هل حصل التعديل الوزاري المنتظر في السعودية؟
د. خالد الدخيل
يوم السبت الماضي صدرت في السعودية جملة من القرارات المهمة، بعضها، بل أهمها كان لتنفيذ مشاريع إصلاحية تمت الموافقة عليها من قبل. والبعض الآخر كان لإجراء تعديلات ومناقلات في بعض المناصب الوزارية. في ضوء ذلك، تحدث البعض عن أن التعديل الوزاري الذي حصل كان محدوداً، إذ اقتصر على ثلاث وزارات هي: العدل، والتربية والتعليم، والثقافة والإعلام. ومن ثم فالتعديل الذي كان يجب أن يتم فور تولي الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في صيف عام 2005، لم يحدث بعد. وتساءل هذا البعض عن السبب، وهل هو متعلق بعدم توفر نوع من الإجماع بين طاقم الحكم حول فكرة وحجم التعديل، وحول الأسماء التي يجب أن تبقى، وتلك التي يجب أن تدخل التشكيل الوزاري الجديد..؟ أم أن الأمر يتعلق بتقليد سياسي فرض نفسه مع الوقت؟ لعل التعديل الوزاري بالمعنى الحرفي للمصطلح الذي حصل يوم السبت الماضي كان محدوداً بالفعل. لكن القرارات التي صدرت شملت تعديلات في مؤسسات محورية من مؤسسات الدولة، وكذلك في مناصب تعادل المناصب الوزارية، وإن كان شاغلوها ليسوا أعضاء في مجلس الوزراء. من ناحية أخرى، تستند التساؤلات السابقة إلى نوع من التحليل والتخمين، بسبب عدم توفر معلومات يمكن التأكد من دقتها ومصداقيتها حول موضوع التعديل. وفي سياق التحليل أيضاً هناك وجهة نظر أخرى، تقول بأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز لم يكن في حاجة إلى تعديل وزاري إبان توليه الحكم قبل ثلاث سنوات، لأن الطاقم الوزاري الذي ورثه عن عهد الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز، كان بشكل أو بآخر طاقمه هو أيضاً. فعندما كان ولياً للعهد، تولى أيضاً إدارة شؤون الحكم بسبب مرض العاهل الراحل. والكثير، إن لم يكن أغلب أعضاء الوزارة آنذاك تم اختيارهم وتعيينهم، وعلى فترات مختلفة، أثناء تلك المرحلة. وبالتالي يمكن القول بأن ولي العهد عبدالله بن عبدالعزيز كانت له اليد الطولى في اختيار تلك الوزارة وتحديد تشكيلتها النهائية.
صحيح أنه من باب التقليد السياسي المتعارف عليه أن يباشر رئيس الدولة الجديد إعادة تشكيل الوزارة لاختيار طاقمه الوزاري الذي سيحمل بصمته هو تحديداً، ويرتبط مجيئة باسمه، ويعكس قراراته وخياراته السياسية كرئيس جديد للدولة. لكن تطبيق هذه القاعدة ربما لا يتطلب أن يكون حرفياً دائماً. بل ربما يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن هذه القاعدة السياسية قد لا تنطبق تماماً على حالة الدولة السعودية، خاصة في المراحل الأخيرة من تطورها السياسي. فمن الناحية الدستورية النظام السياسي للمملكة هو نظام ملكي، وفيه يتمتع الملك، دستورياً وتقليدياً كذلك، بسلطات شاملة تقريباً. لكن من الناحية العملية، وخاصة منذ وفاة المؤسس الملك عبدالعزيز، وأيضاً بعد وفاة الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز، كانت القيادة في السعودية ولا تزال تنحو في اتجاه الجماعية، وتحديداً بين أبرز وأهم الشخصيات السياسية لطاقم الحكم من أبناء الملك عبدالعزيز. في هذا الإطار يتمتع الملك بمركز القيادة، وهيبة الحكم، وله من الناحية الدستورية، كما ذكرنا، الحق في أن يكون صاحب القرار النهائي. لكن التقليد السياسي له أيضاً وزنه وأهميته، بما يفرض مراعاته سعياً وراء تحقيق الاجماع باعتباره أساس قوة الدولة واستقرارها. ومن الواضح أن هذا تقليد ترسخ مع الوقت، وهو التقليد الذي نشأ عليه الملك عبدالله ومعه بقية الطاقم الحاكم. في السياق نفسه ربما جاز التأكيد على أن التقليد تاريخياً يسبق النص الدستوري دائماً. وقد ظلت مسألة الحكم في المملكة، وبشكل خاص سلطات الملك وتوارث العرش، حتى عام 1992، تستند إلى التقليد الموروث أكثر منها إلى نص دستوري مكتوب. في ذلك العام أصدر الملك فهد رحمه الله أول دستور مكتوب في تاريخ المملكة تحت مسمى “النظام الأساسي للحكم”. وفي أكتوبر 2007 أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز ما يعرف الآن بـ”نظام هيئة البيعة”، وهو تعديل دستوري يتم بمقتضاه، وعلى أساس قانوني اختيار ولي العهد، وبالتالي تقنين عملية انتقال الحكم. لكن مع هذه النصوص الدستورية المهمة بقي للتقاليد السياسية وما يرتبط بها من موروثات وقيم أهميتها. وهذا أمر طبيعي انطلاقاً من أن النص الدستوري مهما كانت دقته وشموليته لا يمكن له أن يلم بكل دقائق وتعقيدات الواقع السياسي لأية دولة.
في هذا الإطار جاءت قرارات السبت الماضي، وهي قرارات دشنت تعديلات إدارية وقضائية واسعة إلى جانب التغيير في حقائب الوزارات الثلاث المذكورة. من ذلك إعادة تشكيل هيئة كبار العلماء لتتمثل فيها، ولأول مرة، المذاهب السنية الأربعة. ومنها إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى، وتعيين رئيس جديد له. لكن من أهم تلك القرارات كانت تلك التي تم بموجبها إعادة هيكلة المؤسسة القضائية بصورة تعكس رؤية إصلاحية واضحة، تلبي حاجة ملحة لتغييرات ظلت تنتظر دورها في هذه المؤسسة التي تتولى السلطة القضائية في الدولة. حيث تم استحداث محكمة عليا أحيلت إليها جميع الوظائف القضائية التي كانت من اختصاص مجلس القضاء الأعلى، ومن أهمها مراقبة الأحكام والقرارات القضائية. أيضاً تم استحداث محكمة عليا إدارية داخل ديوان المظالم، تكون بمثابة أعلى هيئة لمراقبة القرارات والأحكام الإدارية. وفي هذا تأكيد للفصل الحاصل بين المجالين القضائي والإداري للدولة. وربما نعود إليه مرة أخرى.
في الإطار نفسه كان قد تم ضمن مشروع خادم الحرمين لتطوير القضاء قبل حوالي سنتين إنشاء محاكم متخصصة مثل المحكمة الجزائية، والعمالية، والتجارية، والأحوال الشخصية، والمحاكم العامة. ويأتي ضمن الأوامر الملكية الأخيرة قرار إنشاء المحكمة العليا لتأتي على رأس الهرم القضائي. وعليه يمكن القول بأن القرارات الأخيرة جاءت لتستكمل إعادة هيكلة المؤسسة القضائية بما يجعلها من الناحيتين النظامية والمؤسسية أكثر قدرة على استيعاب متطلبات المتغيرات الاجتماعية، ومن ثم أكثر استعداداً للمزيد من التطوير.
عندما نعود إلى التعديل الوزاري، وهو تعديل محدود، يمكن تسجيل الملاحظات التالية: أولا أنه يأتي استمراراً للنمط نفسه الذي ساد في العقدين أو الثلاثة عقود الأخيرة. وهو نمط يتبنى منهج إحداث تعديلات وزارية محدودة في الحكومة السعودية بين فترة وأخرى تتطلبها متغيرات ومرئيات معينة. حيث يلاحظ أن أكبر تعديل وزاري هو ذلك الذي حدث مع بداية تولي الملك خالد بن عبدالعزيز، رحمه الله، عام 1975م. وقد عرفت الوزارة التي تشكلت آنذاك بـ”وزارة الدكاترة” نظراً للعدد الكبير، ولأول مرة، من الذين دخلوا الوزارة وهم يحملون درجة الدكتوراه. منذ ذلك التاريخ لم يحدث تعديل وزاري بهذا الحجم. ثانياً ربما تكون المفاجأة الأهم في هذا التعديل الأخير هي إعفاء وزير الإعلام، إياد مدني. ومصدر المفاجأة أنه أتى من دون توقعات مسبقة، وذلك على خلفية ما كان شائعاً من أن مدني، كما يقال، كان محسوباً على الدائرة الصغيرة من الوزراء والمستشارين المقربين من الملك عبدالله. الأمر الذي طرح أكثر من سؤال عن السبب في أن التعديل الوزاري شمل حقيبة الثقافة والإعلام. ثالث الملاحظات تتعلق بتعيين الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد وزيراً للتربية والتعليم بدلا من الوزير السابق، الدكتور عبدالله بن عبيد. فالأخير محسوب على المؤسسة الدينية، في حين أن فيصل بن عبدالله يأتي من داخل العائلة الحاكمة. وهو بذلك ثاني أمير يتولى هذه الوزارة منذ إنشائها في خمسينيات القرن الماضي. يقال إن الإصلاح في هذه الوزارة تعثر كثيرا ولمدة طويلة. وبالتالي إحتاج الأمر إلى وزير يملك القدرة والجرأة على مواجهة العقبات التي تقف في وجه ما يحتاجه التعليم من إصلاحات طال انتظارها.
هل هذه قراءة صحيحة للحدث؟ ربما. مهما يكن يبدو أن يوم السبت الماضي سيدخل التاريخ السعودي باعتباره كان من أيام القرارات التي ساهمت في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة. لأن الآثار المتوقع أن تترتب على هذه القرارات قد يتجاوز حجمها ما يمكن أن يترتب على تعديل وزاري أكبر مما حصل بكثير. والقرارات التي صدرت تتفق مع توجهات الملك الإصلاحية، وتعكس طموحاته من هذه الناحية.
جريدة الاتحاد