده إلى مواقع جديدة، ثم يتلو ذلك حصار لإضعاف حامية العدو ثم الهجوم الذي يستولي على الموقع ويدمر العدو، و”تطهيرٌ” لـ”جيوب المقاومة” المحتملة.
إن الكتيبات العسكرية عن الحرب الحديثة، هي ما تطبقه خطوة بخطوة القوات العسكرية الغازية، بتنويعات وإضافات قليلة.
لا نعرف الكثير عن هذا الشيء، وبالتأكيد هناك مختصون في ما يعرف بـ”الصراع في الشرق الأوسط”, لكن من مكاننا هذا لدينا شيء نريد أن نقوله:
حسب صور الأخبار، فإن النقاط “الإستراتيجية” التي دمرتها القوة الجوية للحكومة الإسرائيلية هي بيوت وأكواخ وبنايات مدنية. لم نر بين الركام تحصينا واحدا تحت الأرض، ولا ثكنات ولا مطارا عسكريا، ولا مدافع. إذًا –ولتغفروا لي جهلي رجاء- إننا نعتقد أن مدافع الطائرات إما أنها أساءت التصويب، أو أن هذه النقاط العسكرية “الإستراتجية” في غزة غير موجودة.
لم يكن لنا شرف زيارة فلسطين، لكننا نفترض أن أناسا، رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا –وليس جنودا- كانوا يعيشون في هذه البيوت والأكواخ والبنايات.
كذلك لم نر تحصينات المقاومة، بل مجرد ركام. لكننا رأينا الجهود العقيمة لمحاصرة المعلومة، ورأينا حكومات العالم تحاول أن تتخذ قرارها بين تجاهل الاجتياح والتصفيق له، ورأينا الأمم المتحدة، التي بقيت عديمة الجدوى لوقت طويل، تصدر البيانات الفاترة.
لكن مهلا، لقد خطر لنا للتو أن هؤلاء الرجال والنساء والأطفال والشيوخ ربما كانوا بالنسبة للحكومة الإسرائيلية جنودا أعداء، وبهذا المنطق، فإن الأكواخ والبيوت والبنايات التي يقطنون ثكناتٌ يجب تدميرها.
إذًا، بالتأكيد فإن وابل الرصاص المنهمرَ على غزة هذا الصباح، كان لحماية تقدم مشاة الجيش الإسرائيلي من هؤلاء الرجال والنساء والأطفال والشيوخ.
وحامية العدو -التي أرادوا إضعافها بالحصار الذي امتد إلى كل غزة- هي السكان الفلسطينيون الذين يعيشون هناك، وسيحاول الهجوم للقضاء عليهم. وكل رجل وامرأة وطفل أو شيخ يستطيع أن يهرب أو يختبئ من الهجوم -الذي يتوقع أن يكون داميا- ســ”يصطاد” لتكون عملية التطهير كاملة وليستطيع قادة العملية أن يرفعوا إلى مسؤوليهم تقريرا يقول “لقد أنهينا المهمة”.
مرة أخرى اغفروا لي جهلي، ربما جانب ما نقوله الصواب. وبدل أن ندين الجريمة المستمرة, نحن السكانَ الأصليين والمحاربين، علينا أن نناقش ونتخذ موقفا في النقاش الدائر حول ما إذا كان الأمر “صهيونيةً” أو “معاداةً للسامية” أو ما إذا كانت قنابل حماس هي التي تسببت في ما حدث.
ربما كان تفكيرنا بسيطا جدا، وكنا نفتقد إلى فروق المعاني والحواشي الضرورية جدا في التحليلات، لكن بالنسبة للزاباتيين، هكذا يبدو لنا الأمر: جيش محترف يقتل شعبا أعزل.
من يستطيع البقاء صامتا في الأسفل وإلى اليسار؟ أمن المجدي أن نقول شيئا؟ هل توقف صيحاتنا ولو قنبلة واحدة؟ هل تنقذ كلمتنا ولو طفلا فلسطينيا واحدا من الموت؟
بلى، نعتقد أنها مجدية. ربما لن نوقف قنبلة، وربما أن كلمة واحدة لن تتحول إلى واقية مدرعة بحيث لن تصيب صدرَ صبي أو صبية رصاصةُ من عيار 5.56 ميليمترات أو تسعة ميليمترات منقوش على قاعدة خرطوشتها، الأحرف الأولى لـ”الصناعة العسكرية الإسرائيلية”, لكن ربما سمحت كلمتنا بأن توحد القوى مع البقية في المكسيك والعالم، وربما سُمعت في البداية همسًا ثم جهرًا ثم صيحةً يلتقطونها هناك في غزة.
لا نعرف عنكم نحن زاباتيي “جيش زاباتا للتحرير الوطني”، لكننا نعرف كم من المهم وسط الدمار والموت، سماعُ بعض كلمات التشجيع.
لا أعرف كيف أشرح ذلك، لكن يبدو في نهاية المطاف أن الكلمات عندما تأتي من بعيد، قد لا يمكنها إيقاف قنبلة، لكنها كصدع أُحدث في غرفة الموت المظلمة، تسرب منه خيط من النور رفيعْ.
كما في كل شيء، فإن ما سيقع سيقع. ستقول الحكومة الإسرائيلية إنها وجهت ضربة قاصمة إلى الإرهاب, وستخفي حجم المجزرة عن شعبها، وستحصل مصانع التسليح العسكري الكبرى على الدعم الاقتصادي لمواجهة الأزمة، و”الرأي العام الدولي”، هذا الكيان المطواع الذي ما زال رائجا في سوق الموضة، سيشيح بوجهه من جديد.
لكن هذا ليس كل شيء. سيقاوم الشعب الفلسطيني ولن يموت وسيواصل النضال وسيغدق عليه من هم في الأسفل بتعاطفهم مع قضيته.
وربما بقي على قيد الحياة صبي وصبية من غزة أيضا. ربما كبرا، وكبر معهما الجأش والسخط والنقمة. وربما أصبحا جنديين أو مقاتلين في واحدة من المجموعات التي تقاتل من أجل فلسطين. وربما وجدا نفسيهما في ساحة القتال ضد إسرائيل. وربما يطلقان النار من بندقية. وربما ضحّيا بنفسيهما بحزام ناسف يربطانه حول وسطيهما.
ثم، هناك في الأعلى، سيكتبون عن الطبيعة العنيفة للفلسطينيين وسيدلون بتصريحات تدين العنف وسيعودون إلى مناقشة ما إذا كان الأمر صهيونية أو معاداة للسامية.
ولن يسأل أحد عن الذي زرع هذا الذي يُحصد اليوم.
عن رجال ونساء وأطفال وشيوخ “جيش زاباتا للتحرير الوطني” القائد ماركوس.
______________
خطابه بالرابع من الشهر في المهرجان العالمي للغضب الكريم
الجزيرة