بيانات وتقاريرصفحات سورية

الأزمات تتوالد، والمخرج وحيد, إلى أين يودي احتكار السلطة بالدولة والمجتمع؟!

null
تستمرّ السلطة السياسية في سوريا بإشاحة البصر عن الأزمة الشاملة التي تعصف ببلادنا منذ فترة بعيدة، فلا تعير للأوضاع إلاّ أذناً من طين وأخرى من عجين. وجاءتها الأزمة الاقتصادية العالمية المستجدة فرجاً، لتضع عليها اللائمة في كلّ ما تسببت فيه سياساتها من شلل اقتصادي وصعوبات معيشية في حياة المواطنين.
فقد جاء في الأنباء الرسمية أن مجلس الوزراء وافق في جلسته الأسبوعية التي عقدها الثلاثاء الماضي على تفويض وزارة المالية، بناء على طلبها، بالاستمرار بمنح الشركات الصناعية المتعثرة مالياً سِلَفاً من أموال الخزينة الجاهزة بعام 2009 بغية تسديد رواتب وأجور العاملين في تلك الشركات. ولا يمكن إلا أن نشكر الحكومة على “حنانها”، من دون أن ننسى مسؤوليتها عن تحوّل تلك الشركات إلى عالةٍ على دافعي الضرائب والثروة الوطنية، الأمر الذي لا يليق بمفهوم الدولة أساساً.
وفي أنباءٍ أخرى، بعضها موثّق وبعضها يلمسه الناس من دون أن يعرفوا حدوده ودرجة اتّساعه، أن كثيراً من الصناعيين يحذّرون من انهيار اقتصادي وشيك، ويلفتون النظر إلى أن آلاف العمال قد تمّ صرفهم من العمل، وآلافاً غيرهم تنتظر مثل ذلك. كما أن هنالك معامل قد توقفت عن العمل، وأخرى على الطريق.
وإذا كان المواطنون السوريون قد انشغلوا عن أوجاعهم الخاصة وهم يرون ما يحدث لأهلهم في غزة خلال شهرٍ من الزمن، فإنهم لاحظوا في الوقت نفسه كيف تستخدم السلطة حرارة القضايا الوطنية في إخفاء أزمتها الداخلية، ومجمل الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد. وذلك إن كان نافعاً لفترة محدودة، فهو لن ينفع إلى النهاية.
تتوقّع السلطة من المواطن أن ينسى الهيمنة الأمنية وأخبار الاعتقالات وتقييد حرية الرأي والتعبير، وينسى الاحتكار السياسي والفساد الكبير، ويعض ّعلى النواجذ متحمّلاً جوعه وحرمان أولاده، ويندفع مبتسماً وراء طلائعه أو وراء حكومته من معركة إلى معركة، سواء كانت حقيقية كما حدث في حرب غزة، أو مصطنعة كما يحدث غالباً. وما لم يحصل ذلك، فيسلو عن حاجاته الأساسية ويهجر مطالبه ومعارضته، لا يكون وطنياً على القياس القسري الواحد، أو اللباس الموحد.
إن الأزمة الوطنية الشاملة، وقد جاءها العون من أزمة عالمية كبرى، سوف تنعكس آثاراً لا يستطيع أحد توقّع عمقها ومجرياتها، لكنها لن تكون سهلة بأي حال من الأحوال، كما يتصوّر حكامنا. ويبقى الحلّ مفتوحاً وواضحاً، أو هو مجرّد مدخل للحل. فإطلاق الحريات ومفهوم الحوار الشامل، والبدء من إلغاء السجن السياسي وحالة الطوارئ، والتأسيس على مبدأ المسؤولية الموزّعة على الجميع، هي ما يمكن أن يفتح الباب على المخارج الوطنية للأزمة السائدة. وهذه أيضاً “وطنية” يمكن القياس عليها.
الاعتراف بالمعارضة الوطنية الديمقراطية، وحق الرأي الآخر بالوجود والتعبير عن نفسه، هما ما ينبغي للسلطة أن تعي ضرورته، وليس أن تسعى إلى إلغاء المعارضة أو كَتم صوتها تحت الرايات الكبيرة. هذه المعارضة إذ تلتزم قولاً وفعلاً بقضايا الشعب والوطن؛ ومنها الوقوف في وجه عدوان إسرائيل ومن يدعمها؛ تدرك علاقتها التبادلية، يومياً ومنذ زمنٍ طويل.
وإذا كنا مقبلين كما يبدو على أزماتٍ وآلامٍ جديدة، فذلك يدفعنا للثقة أكثر فأكثر بصحة وشرعية قضيتنا في الحرية والديمقراطية والتقدم.

إلى أين يودي احتكار السلطة بالدولة والمجتمع؟!
سواءٌ كان أم لم يكن دقيقاً تماماً ما قاله الثلاثاء الماضي نائب رئيس مجلس الوزراء من أن سوريا تحتاج إلى حَقن اقتصادها بخمسين مليار دولار حتى عام 2020، فذلك لا يمكن إلا أن يعبّر عن أزمة كبيرة، وإلا أن يدفعنا للقول إن الأمر يحتاج إلى سياسة أخرى غير التي تسلكها السلطة وتعاند على السير فيها.
فالمجتمع السوري مهدد ليس بتداعي اقتصاده الوطني وحسب، بل بتدهور حياة مواطنيه ونضوب مصادر عيشهم، أكثر مما هو حاصل حالياً. وبذلك هو مهدد أيضاً في تماسك بنيته الاجتماعية التي قاومت بإعجازٍ عوامل التآكل التي خلقتها سياسات النظام على مدى عقود.
لا تلتفت السلطة إلى أنباء أمن المجتمع، وتتجاهل في إعلامها ما كان يمكن أن يشغل الصفحات الأولى في البلاد الأخرى، لأنها تعتقد، كما يبدو، أن كلّ ما لم يجرِ الحديث عنه لم يحدث. فأن يسقط خمسة قتلى وعشرات الجرحى- بالرصاص الحي- نتيجة شجار طفلين في قرية الدار الكبيرة قرب حمص، ويسقط مثلهم في حادث عائلي في إحدى قرى الشمال مثلاً، هو حادث عابر في نظر السلطة، لا يعبّر إلاّ عن الافتقاد إلى “الأخلاق والوعي” بين المواطنين، الذين لا يستحقون بذلك مثل سلطتهم هذه!
وأن تأتي رسالة من جامعة واحدة (الجامعة اللبنانية) تقول إن حوالي عشرين في المائة من الذين سألت الإدارة السورية عن صحة شهاداتهم في إجراءٍ روتيني واحد، هم حملة لثلاث وأربعين شهادة مزورة ، هو قضية صغيرة، حتى لو كان الأمر يمكن تعميمه واستنتاج وقوع كارثة منه. علماً أن هؤلاء يعملون حتى تاريخه في مؤسسات الدولة والقطاع العام، و أن من بينهم أبناء لمسؤولين في السلطة أو الحزب الحاكم، وهنا مصدر السؤال، ومرجع الجواب.
فتدفق الاستثمارات المذكورة على سوريا، وهي تستحق ذلك بقدرات مواطنيها وكفاءتهم، يحتاج إلى “بيئة” مناسبة ماانفكّ المستثمرون من الخارج يتحدثون عنها منذ أعوام، وهذه البيئة تتمثّل في ضمانات مألوفة، لا تنحصر في الشأن الاقتصادي والمالي والتشريعات الصحيحة، بمقدار ما تركّز على سيادة القانون واستقلالية القضاء، وشلّ يد الفساد وعقل الإفساد.
والتزام المواطنين بالقانون لا يتحقق إلاّ بمساواتهم أمامه، وأمنهم لا يتجسّّد إلا من خلال العدالة، وليس بمفاعيل الدولة الأمنية التي يتعارض مفهومها مع أمنهم الذاتي. فكلمة “الأمن” لا تعني مضمونها الأصلي حين يسمعها المواطن السوري، لأنها تستحضر شبح أجهزة تهيمن وتسيطر على أشكال الحياة المختلفة في المجتمع، فتُرهب المواطنين وتتجسّس عليهم وتعتقلهم على آرائهم وتتدخّل في كلّ شاردة وواردة.
كما أن التعليم لا يمكن أن يتطور- وهو الأساس الضروري لعملية التقدّم – بالقرارات الفوقية وحدها أو بتدخّل الحزب الحاكم والأجهزة في شؤونه بشكل تعسّفي وكيفي، لأن الفساد داخَله بعمق، وسادت السطحية والمحسوبية والتلقين على حساب روح العلم وتقديم العالِم المجتهد. ووجود أسماء مسؤولين أو أبنائهم بين الحاصلين على شهادات عليا خُلّبية، أو بين أصحاب الشهادات المزورة، التي لم ينكشف منها في القوائم المعلنة بخجل إلا رأس الجبل الجليدي بالتأكيد.. يشير إلى مسؤولية السلطة واستهتارها بالمصلحة الوطنية.
الأزمة الشاملة تحتاج إلى الاعتراف بها أولاً.. ثمّ إلى حلولٍ شاملة.
موقع اعلان دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى