الشيخ يوسف البدري “عدوّ المثقفين” يسقط في كمينه
هاني درويش
فيما يلتئم شمل معرض الكتاب في دورته الأخيرة بمفارقات التحرشات الأمنية السافرة بالمثقفين والصحافيين والجمهور، شهد عالم الصحافة والميديا فضيحة مدوية للشيخ يوسف البدري الشهير بعدو المثقفين. فالشيخ الذي ابتنى سمعته على قضايا الحسبة وكان آخرها مقاضاته وزير الثقافة مما أدى لسحب جائزة الدولة من الشاعر حلمي سالم بعد أن ضمن دعوته القضائية تقريراً للأزهر يؤكد أن ديوان “شرفة ليلي” إحتوى تجاوزاً على الذات الإلهية، هو نفسه الشيخ الذي ظهر في فيديو بثه برنامج “90 دقيقة” على فضائية “المحور” وهو يساوم صحافية على مبلغ 400 جنيه ثمنا لرقية شرعية قام بآدائها كاملة كما سجلتها كاميرا التليفون المحمول لمحررة جريدة الفجر، بمعنى آخر إستطاعت الصحافة الأقرب للصحافة الصفراء كما يسميها المصريون أن تنتقم للمثقفين المصريين. فقد كسب الشيخ مؤخرا تعويضات بالآف الجنيهات من الناقد جابر عصفور وقائمة من مثقفين وصحافيين حاولوا الرهان على مدنية الدولة أبان معركة “شرفة ليلي”. ولا تخلو الخدعة الصحافية أيضا من روح إنتقامية من “مذل المثقفين” ـ كما يسمي نفسه ـ حيث كان الشيخ قد حرك قضية ضد الصحيفة بعد نشرها صورة لشيخ الأزهر وقد إرتدى ـ بحيلة غرافيكية ـ ملابس رجال الدين المسيحيين.
المشهد العبثي الذي تظهره الأزمة ـ وهي المرشحة للتصاعد خاصة بعد بلاغ الشيخ ضد المحررة والصحيفة أمام النيابة ـ أخطر بكثير من مجمل المواجهات التي حدثت في السنوات الأخيرة بين “كهنة الحسبة” وأطياف الثقافة المصرية المشرذمة المواقف والإنتماءات، وهي المواجهات التي غضت فيها الدولة الطرف عن هزائم قانونية وعدلية لصالح سلطة التدين الظلية. فالتمدد الذي تمارسه الصحافة كسلطة رابعة جديدة مستغلة الفراغ البيني للسلطات الأخرى هو في النهاية تمدد قد تحاسب عليه الصحافة نفسها، خاصة إذا ما وضعنا سيف 24 حالة تستحق العقوبة بالحبس على الصحافي في قانون العقوبات المصري، وهي الحالات التي تسمح بسجن من تساءل حول صحة الرئيس(حالة إبراهيم عيسى) أو من وضع شيخ الأزهر في عباءة متخيلة (حالة عادل حمودة).
ملمح آخر من ملامح تشابك وتعقد جذور الأزمة هو إستخدام الصحافة لوسائل متحايلة في إطار تحقيق السبق الصحفي اللاذع الذي لا يحسم قضايا من أصلها بل يضيف إلىها بعضا من البهار الجماهيري مشككاً ـ بطبيعة الوسائل الخداعية المستخدمة ـ في أخلاقية مهنة أصبح قانونها الأخلاقي على المحك، خاصة في ظل سيولة في المعايير المهنية وإزدواج يسمح للصحافة الحكومية بإرتكاب جرائم في حق قرائها فيما تحاسب الصحافة المستقلة على جرائم مطاطة وفقا لمزاجية الحالة السياسية، وحالة الشيخ البدري أيا كانت نهاية التحقق من صدقيتها تطرح إنسداد المسالك التي بها قد تستطيع جماعة خوض معركتها بشفافية أمام أعدائها الإفتراضيون. فالشيخ البدري يمثل نموذجاً لفئة من الأشخاص ـ هم بالمناسبة معدودون على أصابع إلىد ومنتشرون في قطاعات متباينة من الحياة الإجتماعية ـ إستولت على حق التمثيل القيمي والأخلاقي للجماعة المصرية المغيبة. الشيخ البدري يرفع عقيرته كمدافع أوحد عن الدين الإسلامي متخصصاً في المثقفين، مثلما كان الشيخ كشك في نهاية السبعينيات. ويشبهه في ذلك المستشار مرتضى منصور الذي يتحدث بقيم العدالة ومواجهة الفساد في المجال الرياضي، أو اللواء نبيل لوقا بباوي في المجال السياسي متقدماً ببلاغ إلى النائب العام ضد د.سعد الدين إبراهيم متهماً إياه بالتخابر مع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ضد مصالح مصر متسلحاً أيضاً بقيمة “مصالح الأمن القومي المصري” الممثل في عضوية لجنة باسمه في مجلس الشوري المصري.
تقريباً في كل مجال من مجالات العمل العام هناك لوقا او بدري او مرتضى، حاضر بإسم الضمير الجمعي، يمسك بالميكرفون موزعاً التهم يميناً ويساراً على من يخالهم أعداءا للنظام العام أو الإطار القيمي المحافظ للمجتمع، وغالبا ما تكون تلك ةالفئة رديفا سابقا لجهات داخل النظام تحاول إستعادة مكانتها منتقلة مع كل فضيحة إلى الصفوف الأمامية للحظة، وسرعان ماينتهي دورها عائدة للصفوف الخلفية، أما مادون هذه الفئة فطابور طويل من أعضاء مجلسي الشعب والشورى ـ وللمفارقة من أعضاء تنظيم الإخوان والحزب الوطني على السواء ـ والمحامون والصحافيون وهواة الشهرة ممن يتعاملون مباشرة مع الأجهزة الأمنية مخترقين مؤسسات كالأندية والنقابات والصحف ينتظرون إشارة من أسفل الهرم الأمني لتجريس معارض أو صحافي أو كاتب. ولنا في المحامي سمير الششتاوي صاحب البلاغ ضد الصحافي إبراهيم عيسى في قضية صحة الرئيس، فهو مؤسس لإحدى مراكز المجتمع المدني، وهو من تبرع أخيرا بإصدار كتاب لتبرءة هشام طلعت مصطفى من تهمة قتل المطربة سوزان تميم، بل وقدم الكتاب لهيئة المحكمة كدليل براءة مما دفع الأخيرة لإصدار قرار بحظر النشر في القضية.
بعد ان انفردت صحيفة “الفجر” بنشر تفاصيل فضيحة “الرقية الشرعية” صحافياً، خصص برنامج 90 دقيقة إحدى فقراته لعرض جزء من الفيلم الموبايلي للصحافية فاطمة الزهراء محمد، وقد ظهر الشيخ الجليل في الجزء المعروض متباسطاً في إحدى غرف منزله المغلقة مع فتاتين محجبتين يحدثهما بلين فيما يساوم إحداهما على المتبقي من المبلغ المتفق عليه ثمناً للرقية الشرعية. كان الشيخ يجلس دون عمامته الشهيرة وقد صفف شعره الأبيض للخلف في حلة بيضاء فيما الغرفة من خلفه غارقة في جلال الكتب والمجلدات. بدت الجلسة أريحية بها بعض من الفكاهة التي لم تعرف يوما عن الشيخ المتغول في السير ذي الحس الفضائحي الغامز اللامز في الحق بإسم القران والسنة، كان يعد الأربعمئة جنيه بشبق وهو يتلمس أوراقها من فئة الخمسين جنيهاً فيما يوبخ الفتاة على ما تبقى من أجره. كان يستحلفها بالله أن تعده بالباقي أو يصبح معلقاً في ذمتها إلى يوم الدين، كان واضحا أن الفتاة تتعامل مع الموبايل في بعض اللحظات بأريحية مستغلة جهل الشيخ العالم بالتكنولوجيا. رفض الشيخ الرد في تلك الحلقة واستعاض المذيع معتز الدمرداش عن وجوده ببعض آراء رجال الدين الرسميين فيما رأوه من الشريط. احدهم إنتقد حصوله على مال مقابل الرقية! فيما تفرغ الآخر للتساؤل عن حكم تواجده مع فتاتين في غرفة دون محرم. ظهر الشيخ في حلقة خاصة في اليوم التالي متسلحاً بكتب مثل “فتح الباري في تصحيح البخاري” وهو يرد على الأئمة الذين انتقدوا حصوله على مقابل ببعض من سير الصحابة، ثم رد أيضا مسلحا بالصفحة والجزء من مرجع آخر على أهمية الرقية وقواعدها، أما فيما يخص خلوته بهما فقد رد بأن الفتاة خدعته متحججة بقدومها من خلف عائلتها لأن مرضها سري! ثم تحول للهجوم على المثقفين الذين يخافونه فلجأوا إلى نصب كمين لا أخلاقي له في منزله، حسبن وحوقل وتوعد الجميع بمن فيهم القنوات التي أذاعت الشريط أمام النيابة ، وقال انه مظلوم وانه يدعو على الفاطمة والصحيفة والمثقفين في الصلوات الخمس، وأن انتقام الله قادم لامحالة.
في ما يخص ممثلا لهذا الضمير الجمعي الذي يدافع عنه الشيخ المؤتمن على الإسلام فقد خدشت صورة الشيخ لا محالة، كما أن الصحافة الصفراء التي تتحدث عن جزء آخر من هذا الضميرـ وهي المشكوك في تمثيلها من الأساس ـ فقد فقدت مصداقيتها للنهاية بكمائينية الفيلم المصور والذي لايختلف تكنيكها في إستخدامه تكنيك خصومها ممن يدعون شرفاً موازياً أو بحثاً عن حقيقة غائبة، أما هذا الجالس ممتحناً من فوضوا بالحديث عن قيمه فقد أدرك كذب المفوضين، صحافة أو نجوماً للفضيلة الغائبة في الحديث بإسمه. هذا المغيب عن عمد سيعتبر هذا المشهد تكريساً للخراب العام المصري بامتياز… سيمتحن ريموت الكونترول في قناة أخرى منتظراً فضيحة أخرى للجميع.