صفحات العالم

أوروبا ستتفكك

سعد محيو
درة تاج العولمة وفخارها الأبرز كان مشروع السوق الأوروبية المشتركة بكل عدّته من عملة واحدة، وقواعد اقتصادية واحدة، وصولاً حتى ، مستقبلاً، إلى اتحاد سياسي موحّد.
هذا المشروع كان النموذج الأكمل لعولمة ناجحة يذوب فيها ماهو قومي بما هو عالمي، ويمهّد ما هو إقليمي (السوق الأوروبية) لما هو أممي (السوق العالمية).
بيد أن الأزمة المالية- الاقصادية العالمية الراهنة بدأت تهز بعنف ثقة العولمة بوليدها البكر الأوروبي.
البداية كانت مع اليورو الذي ورغم استعادة موقعه خلال الشهرين الماضيين في مقابل الدولار، لايزال يتعرّض إلى شكوك ومخاطر، خصوصاً في دول بارزة مثل إيطاليا وإيرلندا وإسبانيا والبرتغال واليونان، التي تجد نفسها الآن في خيار بين قرار مُرّ بالانسحاب من منطقة اليورو، (الأمر الذي يهدد عضويتها في الاتحاد الأوروبي نفسه) وبين خيار أمرّ بإنقاذ اقتصاداتها عبر خيار “القومية الاقتصادية”، الذي أشرنا إليه بالأمس.
بيد أن الأمر لايقتصر على العملة، بل يتعداها إلى أسس وقواعد السوق الأوروبية المشتركة نفسها، والتي تقوم برمتها على مبادئ “دعه يعمل، دعه يمر” في مجالات تنقل الرساميل والأيدي العاملة والسلع بين دول الاتحاد الأوروبي.
فدولة بعد دولة، بدأت الإجراءات الحمائية القومية “الأنانية” تطل برأسها بقوة: الرئيس الفرنسي ساركوزي يشترط أن تصرف بلايين اليورو الحكومية التي سينفقها على شركات صناعة السيارات الفرنسية في داخل فرنسا. ورئيس الوزراء الإسباني زاباتيرو وعد بأن الأشغال العامة ستوفر 300 ألف فرصة عمل للإسبانيين وحدهم وليس لبقية “الإخوة الأوروبيين”. وقبل أيام، فاجأ وزير بريطاني الجميع حين دعا حكومته إلى المطالبة بتعديل قوانين السوق الأوروبية المشتركة الخاصة بالتنقل الحر للعمال “كي يتسنى حماية الوظائف والعمال البريطانيين”.
كل هذه الخطوات تقف على طرفي نقيض مع المبدأ الذي شكّل حجر الزاوية في مشروع الاتحاد الأوروبي (وأيضاً في مشروع العولمة)، وهو أن المشاريع الكبرى في الدول الأوروبية في مجال الأشغال العامة والبنى التحتية، يجب أن تخضع إلى مناقصات حرة في كل الاتحاد. وكذا الأمر بالنسبة إلى حرية تنقّل العمال والموظفين.
والآن، وبما أن مبدأ حجر الزاوية هذا بدأ يحشر في الزاوية، سيكون الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام العمال الأوروبيين، خاصة في دول أوروبا الغربية الغنية، للمطالبة بأحد أمرين: إما بنسف كل مشروع السوق الأوروبية المشتركة، أو بتعديل قوانينه ليكون أكثر ملاءمة لمصالح الطبقات العاملة.
اتحاد نقابات العمال الأوروبي خطا الأسبوع الماضي الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، حين وضع مسودة “بروتوكول اجتماعي” طالب بضمه إلى معاهدة الاتحاد الاوروبي، ينص على أن السوق الأوروبية المشتركة “ليست هدفاً في حد ذاتها”، وأنها يجب أن تُوازن بمبدأ “التقدم الاجتماعي”.
مطالب محقة. لكنها في الواقع ستؤدي، في حال تطبيقها، ليس إلى شطر الاتحاد الأوروبي إلى اتحادين بين الدول القديمة والجديدة في الاتحاد وحسب، بل أولاً وأساساً إلى نصر مبين للقومية الاقتصادية ومعها عودة مبينة ل…؟ احزروا من؟
لكارل ماركس بالطبع. ولسنا نحن من يقول ذلك، بل الرأسماليون الأمريكيون أنفسهم. ماذا يقول هؤلاء؟
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى