إسرائيل في مهبّ عاصفة سياسية
باتريك سيل
يتجّه الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع في 10 شباط (فبراير)، بحالة ذهنية جماعية مضطربة ومن دون أن يكونوا مستعدين بالشكل المناسب لاتخاذ الخيارات المهمة التي ستترتب على هذه الانتخابات. ويشكّل ذلك خبراً سيئاً بالنسبة إلى إسرائيل وجيرانها وإلى مستقبل عملية السلام.
سيسعى الناخبون الإسرائيليون للإجابة على الأسئلة الثلاثة التالية على الأقل: كيف ستنعكس نتائج حرب غزة السلبية على إسرائيل؟ وماذا تنوي إدارة باراك أوباما فعله على صعيد العلاقات الأميركية – الإسرائيلية؟ ومن هو المرشح، من بين السياسيين الثلاثة أو الأربعة المتنافسين على منصب رئاسة الوزراء، الذي سيكون أفضل من يؤتمن على مستقبل إسرائيل؟
على رغم أن معظم العالم نظر إلى الحرب في غزة على أنها عمل إجرامي ضد مدنيين عزّل، فقد نتجت عنها موجة مغالاة في القومية في إسرائيل، بعد أن اعتُبرت انتصاراً قومياً. كما فرح الإسرائيليون الذين لم يبالوا كالعادة بمعاناة الفلسطينيين، بقدرة جيشهم على ضرب مجتمع عربي. وأراد الكثيرون أن يُستكمل الهجوم الضاري إلى أن يتمّ القضاء على حركة «حماس» و «محو قطاع غزة عن الخريطة».
وأظهرت الحرب، إضافة إلى العجرفة والجنون اللذين يميزان علاقة إسرائيل بجيرانها، وجود كره عميق للعرب بين فئات المجتمع كافة بما في ذلك ما كان يعرف سابقاً باليسار السياسي والأدبي. وكانت ترجمة ذلك سياسياً بتحوّل الناخبين الإسرائيليين إلى اليمين.
ومن المرجح أن ينتج عن صناديق الاقتراع تطوّران. الأول هو أن يتقدم حزب «الليكود» برئاسة بنيامين نتنياهو الذي يعارض السلام وإقامة دولة فلسطينية، على حزب «كاديما» الوسطي برئاسة تسيبي ليفني، هذا الحزب الذي لا يملك نوايا سلمية. أما التطور الثاني فهو أن يحظى حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبيرمان، وهو حزب قومي متشدد وفاشي، بفرصة أن يحلّ مكان حزب العمل برئاسة إيهود باراك، ليصبح ثالث حزب على الساحة السياسية.
وعندما تخف حدة الحماسة القومية، من المرجح أن يواجه الإسرائيليون واقعا مؤلما وهو أن نتيجة الحرب ستكون عكس ما أراده كل من باراك وليفني وإيهود أولمرت، رئيس الوزراء المستقيل.
وسيعي الإسرائيليون حينها أن هذه الحرب ساهمت في تعزيز قوة حركة «حماس» وإعطائها الشرعية عوضا عن القضاء عليها. ومن غير المرجح أن تحول حالة الهياج الديبلوماسي في إسرائيل دون إجراء اتصال محتمل، بقيادة فرنسا، بين الاتحاد الأوروبي وحركة «حماس»، يليه حوار بين الولايات المتحدة والحركة، كما أوصى وزير الخارجية الاميركي الأسبق جيمس بيكر وشخصيات نافذة اخرى في اميركا.
وعوضا عن استمرار حصار إسرائيل لقطاع غزة، ستواجه ضغطاً كبيراً بهدف فتح المعابر. وعوضا عن إجبار حركة «حماس» المهزومة على إطلاق سراح الجندي غلعاد شاليت، لا شك أن إسرائيل ستوافق على مبادلته بألف سجين فلسطيني على الأقل في حال قررت أخيرا أن تدفع ثمن تحريره عوضا عن تركه يتعفن في السجن.
باختصار، عوضا عن وضع عملية السلام جانبا كما أمل المستوطنون الذين يستولون على الأراضي والقوميون المتشددون، عزّزت الحرب الجهود الدولية بغية التوصل إلى حلّ شامل للنزاع العربي – الإسرائيلي، فضلا عن انسحاب إسرائيل من سائر الأراضي التي استولت عليها في العام 1967.
والأمر الأكثر إيلاما بالنسبة إلى رجال الحرب الإسرائيليين هو التغيير الكبير الحاصل في سلوك البيت الأبيض. فينبغي على الإسرائيليين أن يتفاهموا مع رئيس أميركي يسعى لاستعادة العلاقات مع العالم العربي والإسلامي، هذه العلاقات التي تأذّت جراء حرب جورج بوش الابن على العراق ودعمه الأعمى للحربين التي شنتهما إسرائيل في لبنان وفي غزة و «حربه العالمية على الإرهاب» التي شنها من دون تمييز والتي يُنظر إليها على أنها حرب على الإسلام.
وكان أوباما قد أجرى هذا الأسبوع مقابلة مع قناة «العربية» أعلن فيها أنه «يتوجب عليّ أن أقول أن الولايات المتحدة ستعمل من أجل خير العالم الإسلامي وستتكلم معه بلغة الاحترام. فأنا عشتُ في أسرة تضم أفراداً مسلمين وترعرت في بلد مسلم. كما تكمن مهمتي إزاء العالم الإسلامي في القول له بأن الأميركيين ليسوا أعداءه». فلم يسبق لأي رئيس أميركي أن تكلم بلغة مماثلة.
وقال أوباما بالتحديد: «أظن أنه من الممكن أن نشهد ولادة دولة فلسطينية غير مقطعة، وتسمح لشعبها بالتنقل بحرية وبإقامة علاقات تجارية مع البلدان الأخرى وصفقات تجارية تساعد شعبها على أن يعيش حياة أفضل…» فلم يسبق لأي رئيس أميركي أن وجه أي انتقاد لسياسات إسرائيل الحالية وممارساتها.
وقد وصل مبعوث باراك أوباما إلى الشرق الأوسط السيناتور السابق جورج ميتشيل إلى المنطقة، داعيا إلى السلام والتسامح والتوصل إلى تسوية الأراضي. فقد حاول استباق نتائج الانتخابات التي ستجري في 10 شباط (فبراير). ويترتب على الزعماء الإسرائيليين الذين سيتم انتخابهم، أن يتجاوبوا مع مناخ سياسي حولهم بات متغيّراً جذرياً.
ان سياسات إسرائيل فوضوية ومتصدّعة في العمق. ويأتي ذلك نتيجة النظام الانتخابي الذي يقوم على التمثيل النسبي الواسع على مستوى الدولة وهو نظام موروث عن الجماعة اليهودية في فلسطين «ييشوف» التي كانت قائمة قبل قيام اسرائيل عندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وهي بمثابة تعبير عن رغبة عدد كبير من المجموعات في جعل صوتها مسموعاً. وينص النظام على أن يكون عدد المقاعد التي تتسلمها كل لائحة مناسبا لعدد الأصوات التي تفوز بها في الانتخابات. ويحق لكل لائحة تفوز بنسبة 2 في المئة على الأقل من الأصوات بالحصول على مقعد في الكنيست. وينتج عن ذلك عدد كبير من الأحزاب الصغيرة، يمثّل كل منها مجموعة تملك مصلحة خاصة وأحيانا آراء متطرفة.
وعلى خلاف الديموقراطيات الغربية مثل بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة، لا يستطيع أي حزب إسرائيلي أن يحكم بمفرده. ويُشترط أن يُجري أي من الأحزاب الثلاثة أو الأربعة الأساسية سواء «الليكود» أو «كاديما» أو حزب العمل أو «اسرائيل بيتنا» ائتلافا مع الأحزاب الأخرى، ليتسلم زمام الحكم. ويجب أن يبحث الحزب عن شركاء ائتلاف بين خصومه و/ أو الأحزاب الأصغر أمثال حزب «شاس» وهو الحزب الديني القومي و «التوراة الموحدة» وحزب «ميريتس»، ناهيك عن الأحزاب العربية التي تعاني المشاكل والتي لم ينجح الضغط العنصري في منعها من المشاركة في الانتخابات.
من السهل رؤية كيف أن الائتلافات الضعيفة تستطيع أن تحدّ من حرية تصرف أي حكومة إسرائيلية لا سيما عندما يتعلق الموضوع بالتفاوض على السلام.
وينبغي على جورج ميتشيل أن يعالج هذا الوضع الحرج. فجلب إسرائيل إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى حلّ، سيتطلب قدراً كبيراً من الكفاءة والعزم والضغط لا سيما في حال ترأس بنيامين نتنياهو الحكومة الإسرائيلية المقبلة.
يستطيع المرء أن يقرّ بأن باراك أوباما، على خلاف كل الرؤساء الذين سبقوه، عازم منذ بداية عهده على ممارسة الضغوط للتوصل إلى سلام عربي – إسرائيلي. وهو يحظى بسلطة ذاتية منقطعة النظير وبدعم سياسي داخل الولايات المتحدة. وتعتمد إسرائيل من جهتها بشكل كبير على الدعم الأميركي، سواء على الصعيد المالي، أو العسكري والسياسي إلى حدّ أنها قد تخطئ في حال شكّلت حكومة إسرائيلية لمواجهته أو لعدم إرضائه.
قد يكون ذلك أفضل مؤشر إيجابي وربما الوحيد على مستقبل منطقة مضطربة في العمق.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط
الحياة