من يبارز… أم من يبادر؟
موفق نيربية
لا ريب أن هنالك نجاحاً قد حصل على مستوى قضية غزة، رغم الكلفة الباهظة التي دفعها أهل غزة أنفسهم، يتمثّل هذا النجاح في أن قضية الحصار قد وُضعت على نارٍ حامية، وظهرت دعوات هنا وهناك، ومنها في الولايات المتحدة، للتفرّغ نسبياً لهذه المسألة، وخلق الظروف لتهدئة نفوس الناس وإزاحة العبء المعيشي الثقيل عن ظهورهم.
في المقابل، هنالك نجاح للبعض- هو فشل للبقية- في خسارة زمن مهم من وقت حل القضية الأكبر في التوصل إلى اتفاق يتضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ومع أن هذا الأمر خسارة استراتيجية، إلاّ أنه قد يكون فراغاً يكفي لتحسين الانسجام، وخفض حجم التعارض المعتاد بين التسوية الفلسطينية وتلك السورية مع إسرائيل. يقترح بعض أهل الرأي وصنع القرار في الولايات المتحدة مثل هذه الرؤية وهذا التوجه الذي يفترض التفاتاً أميركياً أسرع نحو سورية، وقد سمح الفراغ والتأخر الأميركي في هذا المسار الثاني بالتفسّخ في الدور التركي المنفرد.
وبين نجاح هنا وفشل هناك، كان مهماً أن يستطيع العرب إنقاذ مبادرتهم رغم مرور سنوات عليها من دون مردود ملموس، مما يتيح للتيارات المحبَطة أو المترددة أو غير المتوافقة معها ضمناً أن تهاجمها. وهذا حق لا يمكن إنكاره أو إنكار دوافعه على الإطلاق، لكنه ليس السياسة الصحيحة حالياً، فما خرج في قمة الكويت من تمسّك بالمبادرة مع إطلاق تعبيراتٍ تقول إنها ليست مطروحة إلى الأبد، هو الخلاصة الأسلم.
المبادرة العربية حين طرحت، كانت نجاحاً للعقل العربي في تجاوز محنته، منذ زمن، وأكبر مصدر لنجاحها وقوتها يكمن في الإجماع العربي الرسمي عليها، لأن الأنظمة العربية المختلفة رغم وحدتها غالباً على مصالحها في الاستمرار، لم تجتمع مرةً على الموقف من النزاع العربي، سلماً أم حرباً.
تقوم المبادرة على فكرة بسيطة لا لبس فيها، للمرة الأولى أيضاً. فلتنفّذ إسرائيل ما يلي:
«أ- الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، والأراضي التي مازالت محتلة في جنوب لبنان.
ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو 1967في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.
فتقوم الدول العربية بما يلي:
«أ- اعتبار النزاع العربي-الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.
ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل».
ثم دعا القادة العرب «كلهم» حكومةَ إسرائيل والإسرائيليين جميعا إلى قبول هذه المبادرة، «حمايةً لفرص السلام وحقناً للدماء، بما يمكّن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنباً إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلاً آمناً يسوده الرخاء والاستقرار».
فلماذا ندفن هذه المبادرة، ولو شاخت في شرخ شبابها؟ «وما هو البديل؟» على قول نايف حواتمة حين دافع عن حلّ الدولتين في أوائل السبعينيات، فاستفزّ حرصنا على استعادة فلسطين من البحر إلى النهر! أما الإسرائيليون فلم يسمعوا أكثر من ذلك بين عامي 1948-1967، ولا أفضل منه في جميع الأوقات.
نظرياً، هنالك إمكانية للمبارزة بدلاً من المبادرة. وعملياً هما إمكانيتان، لحرب نظامية، أو حرب صواريخ وعمليات انتحارية. والأولى بلغت مداها في حرب أكتوبر، ولم تعد قابلة للتكرار سياسياً وعسكرياً، والثانية أصبح الجدار– الحقير بكلّ المقاييس- في وجهها، فلم يبق إلاّ الصواريخ، أو الطريق الإيراني إلى تحرير فلسطين.
المبارزة تحتاج حالياً إلى المتابعة حتى النهاية، والنهاية غامضة ومدمّرة. والمبادرة أيضاً تحتاج إلى متابعة، بالاستمرار بالمبادرة ربما أحياناً، أو بالصمود عندها، وليس ضرورياً أن تكون المتابعة على طريقة اقتراح توماس فريدمان في الأسبوع الماضي، الذي يتخيل الملك عبدالله يتقدّم بمبادرة جديدة تحمل حلاً خماسياً، تتولى فيه مصر والأردن مسؤولية الأمن في مرحلة انتقالية في القطاع وغزة، وتتحمل السعودية مصاريفهما، ومصاريف تكوين هياكل الدولة الفلسطينية، ليتحقق بذلك حلّ الدولتين… والمجموع خمسة. وأنا بالمناسبة لا أتمتع بقراءة فريدمان إلا بمقدار متعتي بقراءة هيكل، مع طعم القار المرّ في الفم بعدها، كما بعد تدخين سيجارة ممتعة.
بالعقلانية والوحدة نحصل على ما نريد حتى من حكومة إسرائيلية يرأسها ليبرمان، وبغير ذلك لا نحصل على شيء حتى من حكومة يرأسها… ما هو اسم رئيس حركة «السلام الآن»؟
* كاتب سوري