ما بعد القمة.. ما قبل القمة.. لن يتغير شيء
زهير سالم
يتحدث الكثيرون عن مرحلة ما بعد القمة. وكأن القمة ستكون نقطة تحول حقيقية في التاريخ العربي الحديث. وتسوق هذه القناعة على المستويين المؤيد والمعارض، المؤيد يبشر بأن شمس العرب ستشرق من جزر القمر، والمعارض يرى أن عطارد سيحل في زحل، وأن القيامة ستقوم نتيجة الغضب العربي الراعد الذي سيتفجر حمماً على نهج المراوغة والمماطلة.
في متابعتنا الموضوعية لطبيعة الصراع وأبعاده وأدواته وروحية الخائضين لغماره، ندرك أن ما بعد القمة سيكون امتداداً أو استمراراً لما بعدها، ولن يتغير في الوضع العربي المأساوي من المحيط إلى الخليج شيء، وأن القمة العربية لم تستطع وقف حالة التدهور، وأن ما بعد القمة لن يكون أقل أو أكثر سوء مما قبلها. المتتبع لرمايات المعارضين للقمة سوف يجد منها مثلاً أن قمة دمشق هي القمة العربية الأولى التي لم تفتتح بالقرآن الكريم!! وأن بشار الأسد لم يفتتح خطابه بتحية الإسلام!! ثم تفيض هذه الرمايات في الحديث عن طبيعة الحضور أو عدد الغائبين من الزعماء العرب، والتذكير بغياب لبنان وإعاقة انتخاب الرئيس اللبناني.
القضايا العربية الكبرى التي تختفي وراء هذا الغبار لا أحد يفكر فيها أو يتحدث عنها لأنه لا أحد يختلف عليها. الأزمة الوجودية العربية على صعيد الوجود الفردي والوجود الجماعي بآفاقها الإنسانية والسياسية والجغرافية لا يطرحها أحد ولا يقاربها أحد لأن تكريس القطرية أصبح حالة مسلما بها متعالية على البحث والدرس، في عصر العولمة والتجمعات الكبرى التي تقوم على غير ما جامع غير الإدراك الأولي لمصالح الدول والشعوب!!
قضايا الإنسان العربي الأساسية الهوية، والحرية، والخبز… مجالي معاناة الإنسان العربي على الصعد الإنسانية والثقافية والسياسية والمعاشية اليومية ليست مادة مطروحة على جدول أعمال القمة، لأن الزعماء الذين يصنعون هذه المعاناة يرون في الأمن والاستقرار المزعومين ثمرة من ثمار بركاتهم: (وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل).
موجة الغلاء التي تجتاح الأسواق العربية والتي كان من بعض أسبابها ارتفاع أسعار النفط العالمية، هذه الموجة التي أكلت خبز الإنسان العربي البسيط (وعجبت لمن جاع ولم يشهر سيفه). حتى إنسان الخليج العربي، الذي يفترض أنه المستفيد الأول من هذا الارتفاع، بات يئن ويشكو من رحى الغلاء، فما بالنا بإنسان مصر والأردن وفلسطين وسورية!! هذه المعضلة لم تنل انتباه (المؤيدين للقمة ولا المعارضين) لأن تجويع الإنسان العربي استراتيجية متفق عليها بين الجميع.
ما بعد القمة لن يتغير شيء، لأن المعترضين على القائم في القصر الجمهوري في دمشق صبوا جام اعتراضهم على دمشق فقط، ولم يذكروا قط في حيثيات اعتراضهم المفقودين في المقابر الجماعية، ولا نزلاء الزنازين الصماء، ولا المشردين من أبناء الشعب السوري في آفاق العالم الكئيب. لم تفتح نافذة واحدة ضمن كل الضجيج الإعلامي مع القمة أو ضدها لفرد واحد من المعبرين عن معاناة الشعب السوري، الجهة التي يناط بها أن تجعل من سورية ما بعد القمة مختلفة عن سورية ما قبلها.
مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
أخبار الشرق – 2 نيسان/ أبريل 2008