جلالة النوم
قزحيا ساسين
صديقي النوم،
أجمل ما في العمر أنّك نصفُه، وليت في الإمكان أن يكون أكثر جمالاً بعد فتكون أنت كلّه. زرني ويداك فارغتان من زبد الأحلام، فأنا أريدك فقيراً، تبعثر فيَّ أنفاسك، وتريحني من حمل جسدي على كتفيّ في غابة الضجيج المسوّر برماح النهار المضاءة.
الحلم، يا صديقي، مفتاح الخرافة وجسر ورقيّ لا يروي بسقوطه الذليل غليل عاصفة. وأنا أحتاج منذ ألف عام إلى أن أحظى بنعمة الأسر في خيمة الصمت الأبديّ التي لا تصطادها عيون ثعالب النهار وينوب ذئاب الليل، بعيداً من ثقل دم المعنى واللامعنى، فأرجوك أن تزورني مثلما يزور ربيع بلا زهر أرضاً حبلى بذاتها، ومكتفية بما فيها من لذّة الإبحار في ذاتها.
لست يائساً، يا صديقي، إنّما أشعر الآن بوضوح لافت أنّ العمر نصفان، وأنّك النصف الأبهى، ومن حقّي كإنسان سئم حمل رأسه الغليظ أن أحدّد انتمائي إلى النصف الذي يرضيني من عمري. إنّي شربتُ كأس اليقظة، وأكلتُ من جسدها المرّ، وصافحت كلّ الذين حضروا وليمتها، وتبادلنا السكاكين وتفّاح الكذب وخسِرتُ العشبة البيضاء التي أضاءت أمّي بها قلبي يوم طردتني بفرح عظيم من جسدها السكّري. وبأعجوبة نجوت بجبيني من تحت أقدام الضيوف الشرِهين ولم يعد في وسعي إلاّ القفز من نوافذ الليل والنهار إلى بحيرة تعيد مياهها الهادئة ترميمي، وتساعدني في الاحتفاظ بما بقي من جمال الله في مساحة روحي التي أدمتها حوافر خيول اليقظة.
لست متشائماً، يا صديقي، إنّما تجتاحني غيرة كبيرة من الخمر في جرارها المختومة ومن الأطفال الذين لم يولدوا ولم يستجيبوا نداء اللحم والدم.
ومن حقّي كإنسان أن أختار الإستمرار بالشكل الذي يتلاءم مع فردوس ما قبل الولادة، ومن حقّي أيضاً أن أبني كلماتي سوراً شاهقاً بيني وبين اليقظة، وأمضي فيك، يا صديقي، مستسلماً لشمس مسروقة الذهب، ولقمر مسلوب الفضّة، ولي أن أعشقهما دائرتين ملوَّنَتَين بريش غراب.
خذ النصف الثاني من العمر، يا سيّدي، فإنّ شاطىء اليقظة يغري بالإبحار ولا يجود إلاّ بالغرق. وإنّ مارد الوعي يسلبني ذهبي ويترك في يديّ الكئيبتين الحنين إلى فكرة آمنة كوسادة. وإنّ قدميَّ الماشيتين بمشيئة اليقظة تحملانني إلى الهاوية لأرقد بغير سلام.
خذني يا صديقي. أُعصرْني خمراً لشتائك. يبِّسني حطباً لموقدك. إجعلني خيطاً في ردائك الطويل. أُغرُزني مسماراً في باب من أبوابك الشاهقة.
إنّني سهل تغصّ أثلامه بماء النعاس ويريد أن ينام.