أوباما وفخ الـ«أفباك»
باتريك سيل
تُعدّ الاستراتيجية التي يجب أن يتّبعها باراك أوباما في كلّ من أفغانستان وباكستان، أو في الـ «أفباك» وهو الاسم الذي تطلقه واشنطن حالياً على هذه المنطقة التي تمزقها الحرب، إحدى مسائل الشؤون الخارجية الأكثر صعوبة التي تواجه الرئيس الأميركي.
خلال حملته الانتخابية، اعتمد أوباما موقفاً متشدداً إزاء حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة» في محاولة منه ليبدو حازماً على غرار جميع من سبقه في الأمور المتعلقة بالأمن القومي. وقد تطرّق إلى تحويل جهود أميركا العسكرية من العراق إلى أفغانستان التي وصفها بأنها «الجبهة المركزية ضد الارهاب». ويدل هذا الموقف العدواني على أنه كاد يقع في فخ الـ «أفباك».
ولحسن الحظ، تتكلم الإدارة الأميركية الجديدة بنبرة أكثر هدوءاً. وعلى رغم أن أوباما يتعرض للضغوطات كي يعلن عن توجهاته الاستراتيجية في الأسابيع المقبلة، وربما قبل أن تنعقد قمة حلف شمال الأطلسي في 3 و4 نيسان (أبريل)، من الواضح أنه يتأنى في عمله إذ أنه يعمد إلى أخذ آراء عدد كبير من مستشاريه.
وتشكّل الـ «أفباك» موضوع نقاش حادّ في واشنطن، لا سيما في الوكالات الحكومية كما في مراكز البحوث الأميركية على غرار مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو منافس لمراكز البحوث الموالية للمحافظين الجدد الذين كان لهم تأثير كبير في عهد بوش.
أوباما محاط بعدد كبير من المستشارين البارزين الذين يعملون على حلّ لغز الـ «أفباك» أمثال ريتشارد هولبروك، في السابعة والستين من عمره وهو «ممثله الخاص» في أفغانستان وباكستان ومعروف عنه أنه مفاوض حازم. وقد أنهى جولة استمرت عشرة أيام في كل من البلدين، وهو منهمك حالياً في إعداد خطته الاستراتيجية، هذا فضلا عن الأدميرال مايك مولن وهو رئيس هيئة الأركان في الجيش الأميركي والجنرال دايفيد بترايوس وهو قائد القيادة المركزية الأميركية في المنطقة الوسطى والجنرال دايفيد ماكيرنان وهو القائد الأعلى للقوات الأميركية في أفغانستان ودينيس بلير وهو مدير جهاز الاستخبارات الوطنية الأميركية وبروس رايديل وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية لمكافحة الارهاب وخبير في الشؤون الأفغانية.
وينبغي على كل هؤلاء المستشارين أن يقدموا تقاريرهم إلى الرئيس في الأسابيع المقبلة. ويقرّ جميعهم بأن الوضع سيئ، فالحكومة الأفغانية برئاسة حميد كرزاي والحكومة الباكستانية برئاسة آصف علي زرداري ضعيفتان وغير فاعلتين. أما سلطتهما فلا تتعدى مدن العاصمة. وبالمقابل، تنمو حركة «طالبان» بشكل كبير، وهي تشن غارات على جنوب باكستان وغربه وشماله، كما أنها تحظى بشكل واضح بدعم شعبي كبير. وتزداد المعارضة في كل من أفغانستان وباكستان للولايات المتحدة والقوات الأجنبية الأخرى نتيجة الأضرار التي تتسبب بها الغارات الجوية والصواريخ في صفوف المدنيين.
إلى ذلك، يشارف فصل الشتاء على الانتهاء في الجبال الأفغانية. ومع اقتراب حلول فصل الربيع، من المتوقع أن يشتد تمرد حركة طالبان وقبائل الباشتون. فقد عمد المتمردون القبليون إلى إلغاء الحدود بين أفغانستان وباكستان، على خط دوراند الشهير الذي رسمته بريطانيا، كما أنهم يوسّعون نطاق سيطرتهم إلى أجزاء واسعة في كلا البلدين.
أما كابول نفسها فغير آمنة حالياً. وفي هذا الشهر، قام انتحاريون من حركة «طالبان» بمهاجمة المقرات الحكومية في قلب المدينة، فقتلوا 26 شخصاً وأثاروا الذعر لدى الجالية المغتربة. وتسيطر «طالبان» على ثلاثة من الطرق العامة الأربعة المؤدية إلى المدينة. ويتخوّف البعض من ألا يتم إجراء الانتخابات الرئاسية الأفغانية في 20 آب (أغسطس)، في ظل انعدام الأمن الحالي. أما طرق الامدادات العسكرية المؤدية إلى أفغانستان فمهددة. ويذهب بعض المعلّقين الغربيين إلى حدّ القول إنه تمّت خسارة الحرب.
وقد طلب الجنرال ماكيرنان إرسال 30 ألف جندي إضافي، إذ أنه يأمل في «زيادة عدد القوات» في أفغانستان كما حصل في العراق. لكن، من الملاحظ أن أوباما يأخذ وقته، فلم يوافق بعد على إرسال عدد كبير من القوات إلى أفغانستان، وينبغي بالتالي على ماكيرنان أن يتدبر أموره في الوقت الحالي مع 17 الف جندي.
ومن المفترض أن يتقاسم أوباما وجهة نظر وزير الدفاع روبرت غيتس القائلة إن لا حلّ عسكريا للمشاكل المعقّدة في أفغانستان وباكستان، حيث ينمو المتمردون في المناطق القبلية التي لا تخضع لسيطرة الحكومة.
وبحسب المصادر في واشنطن، يعتزم أوباما إعلان نهاية لـ «حرب جورج بوش الابن العالمية على الإرهاب»، فقد يفضل أن يفتح حواراً مع أعداء أميركا، في إيران كما في أفغانستان، عوضاً عن السعي إلى إخضاعهم بالقوة العسكرية التي لن تجدي نفعاً في أفغانستان. ويتحدث البعض في واشنطن عن محاولة فصل حركة «طالبان» المعتدلة عن تنظيم «القاعدة». ولا شك أن «طالبان» متصدعة في العمق فهي تضم عشرات القادة، كل واحد منهم يدير منطقة تابعة له.
لكن بما أن هؤلاء القادة يشعرون بأن الحرب تجري لمصلحتهم، فهم ليسوا على عجلة كي يتحاوروا مع أميركا. فالموضوع الوحيد الذي يرغبون في مناقشته هو الانسحاب الغربي من بلدهم.
ويبدو أن أوباما يتفهم، نظراً لترعرعه في إندونيسيا ولعرقه المختلط، مدى تعلّق قبائل الباشتون باستقلالهم وايمانهم بالدين الاسلامي وعاداتهم القبلية. وهو يعتبر أنه يجب احترام ذلك في حال التوصل إلى صلح أو سلام. وقد يركز اهتمامه على إعادة الاعمار وبناء المؤسسات عوضاً عن العمليات القتالية.
وسيطلب بعض المستشارين من أوباما بأن يكسب القلوب والعقول، وبأن يحمي السكان في المناطق التي تشهد الحرب عوضاً عن الاعتداء عليهم وقتلهم بالصواريخ التي تطلقها الطائرات من دون طيار التابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية.
باختصار، يترتب على الولايات المتحدة وحلفائها في نهاية المطاف أن ينسحبوا من أفغانستان. ويجب أن يبحثوا عن استراتيجية للخروج من هذا البلد في أقرب وقت ممكن.
وتساهم بعض العوامل المعقّدة حالياً في جعل مهمة أوباما صعبةً للغاية. فقد تمّ إضعاف كل من حميد كرزاي وآصف علي زرداري جراء النزاع. وكي يتمكنا من استعادة شعبيتهما ومن توسيع سلطتهما، يجب أن تتوقف الحرب أولاً.
لكن ترغب الهند في توسيع سيطرتها في المنطقة على حساب باكستان. وقد يبدو أن نيودلهي تدعم فكرة نشوء «باشتوستان» وهي منطقة قبلية تحكم ذاتها في أفغانستان وباكستان، المنطقة التي لطالما حلمت بها قبائل الباشتون.
وفي هذا الوقت، يناضل القادة العسكريون الغربيون والديبلوماسيون لإيجاد تسوية. ويبدو أن الأوروبيين على رغم وجودهم العسكري الكثيف في أفغانستان، عاجزين عن إسماع صوتهم في النقاش الذي يدور في واشنطن.
إن إحدى الصعوبات التي يجب حلها هي النقص في التنسيق الميداني بين القوات العسكرية المتعددة المنتشرة في أفغانستان أي القوات الأميركية وقوة المساعدة الأمنية الدولية التابعة لحلف شمال الأطلسي والقوات الأجنبية الوطنية الأخرى كالقوات البريطانية والفرنسية.
ويكمن الأمل الوحيد في أن يتمّ تسليم مسؤولية حفظ الأمن إلى الجيش الوطني الأفغاني في أقرب وقت ممكن وفي التخلي عن محاولة فرض النموذج الغربي على مجتمع هذا البلد الذي لا يحبّذ معظم سكانه هذه الفكرة.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط
الحياة – 20/02/09