الروائي السوداني الطيب صالح يرحل في صقيع «الشمال»
الخرطوم – عصام أبو القاسم
فجعت الساحة الأدبية السودانية والعربية فجر أول من أمس برحيل «عبقري» الرواية العربية، صاحب «موسم الهجرة إلى الشمال» و «عرس الزين» و «مريود» و «ضو البيت» و «بندر شاه» الروائي والقاص الطيب صالح والذي ولد في قرية «كرمكول» في مركز مروي (شمال السودان) عام 1929 وتوفي في العاصمة البريطانية بعد صراع مع المرض.
أمضى الطيب صالح طفولته في قريته قبل أن ينتقل إلى مدينة بورسودان حيث درس المرحلة الوسطى وجاء الى الخرطوم آخر أربعينات القرن الماضي حيث درس بمدرستي «وادي سيدنا» و «حنتوب» المرحلة الثانوية والتحق من بعد بجامعة الخرطوم لدراسة العلوم الطبيعية، وعمل مدرساً في مدرسة «الشيخ رضا» وفي «بخت الرضا» قبل ان يكمل دراسته للطب.
هاجر صالح إلى انكلترا في العام 1953 حيث واصل دراسته، لكنه تخصص في «الشؤون الدولية» وعمل لاحقاً بالقسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، حيث اشتغل رئيساً لقسم الدراما وفي ذات العام (1953) كتب أول نص قصصي وهو «نخلة على جدول» وأذيع عبر الـ «بي سي سي»، وأعقبه بـ «دومة ود حامد» العمل الذي نُشر للمرة الأولى في العام 1960 بمجلة «أصوات» المتخصصة في الثقافة بلندن، وقد قام محرر المجلة المستشرق ديفيد جونسون بترجمتها.
وما لبث ان استقال الطيب صالح من «بي بي سي» وعاد إلى السودان وعمل لفترة بالإذاعة السودانية حيث اشتهر بسرده لسيرة ابن هشام في برنامج «سيرة ابن هشام» وبتقديم مقابلات مع رواد سودانيين في الأدب والفن. هاجر إلى دولة قطر وعمل مديراً لوزارة الإعلام، كما عمل بعد ذلك مستشاراً إقليمياً للإعلام بمنظمة اليونسكو في باريس، وممثلاً للمنظمة في الخليج العربي.
قدم الراحل الطيب صالح العديد من المؤلفات للمكتبة العربية مثل «موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» و«مريود» و«ضو البيت» و«دومة ود حامد» و«منسى: إنسان نادر على طريقته».. ورحل قبل ان ينشر الجزء الثالث من «بندر شاه» والذي وسمه بـ «جبر الدار». وقد اُنتخبت روايته «موسم الهجرة إلى الشمال» في العديد من الجامعات كمصدر للمعرفة البحثية المتعلقة بدراسات ما بعد الاستعمار وكانت وكالات أنباء أوردت اختيار هذه الرواية كواحدة من أفضل مئة رواية في تاريخ الإنسانية في العام 2002.
وكان الراحل حاز في آذار (مارس) 2007 جائزة ملتقى القاهرة للرواية العربية كما منح في العام 2002 جائزة محمد زفزاف للرواية في المغرب.
دُرست أعمال الطيب صالح في العديد من الجامعات كما ألهمت العديد من كتّاب الدراما. فروايته «عرس الزين» حُوّلت إلى عمل درامي بالاسم نفسه من إخراج الكويتي خالد الصديق وعرض بمهرجان (كان) نحو 1974 إضافة إلى عمله «دومة ود حامد» والذي أحرزت به الإذاعة السودانية في العام 2003 الجائزة الذهبية للمسلسل الإذاعي بمهرجان القاهرة الدولي للإذاعة والتلفزيون كما قام سعد يوسف عبيد بإخراج ذات العمل للمسرح.
وكان الطيب صالح دعا الى تحويل محفل تكريمي أقامته مجموعة من محبيه لاسمه الى مسابقة للإبداع الروائي في السودان، وتبنى مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بامدرمان في العام 2003 اطلاق (مسابقة الطيب صالح للإبداع الروائي) بعد وضع المبلغ (20) ألف دولار الذي جمع للتكريم في شكل وديعة في أحد المصارف، وليستفاد من أرباحها كجائزة لأفضل رواية يتم اختيارها سنوياً، بهدف تفعيل حركة الرواية السودانية وفي مطلع هذا العام اطلق المركز مسابقة (الطيب صالح للقصة القصيرة) كما شارك مع مجموعة من المؤسسات الثقافية في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي في ترشيح الراحل لجائزة نوبل.
عرف الطيب صالح بانشغاله اللافت بقضايا الأدب العربي القديم وقدم في هذا الباب رؤى ونظرات على قدر عال من الجدة والفرادة، وقد خصّ أبو الطيب المتنبي بجهد أكبر وبرأيه «ان من يحب اللغة العربية عليه أن يحب المتنبي»، كما اشتغل الراحل بالكتابة الصحافية حيث شارك بمجلة «المجلة» العربية الصادرة في لندن في كتابة زاوية راتبة وسمها بـ «نحو أفق بعيد» مناقشاً قضايا وهموم الكتابة بأجناسها المختلفة رواية، قصة، شعر، نثر.
تزوج الطيب صالح الذي يُنتظر وصول جثمانه الخرطوم اليوم الخميس من سيدة بريطانية وأنجب منها زينب وسميرة وسارة.