واهجم على الدبابة بخنجر
منهل السراج!
عرض التلفزيون الأسوجي مشهد الحمامة تسيبي ليفني، كونها، كما يُطلَق عليها، الأقرب إلى معسكر الحمائم، وهي تصرّح غاضبة بأنه لا يمكن البتة السكوت على خروقات “حماس” وبأنه ليس أمام الإسرائيليين إلا أن يحموا وطنهم ومواطنهم. ورجعت الكاميرا سريعاً إلى استديو التلفزيون ليُظهّر صورة عفوية للمذيعة متأثرةً ومصدّقةً ومؤمنة تماماً بأن من حق الاسرائيليين أن يحموا بلدهم من هؤلاء “الارهابيين”. يقوم التلفزيون الأسوجي ببث صور المعركة بالعدل، دقيقة لغزة وأخرى لإسرائيل. دقيقة غزة تحصي عدد الشهداء الذين زادوا خمسين بين توقيت نشرة إخبارية ونشرة أخرى، نصفهم أطفال، والأحياء غاضبون هائجون فقط، ودقيقة لاسرائيل تعيد مشهد المصاب الاسرائيلي على حمالته الأنيقة محاطاً بوجوه أصحابه وممرّضيه وأطبائه وكلها وجوه حزينة ومتأثرة. فإن نوقش أحدهم أين العدل بين الدقيقتين فستجد الغالبية تجيبك: القتل قتل والعنف عنف، وليس مهماً بعد ذلك عدد القتلى. بعد يومين يبث التلفزيون نفسه، صورة لأحد قياديي “حماس”، وبلده تحت القصف، متحدثاً بصوت جهوري ووجه جامد وصدر عارم، بأن الفلسطينيين لن يستسلموا وبأنهم منتصرون لا محال. في اليوم نفسه، يصرّح أحد رجال الإفتاء في سوريا عبر إحدى قنوات التلفزيون العربية بأنه لا يجوز أن يقال عن أجسام الشهداء بأنها أشلاء وإن تكن مقطعة، لأنهم وإن يكونوا أشلاء فإنهم عند ربّهم منتصرون، مع إطالة حرفي الواو والنون. لقد قرر رجل الإفتاء أن هذا الشعب خُلق للآخرة وليس للحياة الدنيا. الحياة الدنيا يعبرونها عبوراً ليلدوا أولاداً للمقاومة، ويمضوا إلى الجنة. ومن بعدهم يجب أن يفعل الخلف ما فعل السلف. أن يتزوجوا سريعاً، وقبل أن يتمتعوا بالزواج، أن ينجبوا أولاداً، ويمضوا سريعاً لحمل السلاح. وهكذا. على رغم كل المشاهد المروعة، فإن الأمر الأكثر استفزازاً هو إصرار ذلك المجاهد الفلسطيني على الموت مع زوجاته الأربع وطفليه، قائلاً قبل أن يقتل بأنه لن يغادر بيته. ولكن ما معنى البيت المهدم والأمهات الأربع مع أطفالهن القتلى؟ ولماذا يجبر هذا المجاهد أولاده والزوجات على خيار “الشهادة”، أم أنه كان واثقاً من أن الاسرائيليين لا يقتلون الأطفال؟! هل خُلق الطفل الفلسطيني ليكون بين مطرقة هؤلاء وسندان أولئك؟! يتساءل المرء فقط، ما هو الذي في هذا العالم يستحق ذبح الطفل؟ أيّ مبدأ وأيّ أرض وأيّ مستقبل وأيّ قضية تستحق من أجلها أن يجوع الأطفال ويتعذبوا؟
تلقيت رسالة على هاتفي، تحمل نداء للاعتصام في مركز مدينة ستوكهولم للتنديد بالحرب الاسرائيلية على غزة. كان النداء تحت عنوان “إسلام”. ويُفهم بأنه باسم إسلامك تقدّم، وباسم إسلامك اصرخ، وباسم إسلامك اهجم. فإن كان صاحب “الموبايل” الذي قرأ الرسالة مسيحياً مثلاً، فإن النداء لا يعنيه، أو إن كان يهودياً أو بوذياً أو من لا دين له، فإن الأمر لا يعنيه، وإن كان إنساناً متعاطفاً مع الضحية الفلسطينية، فإن الدعوة لا تعنيه. إذ يجب أن يكون مسلماً.
دعونا نعترف أن كلمة “إسلام” و”مسلمين” صارت تحدث صدمة في نفوس معظم العالم غير المسلم. هكذا يدمج المراقب الخارجي هؤلاء الضحايا بتلك العقيدة، ويعتبر أن هذا الدين هو المتسبب بقتل هذا الشعب وبكسر السلام والأمان و”إقلاق” راحة الشعب الاسرائيلي. والضحايا لا يفتأون يستخدمون الرمز نفسه، ويهجمون ويُقتلون.
اليوم ونحن في هذا العمر، نتعلم اللغة الأسوجية، حيث يلتقي في الصف الواحد العديد من الجنسيات والقوميات. كان هناك فتاة اسرائيلية، اختارت حين وقع الدور عليها، أن تتحدث عن أرض اسرائيل، والمفروض أنها أرض فلسطين. قالت إنها أرض ساحرة بشمسها وهوائها ولطف الناس. كانت تصف المنطقة للطلاب وكأنها أرض سلام لا يوجد فيها أي حروب ولا صراعات. تحدثت عن التآخي الديني الذي يسعى اليه بلدها والشعب الإسرائيلي، وقالت إنك تستطيع أن تقرأ عبارات السلام في كل مكان، وباللغة العربية والعبرية معاً. كانت قريبة على بعد مترين منا فقط، وكنت أحاول أن أفتش عن الكذب في وجهها، وعلى رغم كل الكذب الذي تتفوه به، فإنها كانت صادقة لأنها تردد ما عليها أن تردده، وتستخدم لغة خطاب مفيدة لدولتها وجنسيتها. وحين ختمت كلمتها بأن المأكولات التقليدية الاسرائيلية هي الفلافل والحمّص، استثارتني تماماً فقلت لها إن هذا يكفي، لأنه لا يوجد لإسرائيل تاريخ طويل في المنطقة لكي يكون لديها “أكلات” شعبية وتراث شعبي، لأنها ساكنيها شعب قدم من بلدان عديدة، وهذه “أكلات” لبنانية وسورية. قالت: نعم، هذا صحيح! لا فرق، المهم أنها أكلات المنطقة!
نعرف أنها تتحدث براحة بال لأن بلدها ومواطنيها أكثر أمنا وسلاماً، وحياتهم فخمة بما يكفي لأن تتحدث بقلب بارد. ولكن هذا هو الواقع، وهذا هو ما يحدث وما حدث. أفلا نأخذ في الحسبان كل هذه الأمور، وما فائدة كيس التاريخ إن لم نفتش فيه ونتفكر بتلك الزوادة الماضين بها؟! حياة الفلسطيني تمضي ولكن لا أظن أن أحدهم يدري إلى أين، الى الموت أم الى حياة كلها قلق وخوف. يخطر في بال المرء أن هؤلاء المجاهدين يفعلون ما فعل سابقوهم وفاء لهم ولكي لا يكون دم “الشهيد” قد راح إهداراً، أو هم يؤمنون إيماناً كاملاً بأن الأرض لا تستعاد إلا بافتداء الأرواح. كان أبطال الأساطير يفعلون هذا، يقدّمون الأضحيات اتقاءً للقوى الغيبية التي لا سبيل إلى معرفتها، أما تلك القوى العالمية فإنها واضحة وتقلع عيوننا كل يوم، فلنتفكر!
حين يردد الإعلاميون كلمات المقاومة على لسان الشعب الفلسطيني ويحيّونه ويحيّون صموده، وما إلى ذلك، ألا يُستفز المرء ويسأل: ولكن، من استشار هذا الشعب؟ هل هناك من أجرى استفتاء حقيقياً لخيار الحرب والمقاومة، ولو في حارة واحدة من حارات غزة؟ ألا يصادَر رأي هذا الشعب، تماماً كما يحدث للشعوب العربية الرازحة تحت نير الديكتاتوريات؟ قد يكون الكلام معهوداً، ولكن آن لنا أن نتفكر بالتاريخ وبتغيير لغة تعليمنا ولغة خطابنا لأنها لم تفدنا في شيء، إنما نمسح وجودنا بأيدينا ونتلاشى.
لماذا لا يرتاح المقاتل الفلسطيني سنة من عمر فلسطين؟ ليجرّب ذلك، فلن يضيع من الأرض أكثر مما ضاع، ولن تقوى إسرائيل أكثر مما هي عليه الآن من قوة. إنما، ربما يعطى الطفل الفلسطيني فرصة أن يكبر بهدوء، والشاب فرصة أن يفكر ويختار. وربما، ربما، يأتي مبدع فلسطيني بحلّ ينقذ هذا الشعب وهذه الأرض.
حماسة الشاعر “واهجم على الدبابة بخنجر”، لم تنفع ولن تنفع. الجيل من حقه أن يعيش نهاره بسلام وينام ليله بأمان، ولو لسنة واحدة ¶
ملحق النهار الثقافي
السيد منهل.
ان كنت تعبت يا صديقي…فا جلس على جنب قارعة الطريق.
و لكن…ذاك المقاتل..و ذاك صاحب الأرض…”و هو اما بدوي..او نازح…او مهجر”…
لم يعد كلامك يعطيه كلمة تغني عليه معنى وجوده.
وجوده هو مقاومته..اقاوم أو لا أقاوم……أكون أو لا أكون.
قل ما شئت فأنت لا تدرى واصطنع العقلانية الممزوجة بالكلمات الرنانة كأليس من حق هذا الفتى ولعله يخرج بحل ولعله يطلب الراحة وما إلى ذلك من كلمات التخاذل الجميل وكانك تقول تعالوا نعمل فيها نعام ونحط راسنا فى الرمل ونعمل عبط ماهى اسرائيل مش هتبقى اقوى من كده …. قل ما شئت فهى مدونتك ولكن لاحظ انه رغم اعتراضك على الاسلام والذى لن اعلق عليه بسؤالك عن ماهيتك فأنت لا تدرى شيئا عن الاسلام ولا المسلمين وبفكرك هذا اعدك انك لو عشت على الارض سبعة ملايين من السنين فستموت ولن تدرى ولكنى اقولها لك فى كويلمات…. النفس ان لم تقتل تموت … وهذا اختيارنا يا من تجلس فى هولندا تشرب ما تشرب … انصحك بالقهوة لعلك تستفيق فتعلم انا لسنا نريد الاستشهاد بل نعشقه ونتمناه… ختاما … اقعد انت بس فكر فى الحل العبقرى المزعوم وسيب لنا احنا ما تدعى عبقريتك انه تخلف …. من غير سلام