العنف ضد المرأة وباء يستشري والاغتصاب سلاح دمار شامل
سحر بعاصيري
هذه قصة موثقة بالصوت والصورة.
السيدة ميريندي يوبرازي (50 سنة) من جمهورية الكونغو الديموقراطية التي تشهد حربا روت ما حصل معها: “كنت في منزلي مع العائلة، زوجي وابني وبناتي الثلاث عندما اقتحم مسلحون البيت. سرقوا ونهبوا كل شيء. عندما انتهوا اجبروا ابني على ممارسة الجنس معي. وعندما انتهى قتلوه. ثم اغتصبوني أمام زوجي. وعندما انتهوا قتلوه. ثم أخذوا بناتي الثلاث وأعمارهن 13 و14 و17 سنة. ولم أعد أعرف عنهن شيئا”.
هذا كله حصل مع امرأة واحدة تعيش في منطقة والونغو الكونغولية قرب الحدود الشرقية لرواندا ويقال إن هذه المنطقة صارت اشبه بثقب أسود للقتل والاغتصاب. تعيش وتحديدا في قرية نينجا التي صار كل سكانها نساء وأولاداً بعدما قضى المسلحون على الرجال. وتقول ليا تشيزوغي التي نجت هي نفسها من عمليات الابادة في رواندا في التسعينات والتي تعمل حاليا ممرضة في بريطانيا وقد ذهبت الى المنطقة بعدما زارت أمها في الكونغو قبل أشهر، إن كل امرأة أو بنت في هذه القرية، نينجا، اغتصبت وغالباً أكثر من مرة. بعضهن اغتُصب الى حد أنهن لم يعد يقوين على الوقوف. كثيرات يعانين امراضا وتشوهات ونزفاً. كثيرات رزقن أولاداً من الاغتصاب. وطوال شهرين، ايلول وتشرين الاول 2008، قابلت تشيزوغي 500 امرأة كن ضحايا للاغتصاب ووثقت حالاتهن التي بثت “الغارديان” بعض الشهادات منها في موقعها الالكتروني. وحشية لا حدود لها: اصغر ضحية للاغتصاب في القرية عمرها سنة واحدة فقط. وأكبر ضحية عمرها 90 سنة. هذه المسنّة روت ان اربعة مسلحين هاجموها. اغتصبها ثلاثة والرابع لم يستطع ان يغتصبها مباشرة فاستخدم بندقيته لذلك”. وهناك امرأة عمرها الان 21 سنة ولها ثلاثة اولاد من الاغتصاب وتحمل فيروس “أتش آي في” المسبب لمرض العوز المناعي المكتسب “الايدز”.
هذا كله يحصل في قرية واحدة. نينجا ليست إلآ عيّنة مما تشهده مناطق في جمهورية الكونغو الديموقراطية ومما تتعرض له النساء. مئات الآلاف مستباحات منذ 1996 والتقارير عن احوالهن مفزعة. بل هي عيّنة مما يصير حال النساء في الحروب. ما تعانيه النساء في هذه الدولة من اغتصاب وما يليه من تشويه متعمد للاعضاء التناسلية “وحشية تفوق الخيال” باعتراف الامم المتحدة، حصل ويحصل ما يشبهه للنساء في أفغانستان ودارفور في السودان وقبلهما في البوسنة ورواندا وبوروندي وسييراليون وغيرها: الاغتصاب سلاح دمار شامل والنساء وأرحامهن جبهة لعلها الاقسى من جبهات الحروب لتصفية الحسابات والاذلال والتطهير العرقي.
ليس جديدا. منذ القدم يشكل الاغتصاب ذروة الاذلال للمرأة ولأهلها ومجتمعها وعرقها وطائفتها من الرجال والنساء معا. اليوم نسمع مزيداً من الروايات لان الوعي العالمي يزداد ليس على للاغتصاب فحسب بل لكل ما يدخل في نطاق العنف ضد النساء. وهذا اوسع بكثير من الاغتصاب ويدخل في كل أوجه التعامل مع المرأة. فكيف نصنّف ضرب المرأة مثلا؟ تزويجها بالاكراه؟ تزويجها طفلة؟ بيعها مقابل مبلغ من المال؟ مقايضتها فدية؟ كيف نصنّف التمييز بين الانثى والذكر في العائلة نفسها؟ استسهال التحرش الجنسي بها؟ كيف نصنّف تحقيرها باستمرار واعتبارها مجرّد اداة طاعة للذكر ولخدمته؟
طبعاً لا مجال للمقارنة من حيث مستوى العنف بين الاغتصاب والضرب أو غيره. ولكن مادام الاساس هو نفسه، أي ان المرأة أداة، فكل شيء يصير مستباحاً بل مقبولاً. ويصير ممكناً للرجل وللمجتمعات عموماً ان تجد التبريرات للعنف ضد المرأة سواء بالممارسة أم بغياب القوانين التي تحميها. وهذا لا يقتصر على المجتمعات النامية أو الفقيرة بل هو عام نجده في الغرب كما في الشرق وفي المجتمعات المتقدمة كما المتخلفة وفي الحروب كما في السلم. صحيح ان العقدين الاخيرين شهدا استفاقة لافتة في الاهتمام السياسي الذي يعطى لمكافحة العنف ضد المرأة إن باتفاقات دولية أم بقوانين وسياسات محلية وقد ساهمت المنظمات غير الحكومية كثيراً في وضع نهاية لاعتبار هذا العنف عملاً فردياً وفي ادخاله نطاق حقوق الانسان. وصحيح ان الامم المتحدة التي توصلت الى ان العنف ضد النساء يدمّر مجتمعات ويعوق اي جهود للتنمية بادرت العام الماضي الى تخصيص 25 تشرين الثاني لمكافحة هذا العنف بل جعلت موضوع يوم المرأة العالمي (8 آذار) هذه السنة “النساء والرجال متحدون للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات”. لكن العنف مستمر وبشكل وبائي في كل المجتمعات وإن اختلفت اشكاله. ولا يضللنا ما حققته المرأة عموما من انجازات وتقدم في كل المجالات. فالنساء الناجحات لسن الا اقلية. ولا يضللنا أيضاً ما حققه الرجل من انفتاح وتقبّل للمرأة انساناً مثله لها الحقوق والواجبات نفسها ولها في الدرجة الاولى حقها في الحياة. فهؤلاء الرجال أيضاً ليسوا الا اقلية.
الواقع مخيف.
استناداً الى ارقام الامم المتحدة، هناك امرأة على الاقل من كل ثلاث نساء تتعرض في حياتها للاغتصاب او الضرب أو نوع آخر من الاعتداءات وغالبا ما يكون المعتدي شخصاً من ذويها. أي ثلث نساء هذه الارض. والعنف هو أحد الاسباب الرئيسية للوفاة أو العجز بالنسبة الى النساء اللواتي تراوح اعمارهن بين 15 و44 سنة، وهو يفوق في ذلك ولا سيما في مخاطر الاغتصاب والعنف المنزلي خطر السرطان والملاريا وحوادث السير.
ولنتذكر ان هذه الارقام مستقاة من دراسات لحالات مسجلة وان حالات كثيرة كثيرة تبقى خلف جدران المنازل لا يدري بها أحد وحالات كثيرة غير معلنة أيضاً لعنف نفسي واقتصادي تتعرض له الفتيات والنساء بما يضعف ثقتهن بانفسهن ويساهم في استسلامهن لليأس ولارادة الرجل.
استناداً الى تقسيمات الامم المتحدة، هناك “العنف المنزلي والأسري” الذي يشمل أعمال الاكراه الجسدي والجنسي ضد النساء في المنزل أو داخل الاسرة أو في علاقة جنسية. البيت الذي يفترض ان يكون الملاذ الآمن لاي انسان يتحول للعديد من النساء مكانا للوجع والخوف والاذلال. ففي دراسة لمنظمة الصحة العالمية أجريت في 10 دول من انحاء العالم وشملت مقابلات مع 24 الف امرأة، قالت ما بين 15% و71 % من النساء انهن تعرضن للعنف على يد الشريك/ الزوج منهن 10% – 50% للعنف الجنسي تحديداً. وأظهرت دراسات أخرى ان 75% من النساء في روسيا يعانين شكلاً من أشكال العنف المنزلي وان هذا العنف يظهر في نصف عدد المنازل في الولايات المتحدة على الاقل مرة في السنة وثمة تقدير انه كل 15 ثانية هناك امرأة أو فتاة تتعرض للضرب على يد شريكها. والعنف المنزلي ولا سيما الضرب منتشر على نطاق واسع في الدول العربية مثل بقية الدول، ولو بنسب متفاوتة، فهو في مصر مرتفع وكذلك في الاردن وفي سوريا تصل النسبة الى ربع النساء. وأظهرت دراسات أجريت في أنحاء مختلفة من العالم ان نصف النساء ضحايا عمليات القتل يُقتلن على أيدي ازواجهن أو شركائهن السابقين أو الحاليين.
وعلى رغم ان 89 دولة تطبق نوعاً من من الحظر القانوني على العنف المنزلي ولدى عدد منها خطط وطنية لمواجهته، فان النتائج تثبت ان التقصير لا يزال فادحاً ويكفي ان الفتيان والنساء في غالب الاحيان لا يشتكين من الاعتداء عليهن لاحد، لا للشرطة ولا لمنظمات غير حكومية، خوفا من رد فعل المعتدي سواء أكان الزوج أم الاب أم الاخ أم اي كان.
وهناك “العنف الجنسي” الذي يتجاوز عنف الشريك و”يرتكبه قريب للمرأة أو صديق أو رجل معروف لديها، أو جار، أو زميل عمل، أو غريب. ومن الصعب تحديد مدى انتشاره لأن العنف الجنسي يظل في كثير من المجتمعات مسألة تجلب العار الشديد للمرأة، وفي الغالب لأسرتها أيضاً”. لكن التقديرات تشير الى ان واحدة من كل خمس نساء في العالم ستكون ضحية اغتصاب أو محاولة اغتصاب في حياتها. ولنأخذ سويسرا مثلاً حيث اجريت دراسة عشوائية على 1200 تلميذة في الصف الرابع المتوسط كشفت فيها 20% من الفتيات أنهن تعرضن مرة واحدة على الاقل لاعتداء جسدي وجنسي. وفي نروج أبلغت 18% من النساء تراوح اعمارهن بين 20 و60 سنة عن تعرضهن لاعتداء جنسي.
المشكلة لا تقف عند هذا الحد. ففي عدد كبير من المجتمعات يشكل موقف المجتمع و/ أو القانون اعتداء اضافياً على حال المرأة لانه يحمي المعتدي عملياً ويلوم الضحية. وهذا انما يوصل الى نوع ثالث من العنف هو “الممارسات والعادات المؤذية” للفتيات والنساء ومنها مثلا جرائم المهر التي تمارس خصوصا في دول جنوب اسيا حيث يقتل الزوج أو عائلته زوجته بحجة ان عائلتها لم تعد قادرة على تلبية المتطلبات المتعلقة بالمهر والتي تعهدتها قبل الزواج. وتموت الوف النساء سنويا تحت هذا العنوان. ومنها ايضا “جرائم الشرف” التي تُقتل فيها النساء، ضحايا الاغتصاب أو تهمة ممارسة الجنس قبل الزواج أو الخيانة الزوجية، على أيدي اشقاء أو اقارب.
وتقدر الامم المتحدة ان نحو خمسة الاف فتاة وامراة يقضين سنوياً باسم “الشرف” في مناطق مختلفة من العالم مثل باكستان وسوريا ومصر ولبنان وايران واليمن والبرازيل ومجتمعات معينة في دول غربية.
ومن العادات المؤذية ختان البنات المنتشر في عدد من الدول الافريقية وبعض دول الشرق الأوسط ومجتمعات للسكان الاصليين في أميركا الوسطى والجنوبية. وهذه الممارسة العنيفة تجرى بحجة ضمان العفة والطهارة. وتظهر ارقام الامم المتحدة ان 130 مليون انثى على قيد الحياة الآن خضعن للختان وهناك مليونان معرضات كل سنة لهذا الخطر.
ومنها أيضاً الزواج المبكر المنتشر في الكثير من الدول الافريقية والاسيوية والعربية وحيث يبرر الأوصياء هذه العادة بأنها ضمان لمستقبل البنت فيما الحقيقة مستقبل اقتصادي أفضل للعائلة. وترتفع نسب تزويج الصغيرات في حالات النزاعات والحروب بدعوى انها حماية للبنت. وتقول الامم المتحدة إن هذا النوع من الزيجات يجبر الفتيات على العلاقات الجنسية المبكرة مما يضر بصحتهن ويزيد خطر اصابتهن بالايدز ويحرمهن فرص التعليم.
باختصار، كل هذه “الممارسات التقليدية” تؤدي الى الوفاة أو الاعاقة أو الاذى الجسدي والنفسي لملايين من النساء سنويا.
أما النوع الرابع من العنف ضد النساء، فهو “الاتجار بالنساء والفتيات” الذي ينقل هؤلاء إلى قطاعات مختلفة من الاقتصاد غير النظامي بما في ذلك الدعارة والخدمة المنزلية والزراعة وصناعة الألبسة والتسول. وتشير التقديرات إلى أن عدد الاشخاص المتاجر بهم سنويا من رجال ونساء يراوح بين نصف مليون ومليونين استناداً الى تقديرات أخرى الى أربعة ملايين لكن معظم ضحاياه من الإناث. وتفيد الامم المتحدة ان عدد دول المنشأ للمتاجرة هذه عام 2006 بلغت 127 دولة ودول المقصد 137.
ودخل فيروس العوز المناعي المكتسب “الايدز” في انواع العنف ضد النساء سبباً ونتيجة. ذلك ان انتشاره مرتبط ارتباطاً أساسياً بعدم قدرة النساء على تأمين الممارسة الجنسية السليمة ورفض المعاشرة الجنسية غير المرغوب فيها. وهذا يؤدي الى الاغتصاب عملياً مما يعني نزفاً أو غيره ويساهم في نقل الفيروس. وفي المقابل، تفضل العديد من النساء عدم الإفصاح عن إصابتهن خوفا من التعرض للعنف، مما يحرمهن المساعدة والعلاج. وقد ورد في تقرير لأحد المستشفيات في زامبيا أن 60 % من النساء المصابات يتخلين عن العلاج خشية التعرض للعنف والتشريد إذا ما كشفن إصابتهن بالفيروس.
وأخيراً هناك العنف ضد النساء في الحروب والنزاعات المسلحة. 70% من ضحايا الحروب الاخيرة كانوا مدنيين وخصوصاً نساء واطفالاً. والاخطر ان أجساد النساء صارت وسيلة للترهيب عبر الاغتصاب والحمل والاستعباد الجنسي. وليس مصادفة اليوم ان نحو نصف الذين دانتهم محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المحاكم كتلك الخاصة بيوغسلافيا السابقة ورواندا وسييراليون، يواجهون تهماً بالاغتصاب والاستغلال الجنسي.
وها ان الامر يتكرر في جمهورية الكونغو الديموقراطية وفي دارفور حيث الاناث في مخيمات اللاجئين عرضة لـ”الاغتصاب المنظم” استناداً الى الامم المتحدة. ألوف منهن حتى في الرابعة من العمر هن من ضحاياه. والنمط هو هو كما في مخيمات اللاجئين من حروب اخرى: تخرج المرأة لجمع الحطب أو نقل الماء فينقضون عليها. ويقول عمال اغاثة في مخيمات دارفور إن النساء هناك استسلمن عموماً الى ان الاغتصاب صار نمط حياة وان الرجال لا يجرؤون على الخروج معهن خوفا من القتل المحتم ان حاولوا الدفاع عنهن. ومع “نمط الحياة” هذا يولد اطفال من الاغتصاب تتخلى عنهم الامهات. مثلاً كان عمال الاغاثة في مخيم يضم 22 الف شخص يعثرون على ما معدله 20 طفلاً شهرياً.
فكرة عامة عن أنواع العنف الممارس ضد النساء. ويبدو ان افغانستان هذه الايام هي المكان الاسوأ للمرأة وبكل المقاييس. فبعد سبع سنوات من الحرب التي قالت أميركا إنها “حررت” النساء من نظام “طالبان”، تأتي الدراسات لتثبت ان الحال لايزال بالسوء عينه وأحياناً أسوأ. 48،9% من سكان أفغانستان البالغ عددهم نحو 24 مليونا إناث ونسبة الامية بينهن 88%. ثم إن واحدة من أصل كل تسع تموت اثناء الولادة وهذه النسبة الاعلى في العالم الى جانب سييراليون، ومتوسط عمر المرأة الافغانية هو 44 سنة.
نساء أفغانستان يعانين كما رجالها الحروب المتواصلة منذ ثلاثة عقود وقد خلفت هذه مليون ارملة تركن للتسول عمليا بلا حقوق ولا رعاية، لكنهن يشكين من الرجال أكثر. لا حدود للقمع والاستبداد. آخر الارقام تفيد ان 87% من النساء يتعرضن لاعتداءات غالبا في المنازل نصفها اعتداءات جنسية. وأكثر من 60% من الزيجات قسرية ونحو 57% من العرائس دون 16 سنة. فالحرب والفقر يدفعان مزيداً من العائلات الى بيع بناتها في مثل هذه الزيجات. الفتاة “رأس مال” العائلة تستبدل بـ”مال العروس” أو بسلع. والروايات كثيرة عن صغيرات في السادسة أو السابعة يزوجن للعبودية والاغتصاب. ومع ان “شرط” هذا الزواج يكون ألا يتم فعلياً الا بعد بلوغ الفتاة، فان عدم التقيد تحصيل حاصل فتتعرض الطفلة لاعتداءات جنسية ليس من العريس فحسب بل من ذكور عائلتها الجديدة وخصوصا اذا كان العريس لا يزال مثلها طفلاً، اضافة الى استعباد العائلة باسرها لها ضربا واجهاداً في الاعمال المنزلية. وهذا الواقع الذي تخضع له الفتيات والنساء انما يدفع عدداً متزايداً منهن الى الانتحار وخصوصا باحراق أنفسهن. فبين اذار وآب 2007 حددت اللجنة الافغانية المستقلة لحقوق الانسان أكثر من 250 حالة انتحار لكنها تعترف بأن هذه تشمل فقط الحالات المسجلة في المستشفيات. ثمة حالات كثيرة تدفن في ارضها ولا يعرف بها احد وثمة قرى بل مناطق باكملها لا تصل اليها أي لجنة ولا تجرؤ أي امرأة على الخروج منها. هذا ينطبق على المناطق الريفية حيث يزداد القمع والتعسف وكل ما يكرس الانثى من الممتلكات يتصرف بها الذكورعلى مزاجهم.
البنت للمبادلة فدية عن جريمة أو حلاً لنزاع. والبنت للاغتصاب لئلا تخرج عن الطاعة. ووجه البنت وجسمها للتشويه بالاسيد اذا كانت تذهب الى المدرسة. والبنت للزواج ولو طفلة مقابل المال أو حتى مقابل بقرتين وكمية من القمح ولو من رجل مسن. ولا يهم ما يصيبها ما دام الذكور مرتاحين. القصص والروايات فظيعة عن مثل هذه الحالات. وقد روت احدى القابلات القانونيات انها كانت تساعد امرأة في العاشرة من عمرها فقط على الولادة “كانت صغيرة جدا فاضطررت الى وضعها على حضني الى ان ولد الطفل”.
كل هذه الروايات والاخبار عن نساء من العالم تعطي العنف وجوهاً ربما تفزع البعض وربما تريح كثيرين لان وجه العنف الذي يمارسونه يبدو باهتاً أمام ما يفعله آخرون. ولكن لنعترف بأن لكل هذه الوجوه جذرا واحدا: نظرة دونية الى الانثى تسبق حتى ولادتها يحتاج الذكر الى تعميقها بالممارسة ليحافظ على سيطرته وقوته فتتواصل الدورة حتى شيخوخة المرأة. يضربها. يتحرش بها جنسياً. يغتصبها. في البيت. في الشارع. في أماكن العمل. حتى انه عبر الانظمة الحاكمة يقاوم اعطاءها حقوقها. في الكثير من الدول لا تستطيع المرأة نقل جنسيتها الى أولادها وزوجها اذا كان أجنبياً. لا تستطيع ملاحقة مغتصبها الا اذا استطاعت اثبات الاغتصاب. هي الضحية في هذه الحالات ويدان المرتكب في واحدة فقط من كل عشر حالات. أول قرار دولي يتعلق بالمساواة بين المرأة والرجل في حقوق العمل صدر عام 1921، لكن النساء لا يزلن يتقاضين 17% أقل من الرجال على العمل ذاته. والنساء هن اليد العاملة الفعلية “مجانا” في الكثير من الدول. يعملن في المنزل وفي رعاية الأولاد وزرع الحقل والسير كيلومترات لنقل المياه وتأمين الغذاء. ويعملن في الخارج. يهاجرن لتأمين المال للعائلة ويتحولن وقودا للرق الاقتصادي الجديد. وهكذا.
يستحيل تحديد كل أوجه العنف ضد المرأة. هذه مجرد لقطات منه. ولكن ما بدأ العالم يدركه هو ان الكلفة الاقتصادية والبشرية لاستمراره مرتفعة جداً لأنه يعوق اية جهود فعلية للتنمية. هذه نقطة للبداية. ولا أوهام. الطريق طويلة جداً وشاقة جداً. لا شك في ان جهود الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية تساهم في زيادة هذا الوعي وفي معالجة الاسباب المرتبطة بالفقر والامراض والجهل وربما في تمكين المرأة وفي الوقت عينه توعية الرجل. لكنها لا تكفي وحدها. التغيير يحتاج الى فتح كل الجبهات. البيوت والمدارس واماكن العمل والبرلمانات والحكومات والاهم فتح العقول. ولنعترف بأن هذه المهمة لا تتعلق بتغيير حال نصف المجتمع بل بتغييره كله وبأن الجهود المبذولة لا تزال متفرقة تسير كالسلحفاة.
النهار