الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

سوريا والقلق الإيراني

محمد السعيد ادريس
تعترف إيران، وحسب ما جاء في مقال نشر على موقع “دبلوماسي إيران” (الدبلوماسية الإيرانية) يوم 11 فبراير/ شباط الفائت، أن أهم ما كشفت عنه انتخابات مجالس المحافظات في العراق هي “صيحة لا” التي قالها الشعب العراقي للأحزاب التي ترتدي ثوباً دينياً ومذهبياً.
أقل ما يمكن أن يقال في هذا السياق إن القراءة الإيرانية لتلك النتائج تكشف عن قدر لا بأس به من التوجس إزاء الأوضاع المستقبلية في العراق وانعكاساتها على الاستراتيجية الإيرانية على المستويين الإقليمي والعالمي.
فإيران التي تعرف جيداً أن شهوراً أربعة فقط باتت تفصل بينها وبين الاستفتاء الشعبي العراقي على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة تعي أن هذه المدة ضئيلة جداً وقد لا تمهلها الفرصة الكافية للوصول الى اليقين بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة. فإيران تريد أن تصل الى قناعة ورأي واضح بالنسبة لجدية أو عدم جدية النوايا الأمريكية بشأن الحوار معها، وما إذا كانت تلك النوايا التي تتحدث عنها الإدارة الأمريكية تعكس موقفاً استراتيجياً أمريكياً أم أنها مجرد خطوة تكتيكية هدفها اصطياد إيران وفرض أمر واقع ينزع عنها قدرة المساومة وتوظيف ما لديها من أوراق ضغط.
إيران حريصة على الإمساك بورقة الاستفتاء الشعبي العراقي على الاتفاقية المذكورة. فهي تفكر في دفع الشعب العراقي ليقول “لا” في الاستفتاء عليها إذا ما وصلت الى يقين بعدم جدية النوايا الأمريكية وبالذات بخصوص القضايا الأهم الواردة على أجندة المصالح الاستراتيجية الإيرانية: البرنامج النووي والنفوذ الإقليمي، والانسحاب الأمريكي العاجل والناجز من العراق، أما إذا توصلت الى قناعة بأن النوايا الأمريكية في الحوار معها جادة وأن التوجه الأمريكي للحوار معها يعكس موقفاً استراتيجياً وليس تكتيكياً فإنها قد تترك الشعب العراقي ليقول كلمته التي يريد من دون تدخل أو ضغوط إيرانية، بل ربما تسعى الى أن تكون نتيجة الاستفتاء هي “نعم”.
مشكلة إيران هي الوقت المحدود الذي أضحى محكوماً بالأشهر الأربعة المقبلة، ومن هنا يأتي الارتباك الإيراني والمخاوف التي تأكدت من نتائج انتخابات مجالس المحافظات في العراق، والتي تعطي دلالات بأن الأحزاب الأكثر موالاة لإيران وخاصة جماعة عبدالعزيز الحكيم وإبراهيم الجعفري وغيرهما خسرت كثيراً في هذه الانتخابات، لكن هذا لا يعني أن النتائج التي جاءت في مصلحة جماعة نوري المالكي تصب في اتجاه لا يخدم مصالح إيران، فالمالكي صديق وحليف لإيران واستعداده للتمرد على الأمريكيين يفوق نواياه بالتمرد على إيران، لكن ذلك يعني أن أطرافاً أخرى بعيدة عن سيطرة إيران دخلت في صلب المعادلة السياسية بدرجة قد تؤثر في النفوذ الإيراني داخل العراق.
وجود هواجس من هذا النوع يضاعف الآن من مخاوف إيران من تحركات الدبلوماسية السورية وهي التحركات التي باتت تعكس حضوراً سورياً جديداً على المستويين العالمي والعربي في شكل زيارات لوفود أوروبية وأمريكية عالية المستوى، وفي شكل لقاءات عربية  سورية وتوجهات نحو إعادة ترميم المكانة العربية لسوريا ابتداءً من اللقاء الذي أعده العاهل السعودي للرئيس السوري على هامش القمة العربية الاقتصادية بالكويت بحضور الرئيس المصري وملك الأردن وأمير قطر وأمير الكويت، وجاءت زيارة الأمير مقرن بن عبدالعزيز رئيس المخابرات السعودية لدمشق ولقائه الرئيس السوري ثم زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للرياض ولقائه العاهل السعودي. هذا الحضور السوري العربي والعالمي الذي يسبق القمة العربية القادمة في الدوحة ربما يقود دمشق في اتجاهين لا ترضى عنهما طهران: الأول باتجاه تجديد عملية التفاوض مع “إسرائيل” حول الجولان، والثاني باتجاه التقارب مع محور الاعتدال العربي.
وعلى الرغم من محدودية فرص الاتجاه السوري الثالث ونعني به تقليص سوريا لعلاقاتها مع إيران حسب ما تأمل “إسرائيل” وتعتبره شرطاً لإعادة مرتفعات الجولان وحتى للقبول بالتفاوض حولها، خصوصاً في ظل حكومة يترأسها بنيامين نتنياهو، فإن الاتجاهين الأول والثاني يحملان احتمالات كثيرة لا ترضى عنها طهران بل ترفضها، ومنها احتمال تقليص دعم دمشق لكل من حزب الله في لبنان وحركتي “حماس” و”الجهاد” في فلسطين، ثم احتمال نجاح مفاوضات الجولان في الحد من الوجود الفعلي لسوريا ضمن محور الممانعة واحتمال عودة محور “الرافعة العربية” الذي يضم مصر وسوريا والسعودية.
هذه الاحتمالات تتفاقم وطأتها إذا ما سعت سوريا لاحتذاء النموذج القطري الدبلوماسي، أي أن تكون صديقة لإيران وأن تكون في الوقت نفسه قريبة من محور الاعتدال العربي.
ورغم أن سوريا لا تملك أوراق قطر وبالذات وزنها المالي، وبعدها كطرف مباشر في الصراع مع “إسرائيل” على نحو ما هو حال سوريا المنغمسة في الصراع مع تل أبيب بسبب احتلال الجولان والإصرار على استمرار هذا الاحتلال، فإن وجود شبح النموذج القطري حتى ولو على المستوى الافتراضي، متزامناً مع التهديدات التي تواجه النفوذ الإيراني في العراق والغموض الذي يكتنف مستقبل الحوار مع واشنطن يفاقم من هواجس إيران نحو سوريا ويزيد من تعقيد فرص تحسين وضعها الإقليمي.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى