الاشتراكية أو البربرية ، دفاعا عن الماركسية الثورية
غياث نعيسة
“سعياَ وراء صيغ خلاص يعيد أنبياء عصر الانحدار اكتشاف عقائد دفنتها الاشتراكية العلمية منذ أمد بعيد” تروتسكي، مقدمة أول طبعة افريكانية من البيان الشيوعي
ليس جديداَ في عالمنا أن يتحول أصحاب عقائد سابقة إلى اشد خصومها بعد تغيرهم، وليس جديدا أو معيباَ، بل هو حق يحترم، أن يعبر المرء عن رأيه بصراحة وان يمارس نقداَ قاسياَ للأفكار التي يعارضها. ولكن ما يثير الأسف، هو النقد الهجائي الذي يسئ – في نهاية المطاف – إلى الناقد نفسه قبل أن يسئ إلى موضوع النقد. هذه المقدمة ضرورية للإشارة إلى ما احتواه المقال المنشور في جريدة الأخبار بتاريخ 19 ك1 /ديسمبر 2008 للكاتب علي الشهابي بعنوان “الأزمة المالية والماركسية الثورية”.
يقدم الكاتب في مقاله المذكور “لائحة اتهام” واسعة ضد الماركسية الثورية والتروتسكيين، ويطلق أحكام تبخيس بحق التروتسكيين تشمل وصف اطروحاتهم ب”التمويه” و”التشاطر” و”التأمر” و”الاستخفاف بالعقول”،الخ. وخص بالاسم “العصبة الشيوعية الثورية” في فرنسا والناطق الرسمي باسمها اوليفييه بيزانسنو. وبالرغم من أن عنوان المقال المذكور يدور حول “الأزمة المالية” لكننا لم نجد فيه سوى مزج لعدد من التساؤلات المكررة منذ زمن حول بعض الاطروحات الأساسية للماركسية الثورية مثل “الثورة الاشتراكية ” ودور العنف فيها و” مدى احترام الاشتراكية للحقوق والتعددية”، مع تهكم الكاتب على مقولة “الاشتراكية من الأسفل”، ونتيجة خلطه للتساؤلات والاقتباسات والتهكمات معا، عانى مقاله في متن نصه مما وصفه الكاتب نفسه في نقده لاطروحات بيزانسو والتروتسكيين ب”الطلاسم ” والهذيانات”. ومع أننا لا نمثل أوليفيه بيزانسنو ولا منظمته، لكننا سنحاول تناول بعض المسائل المشار إليها في مقاله وتوضيحها ،بشكل مختصر، وعرض مواقف الماركسيين الثوريين من بعضها .
الماركسية الثورية والتروتسكيون
لم تكن صفة “التروتسكية” التي كان يصرخ بها وبافتخار الماركسيون الثوريون في وجه الستالينيين سوى تعبير عن هوية وانتماء مخالف للأنظمة الشمولية المنفرة السائدة في دول المعسكر “الاشتراكي”، و لم تكن بأي حال تقديس لمفكر وان كان كبيرا مثل تروتسكي، الذي كان يقول، هو نفسه، أن الماركسية الثورية “ابعد ما تكون عن عبادة الأصنام”.
الثورة الاجتماعية و الاشتراكية من الأسفل
في الوقت الذي كانت عليه الدعوة للاشتراكية من قبل المفكرين الآخرين قبل ماركس – مثل سان سيمون وفورييه وغيرهما- تضع تصورها وترسم خطط المجتمع الاشتراكي الذي تراه، وتستند في تحقيقه على مناشدة أصحاب النوايا الطيبة من الأغنياء والحاكمين. ولم تضع مكانا للعمال وغيرهم من المنتجين سوى مكان “الكتل” الداعمة لمشاريعهم الخاصة وبانضباط شبه عسكري، وبغياب للمشاركة الديمقراطية. إنها لم تكن دعوات طوباوية فحسب بل هي دعوات لاشتراكية “من فوق” لا مكان “للجماهير” فيها سوى الطاعة والدعم والسير وراء النخبة “الاشتراكية” المتنورة.
بينما تميز ماركس عن المفكرين الاشتراكيين السابقين له بقضيتين أساسيتين، انه أولا، كان أول مفكر اشتراكي أكد بتحليل علمي دقيق أن الاشتراكية يمكن أن تتحقق انطلاقا من التناقضات الفعلية التي تنخر الرأسمالية – وذلك بتحليله الرائع للنظام الرأسمالي ولا سيما في كتابه رأسمال- أي فوضى الإنتاج الرأسمالي، القائم على السعي المحموم للربح والمنافسة، وأيضا استنادا على التناقض الجوهري بين الطبقة العاملة والمأجورين من جهة والبرجوازية من جهة أخرى. وانه ثانيا، كان أول مفكر اشتراكي يدمج قضية الديمقراطية في قلب الفكرة الاشتراكية، لان المقولة الأساسية في الماركسية هي مقولة “التحرر الذاتي للطبقة العاملة”، أي أن “تحرر الطبقة العاملة تقوم به الطبقة العاملة نفسها” وان الاشتراكية هي عمل “الغالبية العظمى من الناس لصالح الغالبية العظمى من الناس” كما يقول ماركس الذي رأى في عصره ووفق التجربة التاريخية المتاحة له أن شكل “كومونة باريس” لعام 1871 هي الشكل الأنسب والأكثر ديمقراطية لسلطة العمال والمأجورين أو “دكتاتورية البروليتارية” كما سماها. وهنا تحديدا تكمن أهمية الماركسية. ونشير في هذا السياق إلى مؤلف هام حول هذا الموضوع صدر عام 1936 حول تطور فكرة “الاشتراكية من الأسفل” للكاتب الاشتراكي الأمريكي هال درابر .
إن “الاشتراكية من الأسفل” هي في صلب فكر ماركس وانجلز وكبار الماركسيين الثوريين بعده مثل لينين وتروتسكي وروزا لوكسمبورغ، التي أضفت التجارب التاريخية الملموسة للطبقة العاملة في القرن العشرين إغناء للنظرية الماركسية بتوضيح الشكل الذي يمكن أن تأخذه “دكتاتورية البروليتاريا” التي لا تعني شيئا آخر سوى سلطة العمال وهو شكل “التنظيم الذاتي للبروليتاريا” بمجالس العمال والمأجورين الذي اكتشفته الجماهير الروسية في ثورتيها عامي 1905 و1917 وتكرر اكتشافه في النضالات العمالية في إيطاليا وهنغاريا 1956 وألمانيا وتشيلي وأسبانيا، وهو شكل بناء السلطة العمالية من الأسفل وبديمقراطية مباشرة تفوق بلا حدود كل أشكال الديمقراطية التي عرفتها الإنسانية، وهنا تتفارق الماركسية عن الطروحات الفوضوية (أو الاناركية بلغة اليوم) لأن الأخيرة ترفض كل شكل من أشكال السلطات أو الدولة حتى ولو كانت من الأسفل كما ترفض الدور الخاص للطبقة العاملة (والمأجورين) باعتبارها الطبقة الأساسية النقيض للرأسمالية وتستخدم عوضا عنه مصطلح غائم هو الميلتيتود أو الجموع والحشود. مثلما أن لا علاقة للماركسية الثورية (أو للاشتراكية من الأسفل) بتلك الأفكار الستالينية أو الاشتراكية – الديمقراطية التي تروج لدور “نبوي” للنخب “الاشتراكية” التي ستحقق الاشتراكية بمراسيم وقرارات، بعد استلامها للسلطة.
لذلك فان علي الشهابي يتجنى على بزانسنو بقوله أن الأخير”يخفي قناعته بأن الثورة لا تنتصر إلا باستيلاء البروليتاريا على السلطة عنوة (عندما) يقول : يجب أن يأتي التغيير الفعلي من تحت، لا من دكتاتورية البروليتاريا” . لأن ما يقوله بزانسو و”العصبة الشيوعية الثورية” وسواهما من الاشتراكيين الثوريين ليس إلا تعبير صريح وواضح عن الموقف الاشتراكي الثوري الداعي للثورة من الأسفل، وليس من خلال انقلابات أو اقتناص السلطة (بالقوة أو بانتخابات برلمانية) باسم حزب ولو سمي نفسه “ماركسيا”. وتجارب القرن العشرين وافية بالأمثلة.
لم يشهد العالم – ولا نعتقد انه سيشهد- أي تجربة ثورة جماهيرية في ظل الرأسمالية تطرح منذ بدايتها أنها ثورة اشتراكية، هذه مقولة قد يطرحها يسار مراهق وحالم. لأن الانتفاضات الجماهيرية تنطلق عموما بشكل مفاجئ – حتى للثوريين غالبا- وزنادها الأساسي مطالب ديمقراطية و” إصلاحية”. وهي دينامية تتراوحها تيارات عديدة (يمكن للتبسيط القول أنها ثلاثة) تتجاوز التصنيفات الحزبية الضيقة، ولا تصل إلى مرحلة الطرح الثوري إلا في لحظة خاصة هي “الوضع الثوري” حيث كما هو معروف، تبدأ الناس تشعر برغبتها وقدرتها على إسقاط النظام القديم، و تبدأ فيه الطبقة الحاكمة بالشعور بعدم قدرتها على الحكم والقمع كما كان في السابق، ولا سيما تبدأ الجماهير في بناء أجهزة سلطتها من الأسفل عبر مجالسها العمالية.
حينئذ نشهد، كما في كل الثورات السابقة، تيار يدعو إلى الاكتفاء بالمطالب الإصلاحية والفوقية دون المساس بأسس النظام القائم، وتيار آخر يدعو للتقدم بالثورة وتجذيرها للإطاحة بالنظام القائم وإقامة السلطة العمالية، والتيارالثالث هو أجزاء من الطبقة الحاكمة والمالكة التي تسعى للإبقاء على أسس النظام السابق ومصالحه الطبقية العامة وان اقتضى الأمر التضحية ببعض ممثليه (انظر مثال رومانيا وغيرها) والقيام ببعض “الإصلاحات الشكلية والفوقية. وكما علمتنا التجارب فان دعاة “أنصاف الثورات إنما يحفرون قبورهم بأيديهم، وفق مقولة الثوري الفرنسي سان جوست، وتعلمنا التجارب الثورية أيضا أن وجود حزب عمالي اشتراكي جماهيري هو ضرورة قصوى تتجلى أهميتها في مثل هذه اللحظات الثورية، على خلاف الأطروحات الفوضوية “الأناركية” المناهضة لهذا المفهوم الماركسي الثوري ، والتي لم تتعلم من التجارب التاريخية.
لكن أفق الثورة الاجتماعية في ظل الرأسمالية هو بالتأكيد الاشتراكية وفي هذا الأمر يكون الكاتب علي الشهابي محقا ،و روزا لوكسمبورغ تعبر احسن تعبير عن ذلك بقولها “هنالك صلة لا تنفصم تربط بين الإصلاحات الاجتماعية والثورة، فالنضال من اجل الإصلاحات هو وسيلة الاشتراكية الديمقراطية والثورة الاجتماعية هي غايتها”،. لكنه يخطئ وفق ما ذكرنا لاحقا بقوله “إن بيزانسنو يوحي بتجاوزها (يقصد الثورة الاجتماعية) ليسوق أفكار العصبة في المجتمع المعاصر، وفي الوقت نفسه ليلتف على الرأسمالية… ريثما يضع الجميع أمام الثورة الاشتراكية كتحصيل حاصل”، انه يخطئ، لأن الموقف الاشتراكي (أو الماركسي) الثوري كما يطرحه الماركسيون الثوريون في مفهومهم للاشتراكية من الأسفل هو نقيض ادعاء الكاتب .
كما يخطئ الكاتب في تهكمه على “العصبة الشيوعية الثورية” وقولها بضمان “الحماية للحقوق المدنية والتعددية الحزبية”، وعلى تنويهه لميلها لاستخدام العنف ضد “الرأسماليين” الخ .
انه مخطئ تماما، لأن الماركسية الثورية لا تقدس “العنف”، بينما تاريخ الرأسمالية هو تاريخ ملتصق بالعنف والثورات والحروب والمجازر، وهنا “نحيل الكاتب إلى جواب انجلز حول سؤال “هل يمكن إلغاء الملكية الخاصة بالطرق السلمية ؟” بقوله “حبذا لو يحصل ذلك، وسيكون الشيوعيون بالتأكيد أخر من يتذمر من ذلك”، ومما لا شك فيه أن ثورة جماهيرية تقيم سلطة عمالية ستخلق ميزان قوى اجتماعية لصالح السلطة العمالية قد يخفف من الميل لاستخدام القوة إن كان من الطبقات المالكة أو السلطة العمالية نفسها. وحول سؤال “هل يمكن إلغاء الملكية الخاصة دفعة واحدة ؟” يجيب انجلز مرة أخرى “كلا، فكما لا يمكن تنمية القوى المنتجة القائمة دفعة واحدة، إلى الحد الذي تتطلبه إقامة الملكية الجماعية، كذلك لا يمكن إلغاء الملكية الخاصة دفعة واحدة”. قد يقول الكاتب علي الشهابي أن هذا الكلام قديم يعود لعام 1847 في كتاب انجلز “مبادئ الشيوعية”. هذا صحيح، لذلك فإننا سنستند إلى الوثيقة البرنامجية للثوري الفرنسي بيزانسو و”العصبة الشيوعية الثورية” الفرنسية في الرد على ما ورد بحقهما .
لقد ورد في الوثيقة البرنامجية التي صادق عليها المؤتمر الثاني عشر للأممية الرابعة عام 1985 (وهي المنظمة الأم للعصبة الشيوعية الثورية) انه “لا وجود لمجالس عمالية ذات تمثيلية فعلية ومنتخبة ديمقراطيا مع مصادرة حق الجماهير في انتخاب من تختار دون تمييزات ودون شروط تضييق مسبقة متعلقة بالقناعات الإيديولوجية والسياسية للمندوبين المنتخبين” ولم تضع الوثيقة سوى استثناء خاص بأحزاب تمارس العنف المسلح ضد السلطة العمالية بقولها “لا ينطبق هذا على أحزاب منخرطة في النضال المسلح ضد الدولة العمالية أي في ظرف حرب أهلية”. أكدت الوثيقة في اكثر من مكان أن النظرية الماركسية في الدولة لا تحتوي بأي وجه كان، المفهوم المنطوي على أن نظام الحزب الواحد هو شرط مسبق ضروري أو خاصية لسلطة العمال”.
وحدة اليسار
مع تنامي النضالات الجماهيرية على الصعيد العالمي، ولا سيما منذ منتصف التسعينات واستعادة اليسار الراديكالي النشط فيها لعافيته، طرح الواقع على عاتق اليسار الماركسي الثوري مهمة بناء الذات في العديد من البلدان التي خفت فيها تواجده، وطرح عليه أيضا – وعلى عاتق اليسار المناهض للرأسمالية عموما- مهمة بناء أحزاب يسارية عريضة وموحدة، وتميز في صفوف الاشتراكيين الثوريين على الصعيد العالمي موقفين أساسيين الأول، تطرحه الأممية الرابعة وفرعها الفرنسي (العصبة الشيوعية الثورية) الذي يخوض غمار تجربة بناء حزب واسع معادي للرأسمالية منذ نحو عامين، ويرتكز هذا الطرح على مفهوم وحدة المجموعات المناهضة للرأسمالية وان لم تكن ماركسية ثورية في “حزب موحد” وقررت العصبة الشيوعية الثورية حل نفسها بعد عامين من تشكيل هذا الحزب النضالي المعادي للرأسمالية الموحد.
في حين أن الموقف الاشتراكي الثوري الثاني هو موقف التيار الاشتراكي الأممي وبالأخص منظمته الأهم حزب العمال الاشتراكي البريطاني الذي يرى ضرورة تشكيل أحزاب يسار راديكالي واسعة باعتبارها “شكل خاص من أشكال الجبهة المتحدة” مع حفاظ الماركسيين الثوريين على هويتهم السياسية والتنظيمية، أي بصيغة أضيق من جبهة وأوسع من حزب.
لم تؤكد التجربة بعد أيا من الطرحين هو الأصح، وان كنا نعتقد أن اختيار الشكل والطريق لوحدة اليسار الراديكالي يستند على الظروف الذاتية والسياسية والاجتماعية الخاصة في كل بلد، وان كنا في هذا الخصوص اقرب للطرح الثاني.
وفي كل الأحوال فان طرح العصبة هو ابعد ما يكون عن قول الكاتب الشهابي عن بيزانسنو بأنه “يهدهد البرجوازية ويشد الجماهير إليه”، لأن الحزب المعادي للرأسمالية الذي تبنيه العصبة مع قوى أخرى هو حزب نضالي راديكالي.
ويشير انخراط اليسار الراديكالي في أوربا في كافة النضالات الجماهيرية وبناء أحزاب واسعة إلى نفوذه الجماهيري المتزايد وإلى إرادة حقيقية للتحول إلى أحزاب جماهيرية مؤثرة .ولا يعدو العمل “الدعاوي الاشتراكي” أن يكون إلا سمة للتجمعات والمنظمات الماركسية الثورية الصغيرة الحجم، التي تبقى قدرتها على المشاركة الواسعة في النضالات الجماهيرية ضيقة. وليس هذا حال اليسار الراديكالي في فرنسا أو بريطانيا.
الأزمة المالية العالمية
لا تعني الأزمة المالية الراهنة بالرغم من أهميتها نهاية الرأسمالية، وتعني مواجهتها بالنسبة لليسار الراديكالي مواجهة تأثيراتها في زيادة الإفقار والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة للملايين الذين لا يعيشون فحسب في العالم الثالث بل وبشكل أخص ملايين البشر في أوربا وأمريكا .
يقول الكاتب المذكور أن كلام العصبة والماركسيين الثوريين “غير مفهوم وغير مهم للمواطنين لعدم ارتباطه بالأزمة الراهنة” وهو مخطئ مرة أخرى.
فنضال اليسار الثوري الحازم والدائم ضد البطالة والتهميش وإغلاق المصانع والدفاع عن مصالح المأجورين والمعادي للعنصرية والحروب وانخراطه في كل النضالات الاجتماعية هو أمر معروف ومفهوم لجماهير هذه البلدان، بل هو يزيد من مصداقيته في التزامه بدعم نضالاتها ضد التأثيرات الكارثية القادمة للأزمة المالية التي تصيبها هذه المرة في قلب النظام الرأسمالي نفسه، بينما نعتقد أن اقتراح الكاتب “بالنضال” لاختيار قضاة لمحاكمة المسؤولين عن الأزمة كحل لها، لن يفهمه أحد (فما بالك بالجماهير) في أوروبا أو أمريكا بل سيجدون فيه طرفة ما .فأين هو تأثير الديمقراطية البرلمانية كمنبر “للشعب”وماذا قامت به البرلمانات في اعتى البلدان ديمقراطية من اجل حل للازمة أو غيرها؟..الخ.
قبل الأزمة المالية الراهنة ،كان النظام الرأسمالي العالمي يعني، أن مائة ألف شخص يموت يوميا في عالمنا بسبب الجوع، وان سدس سكان الأرض يعيشون تحت حافة الفقر. مع الأزمة اليوم، قامت حكومات الدول الكبرى بضخ نحو 1700 مليار دولار (جنتها من الضرائب على المواطنين) للإبقاء على النظام المصرفي العالمي – وهو المسؤول الأول عن الأزمة الراهنة- في الوقت الذي ترفض فيه هذه الحكومات رفع مستوى الأجور أو مخصصات العاطلين عن العمل أو تأمين مأوى لمن يعيشون بدونه، والمبلغ الذي ضخته الحكومة الأمريكية وحدها وهو حوالي 870 مليار دولار لصالح البنوك والمصارف يكفي لإطعام سكان الأرض أجمعين بشكل لائق لمدة عامين، حسب جان زيغلر الكاتب السويسري، الذي يعتبر ما تقوم به الرأسمالية من كوارث جرائم بحق الإنسانية.
ولكن يقول الكاتب الشهابي في مقاله المذكور، وهو جزء من مقالات عديدة لنقد الماركسية الثورية، أن التروتسكيين “سيرددون – رغم كل ما ذكره- أن المسؤول الأول عن الأزمة هو النظام الرأسمالي.. ونحن نريد محاسبة النظام ككل لا عدد من أفراده”. ونحن بدورنا نؤكد، نعم هذا ما يريده كل اليسار الراديكالي وليس فقط الماركسيون أو التروتسكيون منه.
ولن نستشهد بروتسكي من اجل الرد عليه بل بمفكر آخر يرى أن “رأس المال الخاص يميل إلى التمركز بيد أقلية، جزئيا بسبب المنافسة بين الرأسماليين، وجزئيا بسبب أن التطور التكنولوجي وزيادة تقسيم العمل يشجعان على تشكيل وحدات إنتاج اكبر على حساب الوحدات الصغيرة. ونتيجة هذه التطورات تتكون طغمة رأس المال الخاص ذو القوة الهائلة التي لا يمكن كبحها حتى بواسطة مجتمع سياسي منظم بشكل ديمقراطي” و ليعيد هذا المفكر التأكيد “أنا مقتنع بأن هناك طريقة واحدة للقضاء على هذه الشرور الكبرى وهي إقامة اقتصاد اشتراكي”، ليس هذا المفكر مصدر من مصادر الماركسية المعروفة بل انه البرت اينشتاين في مقاله “ما هي الاشتراكية” (مجلة مونثلي ريفيو، 1949).
ولكن ماذا لو “لم ينضج المجتمع للثورة” ؟. كما حصل لتشكيلات اقتصادية – اجتماعية أخرى سابقة للرأسمالية في تاريخ البشرية، فان الرأسمالية ستفاقم من انحطاطها وأزمتها، وإذا لم تأت على أنقاضها الاشتراكية يكفي النظر إلى ما هو عليه العالم للتكهن بما يمكن أن يحصل، مزيد من الحروب والكوارث والمجاعات والمجازر والأزمات والعنصرية وكره الأجانب والتعفن والانحطاط ، مما قد يعرض وجود الجنس البشري نفسه للخطر، وهو معنى صرخة روزا لوكسمبورغ “إما الاشتراكية أو البربرية”، وهذا الانحطاط يعني أيضا فتح الباب واسعا لأشكال من الفاشية.
ليست الماركسية، بالنسبة لنا، كلاما و”إبداء” للرأي فحسب إنها “علم تحرر البروليتاريا” كما وصفها انجلز، لذلك فهي عند تروتسكي “ليست أسلوبا لتحليل النصوص ولكن لتحليل العلاقات الاجتماعية”.
فالنظرية بدون ممارسة عقيمة، والممارسة بدون نظرية عمياء.
خاص – صفحات سورية –