دكاكين الغش في محيط الجامعات
توفيق أبو شومر
قال لي أحد الأصدقاء:
إذا أردتَ أن تعرف حقيقة التعليم الجامعي في كثير من أقطار الوطن العربي، فلا تطلع علي البرامج والساعات والجداول وأنواع المحاضرات وشهادات الأساتذة، ولا تلتفــــــت كثيرا للكُتيبات التي تشرح طبيعة عمل الجامعات، بل قم بجولة حول الجامعات، واقرأ أسماء ويافطات الدكاكين التي تتغذي علي التعليم الجامعي، وتابع المحلات والدكاكين والمستودعات التي ترتزق من الجامعات، عندئذِ ستدرك حجم الكارثة الكبري!
وانصياعا لنصيحته، فقد قمتُ بالتدقيق في المحلات والدكاكين التي تحيط بإحدي الجامعات، وسألتُ عن تخصصاتها ومجالات عملها، فأُصبتُ بالذعر، فالمحلات والدكاكين في معظمها مختصة في إعداد الأبحاث الجامعية بالنيابة عن طلاب الجامعة أنفسهم، طبعا القادرين منهم علي دفع التكاليف.
فهي ـ أي الدكاكين ـ تقوم باختيار موضوعات الأبحاث، وتعهد إلي بعض المحترفين بكتابتها، وتقوم بطباعتها وأخذ الموافقة عليها من الأساتذة المختصين، مهما كانت موضوعات تلك الرسائل.
فهناك مختصون في كتابة أبحاث التخرج لشهادة الباكالوريوس، وآخرون متخصصون في أبحاث الماجستير، وهناك أيضا مساعدون لإعداد شهادات الدكتوراه، بالإضافة إلي أن المكاتب والدكاكين تقوم بتصميم استطلاعات الرأي والاستبانات، وتحليل بياناتها، ولكل دكان سماسرتها، ممن ينفذون الأبحاث، ويشرفون عليها حتي النهاية.
وكثيرٌ من مصممي الأبحاث الجامعية، من المدرسين الذين ألجأتهم الحاجة إلي هذه المهنة الجديدة، كما أن بعض أرباب الدكاكين والمكاتب يستعينون ببعض الأساتذة الجامعيين، الذين يودون تحسين مداخيلهم بغض النظر عما يقومون به من إفساد لجوهر التعليم الجامعي، الذي يقوم علي أساس تدريب الطالب كيف يكون باحثا جديرا بالمسؤولية.
كما أن بعض الدكاكين تتخصص في بيع كتب الأساتذة للطلاب، وكأنها كتبٌ مدرسية للمراحل التعليمية الأولي، وتقاس كفاءة الطالب بناء علي ما يحتويه كتاب الأستاذ المقرر، مع أن المبدأ الرئيس في التعليم الجامعي يقوم علي أساس تشجيع الطالب وتدريبه علي كيفية الحصول علي المعلومات الجديدة، لكي يتمكن من تنمية قدراته العقلية، ليصبح قادرا علي تكوين رأي آخر. وما أزال أذكر كيف استطاع أحد خريجي الجامعة من استئجار مكتب قريب، واستأجر بعض محترفي كتابة الأبحاث، وسخر بعض المدققين، واتصل ببعض المنسوبين للجامعة لتسهيل مرور هذه الأبحاث في إطارها الجامعي القانوني، وكل ما سبق نظير مبالغ يدفعها، أو خدمات وهدايا يقدمها للمسؤولين تُحتسب من ثمن البحث، ومن ضمن الخدمات التي كان يقدمها صاحب الدكان لأحد الأساتذة في الجامعة، أنه كان يُجند بعض الأعوان والمرتزقة من أصدقائه لمساعدة الأستاذ في اغتصاب قطعة أرض، لا حق له فيها! وكل ذلك علي حساب النزاهة الأكاديمية!
وقال لي أحدُ الخريجين من جامعة عربية، بأن بعض المكاتب والدكاكين تقوم ببضعة آلاف من الدولارات، ليس بإعداد الأبحاث بالنيابة عن أصحابها فقط، ولكن بتسجيلهم ضمن الحضور، حتي وهم في أوطانهم البعيدة، وهذه المكاتب مكاتب مقاولات للأبحاث والدراسات الجامعية، تأخذ علي عاتقها كل الأمور حتي النجاح، فالنجاح مضمون!
وإذا أضفنا إلي ما سبق تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية في بعض الكليات الجامعية العربية ككليات الطب، فإننا نكون قد أكملنا حلقة الإفساد المتعمد لهذا التعليم.
وإذا أضفنا إلي المصائب السابقة، مصيبة عدم استقلال التعليم الجامعي، واعتبار كثير من الجامعات العربية جامعات حكومية رسمية، فإننا نعثر علي السبب الذي يجعل التعليم الجامعي في العالم العربي تعليما إلزاميا يشبه المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وهذا بالطبع أحد أسباب تقصير الجامعات والمعاهد في إنتاج الفكر، واكتشاف الإبداعات، وبالتالي إنتاج المستقبل المنافس.
إن إلحاق التعليم الجامعي بالوظائف الحكومية الرسمية، يزيد من معضلة تكدس الموظفين، وزيادة أعداد العاطلين عن العمل، وكان مفروضا أن تكون كل الجامعات مؤسسات خاصة غير حكومية، تُنافس المؤسسات الحكومية في مجال خدمة المجتمع حتي تساهم في حل مشاكل البطالة، حين يكون لكل جامعة مؤسساتها الخاصة بها، فتخلق بذلك مئات فرص العمل للشباب.
وأشار د. أحمد زويل في كتابه عصر العلم، إلي معضلة التعليم الجامعي في العالم العربي مؤكدا بأن إسهام كل الجامعات العربية في الأوراق العلمية المحكمة يتراوح بين صفر في المائة وأقل من نصف في المائة، ونوَّه البنك الدولي في تقريره الأخير الصادر في عمان إلي معضلة التعليم العربي وتأخره عن اللحاق بأسباب التطور، ولا حياة لمن تُنادي!
ومن الغرائب بأن ما يُنفقه العربُ علي التعليم أقل من 2% من مجموع الدخل العام، أما مجموع دول آسيا الشرقية فيبلغ إنفاقها علي قطاع التعليم 18% من دخلها العام، أما امريكا فإنها تنفق 28% من دخلها علي التربية والتعليم والبحث العلمي، وتأتي في المرتبة الثانية بعد اليابان التي تنفق 31% من مجموع دخلها علي التعليم والبحث العلمي.
باحث وكاتب فلسطيني مقيم في لندن
03/04/2008