جريدتك: حين تصنع أنتَ الخبر… والحدث
محمد خير
فالكون ـ تشيليفالكون ـ تشيلييتولّى تحريرها عامل التنظيفات وربّة المنزل والكاتب المحترف. هذه ليست مدوّنة بل أوّل صحيفة عربية إلكترونية تريد الاقتراب من الواقع، لتقدّم «إعلاماً بديلاً ومستقلاً». وهي تراهن على كسر احتكار الصورة… وعلى حماسة الشباب
بدءاً من الآن، والأصحّ بدءاً من 28 آذار (مارس) الماضي، أصبح في إمكانك أن تكون صحافياً من دون أن تدرس الصحافة، ومن دون أن تعمل سابقاً في هذا المجال. والأهم من دون أن تضطر إلى الكشف عن اسمك إذا كان في ذلك ما يسيء إليك أو يخيفك. مدونات مرة أخرى؟ كلاّ، إنّها جريدة على شبكة الإنترنت، تفتح صفحاتها للجميع. لأنه «يمكن أيّ واحد منا أن يكون مصدراً هاماً للمعلومات: المدوّنون، مستخدموّ الإنترنت، المواطنون العاديون، الجمعيات، والصحافيون. أي مواطن يُعدّ راصداً للأحداث، ويمكن أن يصبح «محرراً» قادراً على تحديد وتوفير معلومات ذات قيمة عالية». هكذا يذكر موقع «جريدتك» (www.jaridtak.com) الذي دشّن أوّل تجربة صحافية عربية على الإنترنت، “تتبنّى، من دون مواربة”، مبادئ وأهداف «الصحافة المدنية البديلة».
يبدو غريباً في عصر هيمنة وسائل الإعلام العملاقة، في عالم منقسم بين «سي إن إن» و«الجزيرة»، كما قال الرئيس الفرنسي ساركوزي أخيراً، أن تصعد وتزدهر بالقوة نفسها وسائل إعلام «ذاتية» إذا صحّ هذا التعبير. وسائل ميديا تبدو أكثر سرعة في استغلال ما يتيحه فضاء التكنولوجيا، يتحرّك أصحابها و«مستخدموها» بخفة، فتلهث خلفهم ديناصورات الميديا الثقيلة.
تحاول الشركات الكبرى فهم أولئك المستخدمين، تصنيفهم، ترتيبهم في رفوف وأدراج وملفات… باختصار، تحاول تحويلهم إلى مستهلكين ومستقبلين على المستوى العقلي قبل البدني. لذا، تطور شركات الإنترنت أساليب تعقُّب، لا تخطر في بال أعتى الأجهزة البوليسية: برامج ألعاب ووسائط فيديو، تُرسل بانتظام إشارات عبر الإنترنت إلى «السنتر» (center) حيث السيرفر (server) الأم يترجم الإشارات إلى رغبات وعادات استهلاكية، ليحاصر المستخدمين بدعايات وإعلانات أكثر «خصوصية». رغم كل ذلك، يجدُ المستخدم دائماً طريقه الخاصة، ويتمرّد ـ بوعي أو من دون وعي ـ على إنترنت «الأخ الأكبر». وتجربةُ «جريدتك» تنتمي بالتأكيد إلى ذلك التمرّد الواعي، تمرّد واقعي، يُدرك أصحابه ـ على رغم طموحهم الكبير ـ حدود إمكاناتهم المادية. هم لا يدفعون مقابلاً للنشر في الجريدة، فالمشروع ليس تجارياً. إنها محاولة لكسر سيطرة الإعلام التجاري والرسمي أيضاً. محاولة سيُحررها القراء «بصفتهم شهوداً عياناً على الأحداث التي تجري من حولهم، أو التي يشاركون في صنعها، أو التي تؤثّر في حياتهم». بلى، في إمكانهم أن يكسروا احتكار الصورة التي تحددها الأجندة المالية والسياسية. ذلك أن التكنولوجيا تمنحهم الحق في تحقيق حلمهم بإعلام «بديل موضوعي مستقل». وذلك ببساطة لأن «مجرّد امتلاك هاتف خلوي، وجهاز كمبيوتر، وآلة تصوير أو كاميرا رقمية… يخوّل الآلاف من مستخدمي الإنترنت إنجاز خبر صحافي دقيق وشفّاف، يمكنه منافسة أي وسيلة إعلامية أو وكالة أنباء».
تُرى، هل تتسع المساحة هنا لعلامة تعجّب خجولة، وربما إشفاق مصدره حماسة الكلمات التي ينشرها القائمون على الموقع «الأهلي المدني»؟ على أي حال، هم لا يمثّلون قفزة في المجهول، بل يسترشدون بتجربتين رائدتين في ذلك المجال: الأولى تجربة www.agoravox.fr، الصحيفة الإلكترونية الفرنسية التي تستقطب حوالى مليون زائر شهرياً. وتضم في قوائمها حوالى 8 آلاف مراسل، ينشط منهم بشكل دائم حوالى 600 مراسل، وتتلقى يومياً أكثر من 50 خبراً وتحقيقاً ومقابلة، وتنشر حوالى 30 خبراً يومياً.
أما التجربة الثانية التي يسترشد الموقع بها، فهي www.ohmynews.com، وهي صحيفة من كوريا الجنوبية تأسست منذ أربعة أعوام بطاقم يضم أربعة أفراد، حتى تطورت إلى مؤسسة يعمل فيها أكثر من 40 محرراً دائماً، يراجعون يومياً حوالى 200 قصة إخبارية. وتضم قوائم عضوية الموقع الكوري أكثر من 26 ألف مواطن «مراسل»، يتحدرون من مختلف الطبقات الاجتماعية، بينهم عمّال النظافة، وربات البيوت وصولاً إلى الصحافيين والكتّاب المحترفين وأساتذة الجامعات. ويجذب الموقع حوالى مليوني زائر شهرياً.
هكذا، لأنه «لا يمكن أي جريدة أن تحظى بمراسل في كل شارع وكل زاوية!» فإن ذلك يترك فراغًا محتوماً تسعى «جريدتك» إلى ملئه، أو باللغة التي يستخدمها الموقع (هذا هو الرهان الذي تقوم عليه «جريدتك»، للاعتراض على الصحافة والإعلام السائدين)، وتحفيز القرّاء (ليصبحوا «راصدون» للأحداث). ليس هذا خطأً مطبعياً، هو خطأ نحوي ولغوي يتكرر مثله في أكثر من مكان بالموقع، ترى أيعدّ هذا مؤشراً إلى عيوب العمل «الأهلي» الذي كما أنه لا يشترط خبرة صحافية، فإنه ـ كما يبدو ـ لا يشترط وجود مدقّقين لغويين.
لا تبدو اللغة من الأمور التي تشغل كثيراً بال القائمين على الموقع، تحرّكهم حماسة شباب وتواصلٌ يكسر الجغرافيا. المراسلون أقل من عشرين، يتوزعون الإقامة في لبنان والكويت وفرنسا وأميركا والبرازيل، والأعمار تراوح بين 25 و30 عاماً. الجنسية اللبنانية هي الطاغية على المراسلين، وبالتالي، فإن الشأن اللبناني هو السائد في المقالات مثل «الهجرة اللبنانية نعمة أم نقمة؟» (النموذج اللبناني المأزوم). ثمّة مقال عن كارلا ساركوزي، وآخر عن مخاطر الـ Facebook على الخصوصية. تتوزّع أقسام الموقع إلى شهادات وملفات، تقارير صوتية وأخرى مصوّرة، قراءات من الصحف وقسم «تحت الـ16». لكنّ المفاجأة أن معظم هذه الأقسام خاوية تماماً، المواد لا يزيد عددها على أصابع اليدين. الموقع في انتظار «المواطن المراسل» كي يملأه بالمواد الصحافية التي لا تشترط الخبرة المسبّقة، فهل من مجيب؟
شروطٌ لا بدّ منها!
موقع «جريدتك» هو موقع أهليّ، حرٌّ مفتوح للمشاركات المتنوعة. لكن ذلك لا يعني أنه لا يفرض شروطاً للنشر، تتلخّص في الآتي: أن يزوّد المستخدم إدارة الجريدة ببياناته الشخصية، وألّا يكون محكوماً في أيّ بلد بأيّ جُنحة أو جناية (باستثناء الأحكام السياسية والدينية). كما يشترط الموقع أن يجد المحرر في نفسه الأهلية للكتابة والتعبير بإحدى اللغات العربية أو الإنكليزية أو الفرنسية، وأن يوافق من دون تحفّظ، على النشر في الجريدة من دون أيّ مقابل مادي. وعليه أن يوافق من دون تحفظ على شروط النشر في الجريدة.
ما هي هذه الشروط؟ يشرحها الموقع في النقاط الآتية: لا يشترط «جريدتك» أن يكون الزائر قد مارس سابقاً أي نشاط إعلامي أو صحافي. لكن يجب أن يكون ملمّاً، بالحد الأدنى، بأصول الكتابة واللغة أو التصوير الفوتوغرافي أو الفيديو أو الرسم.
كما يجب أن يكون «العمل» نصاً أو صورة أو فيديو أو رسماً أو تسجيلاً صوتياً، غير «مُقرصن» أو مسروق. ويجب ألّا تكون حقوقه محفوظة لأي شخص، وأن يكون واضحاً وغير متلاعب به أو بأي من معطياته وعناصره. كما يشترط أن يكون «العمل» واضحاً ومفهوماً وموثّقاً، وأن يكون كل اقتباس محدد المصدر والوصلات إليه (صحيفة، مجلة، كتاب، موقع …). ويشترط الموقع أن يتضمن كل «عمل» هوامش تتضمن تعريفاً بأي شخص يتم ذكره أو أي حزب أو جمعية أو بلد أو منطقة أو مصدر، وأن يكون صادقاً وموضوعياً ولا يهدف إلى أي نوع من أنواع التضليل أو الترويج لأي سلعة أو خدمة. ولا يهدف أيضاً إلى أي نوع من أنواع التحريض أو الحضّ على الجريمة أو التعصب أو الكراهية، وألّا يتضمن أيّ نوع من أنواع التجريح الشخصي أو التشهير أو القدح والذم والقذف والتحقير.