“الدليل اللغوي” سلاح لإسرائيل في حربها الإعلامية
سحر بعاصيري
حرب اسرائيل على غزة كانت حربين، عسكرية ودعائية، شنتهما بالضراوة والشراسة عينها. لا مبالغة في ذلك. منذ الغارة الاولى في 27 كانون الاول 2008، بل منذ ما قبل الغارة بوقت طويل كانت فرق من الجيش الدعائي تطبق خطة مرسومة بدقة: تمهيد الارض للحرب الآتية وتطويق وسائل الاعلام التقليدية والحديثة ومحاولة السيطرة عليها سيطرة كاملة وقصفها برسائل تضليلية محددة وموّحدة كي تترسخ في الاذهان، وفتح خطوط امداد اعلامية لتعميم الرسائل وتوحيد الكلمة وضمان طغيانها على اي كلمة اخرى أو أي صورة اخرى حتى لو كانت لمئات القتلى من الاطفال الفلسطينيين. كيف استعدت لها؟ كيف خاضتها؟ والى اين وصلت بها وبالحرب العسكرية؟
الرسائل التي ارادت اسرائيل ايصالها الى العالم وخصوصاً الى الغرب تنبع من فكرة واحدة تحاول تكريسها منذ سنوات: االصراع ليس بين الاسرائيليين والفلسطينيين، هو صراع بين المعتدلين والمتطرفين. وعلى العالم في هذه الحرب ان يحفظ الآتي:
اسرائيل تمثِّل “الاعتدال” و”حماس” تمثل “الارهاب”.
اسرائيل تدافع عن نفسها و”حماس” هي المعتدية.
اسرائيل لا تدمِّر غزة ولاتقتل الابرياء والاولاد لان “حماس” مسؤولة عما يحصل هناك. فكل ما يشاهده العالم على شاشات التلفزيون هو من صنع “حماس”.
كيف حاولت اسرائيل تكريس هذه الرسائل؟
لنبدأ بما تنسبه اسرائيل الى نفسها: الاعتدال. هذه قصة قديمة تسبق حرب غزّة وتتجاوزها في محاولة لتغيير شكل الصراع. كل عمل مقاومة هو بالنسبة الى اسرائيل ارهاب. ولكن بعد هجمات 11 ايلول 2001 على الولايات المتحدة نجح رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينه ارييل شارون الى حد كبير في مساواة الفلسطينيين بالارهابيين. جاء الى البيت الابيض في كانون الاول 2001 وصرّح لدى انصرافه: “انتم في أميركا تخوضون حرباً ضد الارهاب. ونحن في اسرائيل نخوض حرباً ضد الارهاب. انها الحرب ذاتها”. ومذذاك تقدّم “وقف الارهاب الفلسطيني” مشكلة الاحتلال في أي بحث عن حل. ومذذاك يومها ايضا يردد المسؤولون الاسرائيليون النغمة نفسها وانشطهم حتى الان وزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي قلّما خلا تصريح ادلت به او خطاب القته في السنتين الاخيرتين من هذه العبارة أو ما يشبهها: الصراع ليس بين الاسرائيليين والفلسطينيين، أو بين اليهود والعرب، بل هو صراع بين المعتدلين والمتطرفين. كررتها في كل المنابر واضافت اليها ما يفترض ان ينزّه اسرائيل عن الصراع. مثلا في تشرين الاول 2007 قالت في مؤتمر عن العلاقات بين اسرائيل وحلف شمال الاطلسي:”واضح ان النزاعات الاقليمية في الشرق الاوسط ليست سببا للتطرف بل نتيجة لهذه الظاهرة” وان “الاقرار بحقيقة ان التطرف هو في جذور النزاع الاقليمي يؤثر على فهم هذا النزاع وعلى العلاقلات الفلسطينية – الاسرائيلية”، وفي نيسان 2008 في منتدى الدوحة اعتبرت ان اسرائيل ليست طرفا في الصراع في المنطقة وهو صراع بين المتطرفين والمعتدلين. وأخيراً قالت قبل ايام في واشنطن “إن الحرب على الإرهاب لا تنتهي بالتوصل إلى عملية سلام وبمصافحة الأيدي في البيت الأبيض لأن المسألة لم تعد صراعاً إسرائيلياً – فلسطينياً اذ إن هذا صار شيئا من الماضي”.
تكرار هذا الكلام كي يرسخ في الاذهان يعني تتفيه الاحتلال وإلغاء المطالب الوطنية الفلسطينية والقضاء على ما يتبقى بجعله ارهابا للمكافحة. طبعا هذا هو الاطار العام لتبرير الحرب على غزة وربما غيرها. هي ليست حرباً على الشعب الفلسطيني، تقول اسرائيل، بل هي حرب على “حماس” وهذه “منظمة ارهابية” تحكم غزة ومسؤولة عن كل ما يجري فيها أو يصيبها. متى ترسخت هذه الرسالة يسهل ارتكاب أي جريمة في غزة والرهان على تسامح الغرب في الدرجة الاولى لان الكلّ يعرف سلفاً ان الكلفة البشرية والمادية لاي حرب هناك كانت ستكون عالية جداً نتيجة الاكتظاظ السكاني وانسداد منافذ الخروج من القطاع.
وضعت اسرائيل خططها الاعلامية والدعائية باكرا. وقال مسؤولون اسرئيليون في أكثر من مناسبة إنهم تعلموا من الحرب على لبنان في تموز 2006 عندما سمحوا للصحافيين الاسرائيليين وغيرهم بدخول الجنوب فنشروا تقارير وتحقيقات ولا سيما في وسائل الاعلام الاسرائيلية بينها الكثير مما حمل انتقادات لعمليات الجيش وسلوك بعض الضباط والجنود وكان الامر محرجا للقيادة الاسرائيلية. هذه المرة لم تشأ اسرائيل ان تترك الامر خارج السيطرة الكاملة.
قبل بدء حربها بأشهر وفيما كانت قيادة الجيش تعد الخطط وتجمع المعلومات الاستخبارية، كانت الحكومة تعد لانشاء مركز اعلامي متعدد اللغة اعتبرت انه يكفي لتزويد الصحافيين ما يريدون من اخبار وصور وأشرطة فيديو وباللغة التي يفهمونها، وكلفت مجموعة من الخبراء مسؤولية ترويج وجهة النظر الاسرائيلية باكرا كي تكون الارض جاهزة عندما تبدأ الحرب. وهذا ما اكده السفير الاسرائيلي السابق آفي بازنر احد المكلفين الترويج والاعلام استناداً الى جريدة “جويش كرونيكال” اذ قال انه”عندما يبدأ القصف يصير شرح موقفنا للعالم أصعب. لذا هذه المرة كل شيء كان مرتّباً من قبل”.
وما أن بدأت حتى كان كل شيء في مكانه. المركز الاعلامي في سديروت المدينة التي استهدفتها صواريخ “حماس”. فرق الكلام الواحد والرسائل الموحّدة متوافرة لخدمة الصحافيين ليل نهار شرط ألا يطلبوا دخول غزة. الخبراء والناطقون باسم الحكومة يجتاحون وسائل الاعلام المحلية والغربية وحتى بعض الفضائيات العربية ويكرّرون الرسالة عينها: “اسرائيل المعتدلة تدافع عن نفسها ضد حماس الارهابية والمسؤولية كلها تقع على حماس”.
منعت اسرائيل دخول الصحافيين الاسرائيليين والاجانب الى غزة على رغم حكم لمحكمة العدل العليا سمح بدخول عدد قليل منهم. القرار لم يكن مفاجئاً لأنها بدأت بمنعهم من ذلك في تشرين الثاني 2008 عندما كانت التهدئة مع “حماس” لا تزال سارية. وهكذا لم يبق امام مئات الصحافيين مع بدء الحرب الا الاختيار بين البقاء مع الجيش الاسرائيلي، في المركز الاعلامي طبعاً، أو البقاء بعيداً منه. ولكن حتى هؤلاء لم يرتاحوا من “القصف الاعلامي” للجيش. اذ كانوا يتلقون رسائل قصيرة على هواتفهم الخليوية يعرض فيها الجيش مساعدتهم على التغطية وباللغة التي يشاؤون. عملياً كان مراسلو الجيش ومصوِّروه يغطون الحرب ويعدّون التقارير والصور المعقمة ويوزعونها على وسائل الاعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة. بل بلغت التعمية في الصحف المحلية حد انه في 7 كانون الثاني عندما قصفت اسرائيل مدرسة لـ”الاونروا” فيها لاجئون وقتلت 40 منهم بينهم عدد كبير من الاولاد، نشرت “يديعوت احرونوت” الصحيفة الاوسع انتشارا في اسرائيل، صورة المجزرة في الصفحة السابعة، بينما احتل الصفحة الاولى خبر مقتل ثلاثة جنود اسرائيليين بـ”نيران صديقة”.
هذا التقييد الاعلامي بعد سنوات التعبئة ضد غزة و”حماس” خدم اسرائيل في الداخل وأمّن لها دعماً كبيراً تجاوز 80% على رغم أن من أراد من الاسرائيليين معرفة ما يجري في غزة كان يمكنه الاطلاع عليه من الفضائيات العربية أو الغربية أو من الانترنت. مع هذا فإن قلة فقط شككت في جدوى الحرب وكثيرون اعتبروا ان الجيش تأخر سنوات لشنها.
واجتاحت اسرائيل الانترنت عملياً. الجيش انشأ موقعاً خاصاً به على “يوتيوب” لعرض أشرطة فيديو وصور تظهر ما قال إنها عمليات فائقة الدقة في قصف مواقع “حماس” أي انها تظهر انسانيته في محاولة تفادي المدنيين، وحتى منتصف كانون الثاني كان 1،5 مليون مستخدم زاروا الموقع. ووزارة الخارجية حضرت بقوة على موقع خدمة الرسائل القصيرة “تويتر” الذي تحوّل موقعا اخبارياً كبيراً يتحدث فيه ناطقون باسمها ويشرحون الحرب ويناقشون. بل عمدت عبر شبكة واسعة من المؤيدين الى تجنيد مئات وربما أكثر من المتطوعين على الانترنت لبث الرسائل ذاتها. وقد نقلت “الجيروزاليم بوست” عن الميجر أفيتال ليبوفيتش رئيسة دائرة الاعلام الاجنبي في الجيش ان “فضاء البلوغز ووسائل الاعلام الحديثة هي جبهة حرب جديدة ويجب ان نكون حاضرين عليها”.
ومنعاً لاي خطأ في عملية التطويق هذه، عمّمت اسرائيل على ممثليها وحلفائها في الغرب من مسؤولين واعلاميين وخبراء وعلى جمعيات الصداقة اليهودية مذكرة تحدد النقاط الواجب التقيّد بها عند الحديث عن حرب غزة. وقد نشر أحد المواقع الالكترونية المرتبطة مباشرة بالحكومة “ذا اسرائيلي بروجكت” “دليلا لغويا” يحدد اطار الكلام عن حرب غزة والنقاط المحددة التي يجب اثارتها والجُمل التي يجب تكرارها ان في البيانات أم في التصريحات والمقابلات الصحافية في كتابة المقالات أو التعليقات. وهذا “الدليل” يدخل عملياً في اطار الاستراتيجيا الدعائية لاسرائيل والتي تتبّع خطوطاً أساسية أبرزها:
أولاً، الحضور الطاغي في وسائل الاعلام بما يقزِّم عمليا أي حضور للخصم بل حضور متخصص لخبراء دعاية واعلام يفهمون المجتمع الذي يخاطبون ويتحدثون اليه بأمثلة من عنده أو قريبة من حياته.
ثانياً، التأكد من تحديد اطار النقاش لضمان التحكم به والتفوق فيه على الخصم وتاليا ضمان ترسيخ الفكرة الاساسية لفهم للحرب في اذهان المشاهدين أو القراء. وليس مصادفة مثلاً ان اسرائيل نجحت الى حد كبير هذه المرة في ترويج كون الحرب بدأت عمليا في 19 كانون الاول عندما اعلنت “حماس” انتهاء التهدئة وليس في 27 منه عندما بدأت هي حربها، وهذا ساهم ايضا في ترسيخ “مسؤولية حماس” فيما تجاهلت اسرائيل كليا انتهاكاتها للتهدئة وعدم التزامها ما نصت عليه من فتح المعابر وتجاهلت مسؤوليتها في ما فعله حصارها بغزة منذ انسحاب قواتها منها عام 2005.
ثالثا، استغلال الصور النمطية للعرب والمسلمين في الغرب لانها تسهّل ترويج الحجج الاسرائيلية. فالصور النمطية سيئة أصلاً وقد ازدادت الاستعدادات في الغرب لتصديقها بعد 11 ايلول 2001. فالعربي أو المسلم هو في اسوأ الاحوال ارهابي وفي أحسنها مشروع ارهابي. واسرائيل ساهمت تاريخياً في ترويج هذه الصور وتغذيتها. ألم تقل غولدا مئير ذات يوم “يمكن ان نسامح العرب لقتلهم أولادنا ولكن لا يمكن أن نسامحهم لجعلنا نقتل أولادهم”. هذا يضع االفلسطينيين ضحايا الحرب عمليا في مصاف المجرمين الذين اما يستحقون الموت وإما لا يستحقون التعاطف. الضحايا تصير مجرد ارقام وقتل المدنيين بمن فيهم الاولاد يصير مبرراً.
رابعاً، الاصرار على نفي اية وقائع أو معلومات تتضمن انتقادات لسياسات اسرائيل أو اعمالها حتى لو كانت صوراً لدمار وقتلى، والمخرج في مثل هذه الحال لعب دور الضحية، أي لوم الطرف الآخر: اسرائيل لم تفعل ذلك، لكن الآخرين دفعوها الى ذلك. وقد فعلت ليفني هذا عندما ردت على طلب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اعلان هدنة انسانية بإصرارها على ان “لا ازمة انسانية في غزة”.
أخيراً، في حال استهلاك الحجج ازاء انتقادات متواصلة واتهامات لاسرائيل، يبقى السلاح الامضى لوقفها هو التلميح للمنتقد بموضوع معاداة السامية فيتوقف.
هذه الخطوط العريضة. اما التفاصيل ففي “الدليل اللغوي” الذي لا يترك تفصيلا إلا ويذكره. وهنا نماذج مختارة من التوجيهات لما يسمى رسائل يجب التركيز عليه وعبارات مفيدة للاستخدام:
من “الرسائل”:
– “اسرائيل تدافع عن مواطينها ولا تختلف عن اي دولة أخرى ذات سيادة عليها حماية مواطنيها من الذين يريدون قتلهم، وهي أظهرت حتى الان ضبط نفس كبيراً حيال هجمات الارهابيين في غزة” . ولكن تذكروا أن العالم لا يعرف إلا القليل عن الهجمات الصاروخية لـ”حماس”. فقد اظهرت دراسة أن 60% من الاميركيين لم يسمعوا بها أو سمعوا قليلاً جداً عنها. لذا يجب تهيئة الاجواء لتأكيد حق اسرائيل في الدفاع عن النفس بوصف الوضع خصوصا على مستوى انساني. اذكروا ان أكثر من 6300 صاروخ أطلقت من غزة على اسرائيل منها ثلاثة آلاف في 2008 وحدها وانها تصل في دفعات، خمسة صواريخ ، عشرة واحياناً خمسين في اليوم عينه، وانها اصابت غرف الجلوس ودور الحضانة والملاعب واصابت أطفالاً في طريقهم الى المدارس ونساء يتبضعن، وأن العائلات في سديروت تنام منذ ثلاث سنوات في الملاجئ بدل غرف النوم. واذكروا ان 13 بريئا قتلوا و780 جرحوا وألوفاً اصيبوا بالهلع وان عدد هذه الصوارخ ازداد هذه السنة وكذلك مداها وبدأت تهدد مدناً اخرى. من المهم تثقيف الرأي العام بطريقة انسانية وشخصية عن حال الحصار التي يعيشها سكان سديروت ويواجهونها يومياً. الاولاد لا يستطيعون النوم. لا يذهبون الى المدارس. لا يعيشون حياة طبيعية. لماذا؟
– اسرائيل انسحبت من غزة قبل ثلاث سنوات ولا نية لديها للعودة. الوف الرجال والنساء والاولاد والجنود تركوا غزة في أيدي الفلسطينيين على أمل ان يحل السلام. ولكن علامَ حصلوا في المقابل؟ على الارهاب.
– الاشارة الى “حماس” وغيرها من المجموعات الفلسطينية على انها ارهابية تمولها ايران من اجل ابقاء موضوع تطوير ايران أسلحة نووية في العناوين أيضاً.
– هدف “حماس” هو ازالة دولة اسرائيل.
– فيما تمارس اسرائيل حقها في الدفاع عن نفسها علينا ان ندرك أننا نواجه مشاهد وصوراً قوية ومدمرة في الاعلام لابرياء فلسطينيين يقتلون أو يصابون في العمليات الدفاعية. لذا علينا ان نتعاطف معهم ونظهر رغبة اسرائيل في السلام ركناً أساسياً في استراتيجيتنا.
– الرئيس المنتخب باراك اوباما محترم جداً في العالم وخصوصا بين حلفائنا الاوروبيين، ولارائه وكلامه وزن بين الناس الذين لا يزال علينا ان نكسب قلوبهم وعقولهم. استخدموا أقوالاً له أو استشهادات من كلامه للتركيز على أهمية الموضوع. خلال حملته الانتخابية زار اوباما سديروت وقال في مؤتمر صحافي في أحد مراكز الشرطة عن اطلاق صواريخ “القسام”: اذا كان احد يطلق صواريخ على منزلي حيث تنام ابنتيَّ ليلاً، سأفعل كل شيء لامنعه وأتوقع من اسرائيل ان تفعل الشيء عينه”. وقال عن التهديد النووي الايراني ان”ايران نووية ستشكل تهديداً خطيراً وعلى العالم ان يمنعها من امتلاك سلاح نووي”.
ومن “الجُمل المفيدة التي تؤدي الغاية”:
– اسرائيل ملتزمة مستقبلاً أفضل يعيش فيه الاسرائيليون والفلسطينيون جنباً الى جنب بسلام.
– اسرائيل تريد انتهاء الألم والمعاناة وملتزمة العمل مع الفلسطينيين في اتجاه حل سلمي سياسي يكون فيه للجانبين مستقبل أفضل.
– اسرائيل قدّمت تضحيات مؤلمة لاعطاء السلام فرصة. ازالت طوعاً 9 آلاف مستوطن من غزة واجزاء من الضفة. تخلت عن منازل ومدارس وأعمال وأماكن عبادة على أمل تجديد عملية السلام.
– نريد كلاماً أكثر وجروحاً أقل، حواراً أكثر وموتاً أقل.
– الطرفان يستحقان مستقبلاً أفضل.
– أطفال اسرائيل يتعلمون عن السلام والتسامح في المدارس. قاعاتهم مليئة بصور رياضيين وعلماء ورواد فضاء. وأنا اصلي لنصل الى يوم تعلّم حماس الاولاد الفلسطينيين الطموح الى ان يكونوا أطباء ومحامين واساتذة لا ان يكونوا انتحاريين يطمحون الى الموت. الا تعتقدون ان هذا استغلال واساءة معاملة للاولاد؟
– أريد للاولاد الفلسطينيين ان يكبروا لا أن يتفجروا. ألم يحن الوقت لهم لتبديل الجهاد بوظائف والكراهية بالامل؟
– ماذا على اسرائيل ان تفعل؟ (الجمهور أميركي) تصوروا لو ان صواريخ أطلقت من كندا على بيوتكم في روتشستر ليل نهار. ماذا تفعل أميركا؟
– الفلسطينيون يستحقون حكومة تزيل الارهاب ليس لانها تجعل اولادي أكثر أماناً بل لانها تصنع مستقبلاً أفضل لاولاد فلسطين.
لا اعتقد ان أحداً تابع اخبار الحرب لم يسمع مثل هذا الكلام على ألسنة ناطقين اسرائيليين. التوجيهات الاسرائيلية ترددت في أكثر من دولة وفي تصريحات كثيرة. في الولايات المتحدة مثلاً سمعنا سيلاً من من التصريحات لنواب وممثلين منتخبين بعضهم يعيد حرفياً ما جاء في “الدليل” ولا سيما التساؤل عن “القصف من كندا”. وسمعنا في نيويورك السناتور تشاك شومن يمتدح في تظاهرة مؤيدة للحرب على غزة الاساليب الانسانية لاسرائيل، مشيراً الى انها وجهت رسائل قصيرة عبر الخليوي تحض فيها السكان على مغاردة منازلهم قبل قصفها وتساءل “اي دولة أخرى في العالم تفعل ذلك؟” وسمعنا حاكم نيويورك ديفيد باترسون يتحدث عن العداء للسامية الذي تلا بدء الحرب، وذكر تحديداً حادثة ضرب مراهقة في فرنسا وقال: “هذا النوع من الغضب والكراهية ينتشر كالمرض”. لكن الكراهية كانت موجودة بكثرة في التظاهرة اذ رفع رجل لافتة كتب فيها: “الاسلام طائفة موت” وشبّه متظاهرون سكان غزة بـ”سرطان يجب استئصاله”، وبرر احدهم وحشية الحرب بقوله إن اهالي غزة “يواجهون غضب الله”.
لكن هذه الحرب الاعلامية لم تجر في الغرب من دون اختراقات كبيرة أحياناً. فمنع المراسلين الاجانب من دخول غزة لم يحل دون انتشار صور الفظائع التي ترتكبها اسرائيل وذلك لوجود مئات المراسلين المقيمين في غزة ممن يعملون مع فضائيات عربية وخصوصاً “العربية” و”الجزيرة” ومثلهم من العاملين مع تلفزيونات اجنبية ولا سيما منها الـ”بي بي سي” ومحطات اوروبية خاصة. وساهم وجود هؤلاء في كشف جانب آخر من الحقيقة. فقد وضع الجيش الاسرائيلي مثلاً على “اليوتيوب” شريط فيديو صُوّر من الجو لما قال انه ضربة “عالية الدقة” بالصواريخ لمجموعة من “حماس” تحمّل “صواريخ غراد في شاحنة لحماس”. وقالت الـ”بي بي سي” إنه قبل ان تتحقق من الخبر في اليوم التالي كان 260 الف شخص شاهدوه في بريطانيا. ولكن تبين ان القصة مختلفة. أحمد سنّور (55 سنة) هو صاحب الشاحنة الصغيرة وهو يمتلك معملاً صغيراً وكان العمال ينقلون اسطوانات الاوكسيجين من المعمل الى الشاحنة. وقد قصفت اسرائيل الشاحنة وقتلت ثمانية عمال بينهم ابن سنّور ودمرت المعمل والمبنى المجاور.
وساهمت وحشية الضربات الاسرائيلية واستهدافها مراكز انسانية وخصوصاً مدارس “الاونروا” التي لجأ اليها اهالي غزة وبعض المستشفيات في فرض عرض مشاهد لها وللاحتجاجات عليها في انحاء العالم. ولا شك في ان هذا لم يعجب الفرق الاسرائيلية المكلفة مراقبة وسائل الاعلام اينما كان مما انعكس انتقادات لهذه الوسيلة أو تلك بحجة عدم التوازن في التغطية. التوازن بالنسبة الى اسرائيل هو في أقصى حد اعطاء ما يجري في غزة المساحة نفسها التي تعطى لسقوط صواريخ في سديروت. ولاحظ مراقبون اعلاميون ان الكثير من وسائل الاعلام الغربية اتبعت هذا النوع من “التوازن”.
هل نجحت اسرائيل في حربها الاعلامية؟ هل خسرت؟ الجدل مستمر في العالم وخصوصاً في الغرب الذي هو هدف هذه الدعاية في الدرجة الاولى.
البعض يجزم انها ربحت والبعض الاخر يجزم بانها خسرت. ولكن من يستطيع ان يحسم الامر؟ لا الربح الكامل واضح ولا الخسارة الكاملة واضحة. المقاييس تختلف باختلاف التوقعات. الاكيد ان ثمة آلة دعائية اعلامية ضخمة لا تتحرك اسرائيل عسكرياً من دونها والاكيد ان اسرائيل تفهم جيداً كيف يعمل الاعلام الغربي وتعرف كيف تستغل نقاط ضعفه وانحيازه. وأياً يكن معدّل نجاحها أو خسارتها في هذه الحرب فانها لا تزال قادرة على ضمان تفوق الرواية الاسرائيلية على الرواية الفلسطينية في الغرب بصرف النظر عن نسبة الاختلاق والتضليل والتحريف فيها.