صفحات سورية

سنلتقي يوماً في سورية !

null
الدكتور قصي غريب
مرّت سنتان و ما يزال” سفيان” معتقل رهينة من قبل الأجهزة الأمنية للنظام الشمولي المستبد الحاكم بلادنا و شعبنا بالقوة و القهر و التمييز و الإنتقام و التشفي من دون أي تهمة توجه إليه سوى إنه ابن المحامي “محمد أحمد بكور” الأمين العام للجنة السورية للعمل الديمقراطي المعارض لشمولية و إستبداد النظام الحاكم.
من لا يعرف” سفيان” ؟ أنا أعرّف به إنه شاب واعد مستقل سياسياً ولد في بغداد العام 1977 من أبويين عربيين من سورية مسقط رأسيهما و قلبيهما مدينة أبي الفداء حماة التي استباحها الإنقلابيون و الجلادون و التمييزيون أكثر من مرة و هدموها فوق رؤوس أهلها في الأعوام 1964 و 1980 و 1982. في بغداد عاش” سفيان” إذ كانت إقامة والده و تخرّج في كلية الإدارة و الإقتصاد- جامعة بغداد حاملاً شهادة البكالوريوس و على أثر ذلك و مثل إخوته الناجحين في حياتهم العملية اتجه للعمل التجاري و قد أصاب فيه نجاحاً لا بأس فيه إذ عرف بإجتهاده و نشاطه المتسم بالصدق و الأمانة و الوفاء بالعهد و دماثة الخلق و التواضع و الهدوء و الإبتسامة التي لا تفارقه و إحترامه و تعاونه مع الاخرين و قد كنت واحداً منهم فعلى الرغم من إنشغاله بعمله إلا أنه مدّ لي يد العون العلمي و ساعدني في ترجمة الكثير من النصوص الإنكليزية الى العربية في أثناء كتابة إطروحتي للدكتوراة في العلوم السياسية و لقد كان هذا شأنه دائما يلغي ذاته و يذوب في المجموع و لا سيما تجاه عائلته التي يحبها حباً جماً، فكان يتفانى في عمله  من أجل إسعادها.
و كانت أمنية العمر لديه العودة الى” سورية – حماة” مثل عودة سرب طيور من هجرة التشرد و النفي فهيأ مشهداً آخر يمارس فيه حياته العملية في وطنه بعد أن أثقله ما يثقلنا من أحزان التشرد و النفي و البعد عن الوطن و الأهل و الأحبة لا سيما بعد أن أعطيت له ضمانات من قبل السفارة السورية في بغداد.
فماذا فعل الشموليون المستبدون ؟ لقد هيأوا مشهدهم الخاص الذي يخضع لشروط شريعة الغابة التي ترتكز و تقوم على الغدر و الانتقام و الكذب الذي هو عقيدة لديهم و يا لخيبة الأمل المنشود لقد غدر ب “سفيان” الذي عاد الى وطنه” سورية – حماة” في 26 كانون الأول 2006 و اعتقل في 13 كانون الثاني 2007 من قبل الأجهزة الأمنية على الرغم من معرفتها بانه لم يمارس في حياته العمل السياسي أبداً و لكنه اعتقل إنطلاقاً من إشباع غرائز بدائية قائمة على الانتقام و التشفي من أبيه المعارض لشموليتهم و استبدادهم و أنهم بهذا السلوك الشنيع اللاانساني أفصحوا عن هويتهم الحقيقية على أنهم غدارون بامتياز و انتقاميون بامتياز و كذابون بامتياز مع أبناء وطنهم و أهلهم.
و يبدو لي : إنّ هذا قدرنا و مصيرنا فالجميع في سورية عليه أن يدفع الثمن غالياً سواء من يعمل في السياسة أم من لا يعمل فيها و يدير ظهره لها مثل” سفيان” فالواحد منا قدره ومصيره إما أن يكون شهيداً أو شريداً أو سجيناً.
و أتذكر يوماً في بغداد شاهدنا معاً فيلم مصري “احنا بتوع الأتوبيس” و قد ضحك “سفيان” كثيراً إنطلاقاً من مبدأ” شر البلية ما يضحك” فالمعتقلين البسطاء في الفيلم من الأتوبيس كان لا دخل لهم بالسياسة ،في أثناء التعذيب كانوا يصرخون: “احنا بتوع الأتوبيس” و قد قلت له وقتها مازحاً أخاف بعد عودتك الى” سورية – حماة” أن يحصل لك ما حصل لهم فتصرخ في وجه السجّان و الجلاّد : “احنا بتوع الشامبو” لا سيما و إنّ الشامبو كان سهماً في تجارته و مع الأسف هذا ما حصل معه لقد “اعتقل”.
ماذا بعد؟ لقد لاحظت و لفت إنتباهي : أن هناك تعتيم واضح و عدم إهتمام إنساني بقضية “سفيان” و أمثاله من قبل جماعات حقوق الإنسان في بلادنا – إلا ما عصم الله من الملتزمين إلتزاماً حقيقياً بها- و بشكل خاص دكاكين التجارة بحقوق الإنسان التي لا تهتم إلا بالمسائل المسلطة عليها الأضواء من دوائر معينة لاستدراج عروض و في مقدمتها إهتمامها بالمسائل الغوغائية للبغاث العنصري و الطائفي و المذهبي وبشرذمة من الذين تاريخهم تقلبات فكرية و آيديولوجية .
ان هذه الدكاكين تقيم الدنيا ولا تقعدها حين يعتقل احد المسلط عليهم الأضواء من قبل الآخر الخارجي بل إنّ إحدى الفضائيات المؤدلجة لنشر الطائفية و المذهبية و التقسيم تحت شعار نشر الديمقراطية و إحترام حقوق الإنسان أصبحت منبراً لتلميعهم و تسويقهم و يبدو أن وجه “سفيان” البشوش و المزروع بالفرح و الأمل بغد أفضل ووجوه امثاله غير تلفزيونية أو سينمائية لتسويق قضيتهم فضائياً في زمن فرض الديمقراطية بالقوة وزمن سماسرة الأزقة المعتمة في السياسة على أوطانهم و شعوبهم و الزمن الذي إنهارت فيه المثل العليا و قل الحياء  .
إن هؤلاء المتفرجون من دكاكين التجارة و المقاولين بحقوق الإنسان يحتاجون الى جرعة بل جرعات من الأخلاق و الإنسانية و الوطنية.
أخيراً يا صديقي “سفيان” إنّ حقوق الصداقة و الخبز و الملح بيننا تدفعني الى أن أناشد الله كل الناشطين الشرفاء بحقوق الإنسان في سورية وفي بلدان الوطن العربي و الشرفاء من المعارضة السورية في الخارج الى الإهتمام بقضيتك الإنسانية و قضايا أمثالك و تسليط الضوء عليها من أجل الضغط على السلطات في سورية للإفراج عنكم.
كما إنني على يقين بأن بلادنا ستتحول بهمة أهل العزائم الصادقة من أبناء وطننا الى عالم الديمقراطية و إحترام حقوق الإنسان و المواطنة و إننا سنلتقي يوما في سورية ! و قد يكون اللقاء في دمشق أو الحسكة أو حماة لا أعرف متى يكون ؟ و لكن سنلتقي إن شاء الله و كالمعتاد لن يكون الحديث بيننا في السياسة.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى