شكراً أطفال غزة
امين قمورية
أطفال غزة حققوا المعجزة. بصمودهم الذي لايتكرر حققوا اعجوبتين: مرة عندما ردوا اسرائيل خائبة من دون ان تحقق ايا من اهدافها وارغموها على اسكات مدافعها بعدما عجز “رصاصها المصهور” عن صهر ارادتهم وسلخ جلودهم على رغم حمم جهنم التي ما انفكت تسقط على رؤوسهم منذ 22 يوما. ومرة عندما تمكنوا من اذابة الاسمنت المسلح عن الضمائر المتجمدة للحكام العرب وحركوا اخر ذرة كرامة متبقية فيهم وجعلوهم يشعرون بالحياء لمرة واحدة فقط، وان يتنبهوا الى ان ثمة ارضا عربية اسمها فلسطين، وان اهلها يبادون عن بكرة ابيهم بدم بارد امام مرأى العالم ومسامعه.
من كان يصدق قبل 24 ساعة ان الزعماء سيتناسون خلافاتهم من اجل غزة، وان تكون قمة الكويت قمة المصالحات بعدما كان مقدرا لها ان تكون قمة الانقسام العربي وتكريس الصدع وجعل الجامعة جامعتين؟
من كان يصدق ان يرى تبادل القبل بين العاهل السعودي والرئيس السوري ونائبه، وان يعود الود بين الرئيس المصري والامير القطري؟
لقد حدث ما لم يكن متوقعا، عندما انعقدت المصالحة وعاد صوت فلسطين واطفالها هو الاعلى.
كثرت التفسيرات والتحليلات والشروح لمحاولة فهم سر هذا الانقلاب العربي المفاجىء في اللحظة الاخيرة، وفي ختام حرب القمم. ورب قائل انه من مقتضيات نقل السلطة في اميركا، وانتظار ما ستحمله قبعة الساحر اوباما من مفاجآت. او انه ابن اللحظة وسيتغير معها ولن يغير في الوقائع شيئا. او انه محاولة لابقاء الخلافات العربية تحت السيطرة لتفويت الفرصة على “المصطادين الاقليميين في الماء العكر”.
لكن كل ذلك ماكان ليغير لولا ثبات اولاد غزة وتضحياتهم. وما كان ليهتز شعرة في رؤوس الحكام لولا قلقهم من ان يغمر فيضان الدم في فلسطين عروشهم. ولولا دم اهل غزة “المسفوح ظلما وعدوانا على ارضنا في فلسطين الغالية”، وهذا الفيض من الشهادة، لما كانت المبادرة ولما كانت الاستجابة الفورية لها.
شكرا اطفال غزة، لقد ايقظتم ضمير حكامنا واعدتم الرشد الى عقولهم واعدتم بصيص امل الينا. وشكرا لك ايضا اسرائيل لارتكابك هذه الجرائم الفظيعة التي لولاها لما شعر “اولو امرنا ” بالخجل من انقسامهم وفرقتهم وتشتيت صفوفهم، ولما استفاقوا من الخدر اللذيذ لطعم الهزيمة والاستسلام والتلاشي.
في 22 يوما نجحت اسرائيل في تحقيق ارقام قياسية في القتل والتدمير، لكنها على رغم ذلك دمرت ايضا بحربها المجنونة كل ما سعت من اجله لسنوات طويلة وطوّعت طاقات دول كبرى واعلامها ومالها لتحقيقه.
بعد 22 يوما من الامعان في قتل الاطفال وتشويههم لن تنجو الى الابد من نعت الدول المجرمة والقاتلة، ولم تدفع فقط ببعض العرب للعودة الى صوابهم بل خسرت ايضا كتلة من الاصدقاء جاهدت لكسبهم في مقدمهم تركيا.
بعد 22 يوما من الجبروت واستباحة الاخلاق والقيم والحياة الانسانية، كسر الدم السيف.
اسرائيل مرة اخرى تخرج خاسرة من “مهرجان جنوني بالالعاب النارية” على رغم اتقانها فنونه الملعونة. ولكن الخسارة هذه المرة مضاعفة، اذ ثبت ان من يفوز في مثل هذه المعارك هو من كان اقدر على التضحية والفداء، فكيف اذا كان الخصم صاحب حق معتدى عليه وعبء دمه ثقيلا، ولايملك من وسيلة للدفاع عن نفسه سوى اللحم الحي.
شكرا اطفال غزة، فالمصالحة العربية التي فرضتموها لا تحميكم وتحصنكم فقط بل تحمينا وتحصننا ايضا.