اسرائيل

تحويل فلسطين إلى لاعب في الانتخابات المحلية

نهلة الشهال
هذا ما قررته حركات التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني في أوروبا. فقد بدأت هناك الحملة الانتخابية لاختيار النواب إلى البرلمان الأوروبي. وبالطبع وبالضرورة، فالمسائل التي تقرر شكل التحالفات بين القوى والتيارات السياسية في كل بلد أوروبي، والتي تحفز الناخبين وتقرر الاصطفاف، محلية بالدرجة الأولى. وما يتجاوز كل بلد، يخص أوروبا ككيان قيد التشكل. ولا شك أن موضوع دور ومكانة حلف شمال الأطلسي في أوروبا، وفي العالم، سيكون أساسيا أكثر منه في أي فترة مضت، سيما وأن الصراع الروسي – الأميركي على النفوذ في بلدان أوروبا الشرقية قد وصل إلى درجات عالية من التوتر والمجابهة.
فما زال تحرك الجيوش الروسية إلى عمق جورجيا في الصيف الماضي ماثلا في الواقع السياسي، وكذلك الصراع على تموضع ما يسميه الأميركيون الدرع الصاروخية في تلك المنطقة. كما أن مكانة دول أوروبا الغربية في قيادة الناتو، وتحديدا منها فرنسا التي اعاد ساركوزي اليها عضويتها الكاملة فيه، بعد أكثر من أربعة عقود على انسحاب قرره وقتها الجنرال ديغول، هذه المكانة وتبعاتها موضوع خلافي كبير، سيما وأنه من المتوقع أن يحل الحلف على المسرح الدولي محل التفرد الهجومي الأميركي الذي ميّز سياسات الولايات المتحدة منذ وصول ريغان إلى الرئاسة، وانهيار الاتحاد السوفياتي، ليصل إلى ذروته مع بوش الابن وجنون الحرب الاستباقية، الشاملة والدائمة…»على الإرهاب».
وسيــكون النجـــاح فـــي التحشيد للتجمـــــع الذي دعا إليه العديــــد من الحركات والنقابات والأحزاب، في مواجهة اجتماع الناتو في مدينة ستراسبورغ (مقر البرلمان الأوروبي!) في نيسان (إبريل) القادم، والذي سيتخذ مناسبة للاحتفال بستينية الحلف، اختباراً حقيقـيــــاً للقــــوة. وكل تلك عناوين أساسية في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، إلى جانب المسألة الكبرى المتعلقة بشبح الأزمة الاقتصادية العاصفة والخلاف على كيفية التصدي لها، وما هي الخيارات والأولويات. فتحديدها له نتائج حياتية ويومية على مواطني أوروبا، حيث يظهر أكثر فأكثر التداخل بين إجراءات بلدان القارة. وهناك بالطبع مسائل البيئة والهجرة، وهي كلها مطروحة بحدة… هذا علاوة على موضــــوع سلطات البرلمان الأوروبي نفسه، وهي متقلــصــــة وتكــــاد تكـــون استشاريـــة، حيث يستأثر بالــــدور التقريـــري الفاعل مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي.
ما دخل فلسطين بكل ذلك؟! أمران: الوجهة العامة أولاً، والقرارات المخصوصة بشأن فلسطين ثانياً. فللهوية العامة للتيارات التي ستنتصر في الانتخابات الأوروبية تأثير على القرارات الخاصة بالموضوع الفلسطيني، على رغم محدودية القدرة التنفيذية للبرلمان. وهناك فارق بين أن ينتصر أو يفشل في الانتخابات مؤيدو دور نشط وحربي للناتو مثلاً.
بل هناك فارق بين أن ينتصر أو يفشل مؤيدو الإباحة التامة للمزروعات المعدلة جينياً، والتي تعاكس مصالح البيئة وصغار المزارعين معاً، لأنك تجد المدافعين عن حرية شركة مونسانتو للبذور هم أنفسهم مؤيدو الناتو الأكثر شراسة، وهم أنفسهم مناصرو إجراءات قمع الهجرة إلى أوروبا واستخدام أساليب الترهيب الأبشع حيال المهاجرين (بينما الشركات على غرار مونسانتو تبيد الزراعة في إفريقيا، ومعها البيئة)، وهم أنفسهم من يناهض دعم الإبقاء على التعليم العام المجاني، والحق في العناية الصحية للجميع، ومن يرى أن الميزانيات العامة يجب أن تدعم الشركات الكبرى والبنوك مخافة إفلاسها، وليس الاتجاه نحو نموذج إنتاجي آخر بما أن الأزمة الحالية كشفت العطب البنيوي للنموذج السائد… وهم أنفسهم مؤيدو إسرائيل الأشد، والمدافعون عن رفع درجة التعاون معها إلى ما يشبه العضوية في الاتحاد الأوروبي، بل واقعياً، إلى ما يتجاوز بكثير امتيازات العضوية، وهم أنفسهم من تمنح مواقفه إسرائيل إفلاتا تاما من المحاسبة على كل ما ترتكب، وأن تستمر سياساتها متعارضة بجلاء مع مقاييس حقوق الإنسان التي يفترض بها أن تؤسس للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي وسائر الدول، كما هو الإدعاء! هكذا يتأكد مجدداً أن فلسطين ليست تيمة مطلقة، منفصلة عن الموقف من العالم ومن الحياة.
أما بشكل مباشر، فلأوروبا، علاوة على المسؤولية التاريخية عن إسرائيل، فكرة ونشوءاً، وعلاوة على شراكاتها الرئيسية معها وهي متعددة، دور سياسي راهن شديد الأهمية في تحديد مآل المسألة الفلسطينية، ليس لأنها من تولى منذ أوسلو تقديم أكبر كمية من الدعم لما كان يفترض أنه نواة دولة فلسطينية، وعلى كل حال لكل احتياجات الأراضي المحتلة، بل لما يمكن أن يكون عليه إسهامها في تحديد مسارات المرحلة المقبلة، التي تبدو شديدة التعقيد.
فهل تستمر أوروبا تحمي إسرائيل بالمطلق، تتجاهل إهمالها للقرارات الدولية وبعضها اتخذ على الأراضي الأوروبية، كتوصية محكمة لاهاي بخصوص جدار الفصل (الذي اكتمل!)، وقبلها توصية البرلمان الأوروبي نفسه. أم تتجه إلى إنزال عقوبات بها متناسبة مع ارتكاباتها ومع مخالفاتها للقانون الدولي؟ في كانون الأول (ديسمبر) الفائت، قرر البرلمان الأوروبي تجميد البحث في رفع درجة التعاون بين الاتحاد وإسرائيل، فجاء قرار مجلس الاتحاد معاكسا للتوصية. وبعد ذلك بأيام، وقعت كارثة غزة.
تُنادي حركات مناصرة فلسطين بتجميد العمل باتفاقية التعاون (وليس فحسب بعدم رفع مستواها)، وترفض الحكومات محلياً اتخاذ مثل هذا الإجراء، وكذلك يرفض مجلس الاتحاد. تطالب الحركات بمحاسبة مرتكبي مجازر غزة، سواء أمام محكمة الجزاء في لاهاي، أو بإنشاء محكمة خاصة، بينما تتجه الدول الأوروبية التي تمتلك دساتيرها سلطة شاملة تخولها التطرق إلى تلك المجازر… إلى تعديل دساتيرها لإلغاء الصلاحية الشاملة. ترسل أوروبا خبراء للمساعدة على إغلاق الأنفاق إلى غزة، وبوارج لمراقبة شواطئها، بينما المطلوب رفع الحصار عن القطاع وفتح المعابر. وضع الاتحاد الأوروبي حركة حماس على قائمة الإرهاب، فأسر نفسه بقانون يمنعه من التعاطي معها بينما هي في النهاية أحد أهم أطراف الموقف، ومفاوض أساس بشأن أي ترتيب!
لذا، قررت حركات مناصرة فلسطين في أوروبا، من ضمن إستراتيجية عملها، التوجه إلى الأحزاب والكتل السياسية المتنافسة في الانتخابات الأوروبية الوشيكة، وطرح أسئلة محددة عليها، ونشر الإجابات، ودعوة جمهورها إلى أخذ تلك الإجابات بالاعتبار حين التصويت.
ألا يمكن إدخال فلسطين إلى التصويت المحلي في الانتخابات التي ستجري في أكثر من بلد عربي خلال الأشهر المقبلة؟ ليس وفق خطابات عامة نارية، وعموميات، بل وفق ما يعني ويهم الصلة المخصوصة لكل بلد عربي بالموضوع الفلسطيني.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى