“الابتزاز” سياسة سورية مزمنة ؟
سركيس نعوم
هل اقتربت العلاقة المميزة بين سوريا الاسد والجمهورية الاسلامية الايرانية من نهايتها؟ سؤال يطرحه هذه الايام زعماء كبار في العالم العربي ومسؤولون في العالم الاوسع وتحديداً في دوله الكبرى التي لها اهتمامات شرق اوسطية وتتهم ايران بتهديد مصالحها الحيوية في هذه المنطقة بمساعدة مباشرة من سوريا. وما يدفع الى طرح هذا السؤال في نظر مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع، بلوغ التكامل في المصالح السورية – الايرانية نهايته وبدء تحوله تناقضاً يكاد ان يهدد المصالح الاستراتيجية لكل منهما. وقد تجلى ذلك في امور عدة كان اكثرها وضوحاً مبادرة سوريا الى التفاوض غير المباشر مع اسرائيل برعاية تركيا وقد أزعج ذلك ايران رغم ان موقفها الرسمي المعلن منذ ايام الرئيس الراحل حافظ الاسد هو عدم الاعتراض على استعادة سوريا اراضيها المحتلة بالطريقة التي تراها مناسبة اولاً لأنه في حال نجاح التفاوض وتحوله مباشرا او دخول اميركا على خطه يهدد الموقع المتقدم الذي حققه الايرانيون في الشرق الاوسط بالاعتماد على القضية الفلسطينية والصراع العربي – الاسرائيلي وقد يتيح لاسرائيل وأميركا اللتين عانتا كثيراً ولا تزالان تعانيان من ايران استفرادها او ربما عزلها واضعافها تمهيداً لتصفية الحساب معها في صورة نهائية. وثانياً لأنه يمكن أن يقلص الاوراق العربية والاقليمية التي تملكها ايران وتحاول بها اقناع الادارة الاميركية بالانفتاح عليها وفي الوقت نفسه الاعتراف بها قوة اقليمية كبرى لا يمكن الاستغناء عنها اذا ارادت واشنطن والمجتمع الدولي ليس حل قضية فلسطين فحسب بل ايضا قضايا العراق وافغانستان ولبنان و”الارهاب الاسلامي الاصولي”. وقد اعربت ايران عن انزعاجها المشار اليه مباشرة للسوريين. كما اظهرته امام عدد من القيادات العربية كانت احداها، على ذمة المصادر نفسها، رئيس جمهورية عربية جديد فوجىء بالحدة التي رافقت التعبير عن الانزعاج وكذلك العبارات الاتهامية. وعبّرت عنه ايضاً بمحاولتها وخصوصاً ايام “حرب غزة” الاخيرة اقتراح نوع من خطة أمنية او اتفاق امني اقليمي لا يشمل دول المنطقة كلها طبعا، لمواجهة استفراد فلسطينيي القطاع المحتل وخطط اخضاع “حماس” وسائر الرافضين الممانعين في العالم العربي وخصوصا في لبنان. ويقال انها عبّرت عنه ثالثاً باعطاء ضوء اخضر لتوجيه رسالة صاروخية غير مباشرة اي ليس بواسطة “حزب الله” بل بواسطة حلفائه المتعاونين معه في لبنان الى اسرائيل و”حلفائها” من عرب الاعتدال والاميركيين والاوروبيين تفيد انه لا بد من وقف العدوان على غزة تلافياً لتوسيعه بحيث يشمل لبنان وربما سوريا. وهؤلاء كلهم يعرفون خطر هذا التوسيع واثره السلبي المباشر على اسرائيل. وقد حققت هذه الرسالة المطلوب منها اذ ردت اسرائيل بقذائف محدودة غير مؤذية كما تناول الفريقان الرسائل عبر “اليونيفيل” وقد ادت كلها الى التهدئة وخصوصاً في ظل نفي “حزب الله” مسؤوليته عن اطلاق الصواريخ.
طبعاً لم يصل كل ذلك بعد الى درجة وضع العلاقة السورية – الايرانية امام الحسم سواء في الاتجاه السلبي او الاتجاه الايجابي. ذلك ان سوريا لم تحصل بعد على ما يطمئنها اسرائيلياً وعربياً واميركياً رغم اطمئنانها الى وجود شبه اجماع اقليمي وعالمي على استمرار نظامها وقد يكون ذلك المطلب الاهم لحكامها. كما ان ايران لم تلمس الى الآن على الاقل ان سوريا قررت سلوك طريق اعدائها في صورة نهائية الامر الذي يبقي الابواب مشرّعة امام استمرار علاقتهما الوثيقة، فضلاً عن انها تعرف ان قرار سوريا التخلي عنها ليس سهلاً بسبب إغراق الاخيرة اياها بالمساعدات العسكرية المتطورة والاقتصادية والمالية وبسبب استثماراتها الواسعة فيها واشتراكها في تدريب قواتها المسلحة وما يتركه ذلك من تأثير عليها. وتعرف في الوقت نفسه ان هناك زاوية في العقل السوري الحاكم ترفض الابتعاد عن إيران لاسباب متنوعة.
الا ان ذلك لا يعني ان المرحلة المقبلة قد لا تنطوي على محاولات لامتحان العلاقة بين سوريا الاسد وايران الاسلامية وتحديداً محاولات عربية مدعومة دولياً عنوانها الفصل بين دمشق وطهران وخصوصاً بعد حرب غزة وتداعياتها العربية وتسلم ادارة جديدة الحكم في اميركا واحتمال تحريك الحوار الاميركي مع كل من سوريا وايران وتحريك المسار الفلسطيني – الاسرائيلي وتنظيم المفاوضات السورية – الاسرائيلية التي عُلّقت ابان حرب غزة. الا ان ما تخشاه المصادر الديبلوماسية المطلعة اياها هو ان تكرر سوريا وبواسطة ايران الاسلامية سياسة الابتزاز التي مارستها من زمان. ذلك انها في ايام الرئيس الراحل حافظ الاسد ابتزت ببراعة الدول العربية الخائفة منها وخصوصاً في الخليج وكذلك دولاً اجنبية عدة من خلال التوسط بينها وبين ايران بغية رد الخطر الايراني عنها. وقد ساعد ذلك سوريا حافظ الاسد على تحقيق مكاسب مهمة محلياً واقليمياً ودولياً (منها الاستيلاء على لبنان). وهي قد تحاول اليوم بقيادة رئيسها بشار الاسد تكرار سياسة ابتزاز الدول نفسها وذلك في مقابل تخليها عن الحلف الاستراتيجي او العلاقة المميزة مع ايران.
المصدر:النهار اللبنانية