كشف حساب
سعد محيو
بعد أيام قليلة يحتفل تيار 14 آذار/ مارس اللبناني بالذكرى الرابعة لتأسيسه كقوة سياسية رئيسية في لبنان. لكن هذه المرة، وعلى رغم البهرجة “الجماهيرية” والإعلامية المتوقعة كالعادة في كل عام، ستجري هذه الاحتفالات وسط تساؤلات “وجودية”: أين أصبح هذا التيار الآن، وأي مستقبل ينتظره؟
ثمة مقاربتان لهذا السؤال: الأولى سياسية، والثانية تاريخية.
في المقاربة الاولى، يبدو المشهد زاهياً إلى حد ما: فالتيار تمكّن من الصمود والاستمرار خلال هذه السنوات الأربع، رغم كونه ائتلافاً طائفياً فضفاضاً. كما أنه لم يتفكك بفعل الضربات الأمنية العنيفة التي تعرّض إليها. إضافة إلى هذه المعطيات، يستطيع 14 آذار/ مارس أن يقول بأنه حقق بعض الإنجازات: المحكمة الدولية، موافقة سوريا على تبادل السفارات، واستمرار الدعم الغربي واسع النطاق له.
لكن، هل هذه الإيجابيات السياسية تترجم نفسها إيجابيات تاريخية أيضاً؟
هنا يبدو أن كشف الحساب لا يميل كثيراً لصالح 14 آذار/ مارس.
فقد طرح التيار نفسه على أنه الممثل الأول لهوية وطنية لبنانية جديدة قادرة على انتشال لبنان من وهدة ازماته الطاحنة. جاء في وثيقة “مؤتمر ربيع لبنان 2008”: التيار يلتزم ب”ثقافة السلام والوصل مع الآخر تقوم على التنوع والانفتاح الثقافي والتفاعل. إن مستقبلنا السياسي مرتبط بقدرتنا على إرساء السلام والوصل في حياتنا الوطنية”.
توصيف جميل لهوية جديدة. لكن ما أعطاه التيار في يد على هذا الصعيد، أخذه سريعاً في يد أخرى، حين ألمح وفي الوثيقة نفسها إلى أنه في الواقع في حال حرب مع هذا “الآخر” نفسه (8 آذار/مارس) الذي يفترض التواصل معه، وذلك على مستويين خطرين اثنين: الأول ثقافي والثاني إقليمي.
جاء في الوثيقة في المستوى الأول: “لبنان لم يكن في تاريخه الحديث على هذه الدرجة من الانقسام الحاد. وهذا الانقسام ليس من طبيعة طائفية ولاسياسية ، بل ثقافية، حيث تتواجه نظرتان مختلفتان إلى العالم: نظرة تقوم على ثقافة السلام والعيش معاً، وأخرى تقوم على ثقافة العنف والفصل”.
وبالطبع، حين لا يكون الانقسام سياسياً بل ثقافياً ويتعلق بالحياة والموت، تصبح عملية “الوصل مع الآخر” في خبر كان، أو يتم إرجاؤها على الأقل إلى أن يتم إصلاح النفوس بعد عقود أو حتى قرون.
وجاء في الوثيقة في المستوى الثاني: “.. يجب الانحياز إلى العالم العربي في سعيه إلى إعادة تكوّنه السياسي والذي تواجهه قوى إقليمية -إيران و”إسرائيل”- تحاول إبقاءه على ما هو عليه”، وبالطبع أيضاً، حين يتم الانحياز إلى أطراف الصراعات الإقليمية، تصبح عملية انقاذ لبنان من ورطاته الخارجية أكثر تعقيداً حتى من ورطاته الثقافية، وتتحول “حروب الآخرين” على أرضه إلى حروبه الخاصة.
قد يقال هنا إن محاكمة 14 آذار وفق هذه المقاربة فيها قدر كبير من الظلم. فهذا التيار حديث العهد. ثم إنه في الدرجة الاولى إئتلاف سياسي أقيم على عجل لأغراض سياسية.
إذا ما كان الأمر كذلك فمغفورة خطاياه. أما إذا ما كان 14 آذار/ مارس يطرح نفسه كحركة إصلاحية شاملة لصنع لبنان جديد، فيجب حينها أن يخضع إلى معايير الحكم التاريخي لا إلى مقاييس المحصلات السياسية.
وهذه المعايير التاريخية لا تؤشر البتة على أن هذا التيار سيكون يوماً ما.. تاريخياً.