مسوّدات لا تخلو من السواد..!
فاضل الخطيب
الحياة أكثر أهمية من أن نحياها، وأقل من أن نموت بدونها..
يقول شخص: لم تلاحظ ذلك؟ بأنني لا أريد الحياة أكثر، لأنني عشت أكثر من حياتي..
تناقض هذا، أليس كذلك؟ بأن هذا الموضوع لا يريد أن يبدأ، لأنه موجود، ماذا يكون مصير هذا الموضوع، لماذا يجب كتابته، لأن الحقيقة هي صراع الأضداد. موضوع عن كل شيء انقضى، عن الذي لن يكون بعد الآن، هذا هو الزمن المنقضي، وماذا ينفع هذا الذي انقضى؟..
أشاهد التلفزيون، قناتي المفضلة، في هذه اللحظة يقدمون إعلانات، شخصٌ يتسكع في الشارع. أنا أيضاً تسكعت في الشارع أمس؟ أو أن ذلك حدث بشكل آخر تماماً؟ ماذا حدث؟ حتى الآن، على الأقل الآخرون من هناك – المقربون يعرفون، هذا كثيرٌ لي، كما لو أنه لا يعرف أحد شيئاً، لكنني أنا لا أعرف أيضاً، ولن أستطيع معرفة ذلك..
في المكان الذي احترقت فيه (طيب اعترف أن فيها شوية مبالغة)، والحقيقة أنه فقط كان هناك الفجر الذي أعشقه(لماذا يجب عمل شيء ما، إذا كنا نرى سطوح الأبنية بنفس اللحظة، ونشاهد مخاطر حياتهم الغبية ونسرق منهم المواد الأولية لفنونهم السحرية العجيبة، على الضفاف القديمة نحمل حقائبهم وصررهم)، ما كانت هكذا بالضبط، كما حاولت في إحدى المناسبات وضع مقياساً، لم تكن من وجهة نظر تراجيدية، انتقدوني وسجلوا ملاحظاتهم عليّ، لكنني وضعت عهداً على نفسي، أن أنتبه أكثر..
المدرسة – كتاب – وبكلمة خشنة لنسختها الأصلية (هكذا تشكلت، بأن نتوجه إليها) ظهر ولم أنتبه له، نظرات قليلة كانت كافية (البعض يقوم بإجراء مقارنة، هم العارفون)، شاهدت طريقة أخرى، كل شيء بشكل آخر. بشكل غريب آخر. النسخة الأولية القديمة هي بكل بساطة صورة “مشوّهة”. النسخة “مثلية”، اختلافها يمكن ربطه بالشعور “العالمي للثقافة العالمية”. آخر زيارة لهذا الكتاب (وكما أنا أراها منذ مدة – يمكن القول منذ ذلك الزمن تحققت هذه الرؤية أو وجهة النظر)، والتي تملؤها الرومانسية “المتوحشة” المحافظة قليلاً، ومن خلال شكلها ومقوماتها (أقسام، إقفال فصول، وخزات مسلات وإبر…) تغيّر طريق عطيل رغماً عن شكسبير. لكن الثقافة “تحت الحرب” و “بعد الحرب” وردود فعل قصاصات الجرائد الإلكترونية وأسلوبها يذكر بشكسبير رغماً عن عطيل. رأيي أنا، أن التأثير العكسي لجمال القصة يعكس العكس، سواء رواية أو تراث أو عكس ذلك. “ضعوها جانباً”! بتحريكة واحدة ننهي بطل الرواية، سؤال: نعترف بأخذ النصر نظيفاً، بالإقصاء أو الإخصاء؟ بعد شكسبير لم يضطر عطيل إلى حاجة صديقه المقتول..
لا أعرف تقديم أية خدمة من ألعاب الزمن. بقيت ملاحظاتي التي لم يقرأها غيري، ملاحظات عن الجزيئات والذرات وحركتها، أقرأها وحدي وأعيد قراءتها حتى تظهر أن جمهوراً كبيراً يقرؤها مثلي، وأسجل ملاحظة: يمكن أن يقوم المرء بالسؤال، لكن لماذا؟
البعض يقول نعم، والبعض يقول عطيل أو شكسبير، وأنا منذ أسابيع عديدة أسأل نفسي: ما هذا الترف والبذخ، أن أظهر بأنني مهمٌ جداً بين هذا الترف والبذخ الفكري.
قصيرة تلك الكلمات لهذا الزمن الطويل..
ما هذا؟ تحريك للأثاث، كما كنت أعمله يوم كنت طالباً..
طبعاً، جميلٌ… لكن الكتابة تكتب نفسها..
سيبقى كل شيء (كتابة موضوع، ملاحظات، خيبة أمل..إلخ.)، طالما بقي شخصٌ يتحدث معي. طالما لم أشتري مزرعة خلف قرية مهجورة من بلدٍ كان وطناً في يومٍ ما، طالما لم آخذ معي سبع علب كبيرة من الحبوب المنوّمة، وطالما لم أشتري إلى جانبها صندوق خمر “توكاي” سيبقى كل شيء على حاله. طالما بقي شخصٌ يتحدث معي..
أحيانا كثيرة أفكّر بجدوى الملاحظات والكلمات. وأنا أعرف أنني كثيراً ما فكّرت بنفس الطريقة، وعن نفس الموضوع. ماذا يعني أن أتحدث إلى أي شخصٍ كان؟
مات أندرسون، لا حكايا، مثل تلك الحكايا لا يولد جديد، مات أندرسون، ومات عطيل قبل شكسبير، الدور لمن الآن؟
يوجد بأنه يمكن أن تكون وحيداً فقط: هذا شيء آخر، كأن تكون فقط وحيداً..
غريب ذلك الشعور، بعد تلك الليلة، مرتين كان يجب تغيير الشراشف، بسبب الألم، أو لماذا؟ شعورٌ مريحٌ السفر للوطن، حالة جميلة تلك، ماذا يعني هذا، يمكن أن أفهم: أن المعاناة قضية ذاتية فقط؟
طيور: هذا، لكل شخص تعني شيء، عند الطبيب البيطري، عند الإنسان البسيط، عند العالم الباحث، عندي أنا.
ثقافة مخيفة، عندما يوجد: فوق الإمكانيات نعم، تحت الإمكانيات لا، كل الثقافات تقريباً فيها ما يخيف..
هل تعرفوا يا أصدقائي؟ لو تعرفوا يا أصدقائي، “نحن”.
من الخلف يمكن قراءتنا، كما “نحن” من الأمام. ونبقى كما “نحن”.
أجمل شيء يا أصدقائي، أننا “نحن” من الخلف أيضاً نقرأ، كما نظن من الأمام “نــــحــــن”.
بذور “نحن” تنموا بدون صلاة الاستسقاء، وبدون لحية شمطاء.
“نحن” يا أصدقائي كل الكبرياء.
أنا، أعشق “نحن” يا أصدقائي الأوفياء.
يقول “كافكا”: دائماً الذنب على الكاتب. ولكوني لا أعتبر نفسي كاتباً، فقد نفذت من الذنوب، فأنا غير مذنب. لكنني هل أكون مذنباً أنا، إذا لم يفهمني أصدقائي، أو لا يريدون فهمي، أنني لا أرغب السفر؟
أشعر الآن، كم أنني ما تغيرت. عندما كان علي العمل قاموا بتوجيهي كما لو كنت “معتوهاً” (هذا المصطلح أهداني إياه أحد الفهمانين قبل 7 يناير من العام الفائت)، لست بنادمٍ، حاولت بمصداقية التعامل (تعبير كمالي يستخدم في حالات شاذة)، عندما تغيّر الإطار( … ) حاولت بجدٍ أكثر، البطالة عن العمل كانت تطل من خلف الشباك مهددة. لم أترك هذه التنزيلات للحظ، وللصدور المثلوجة في هذا الشتاء المثلج البارد في أوربا.
تفصيلات، تفصيلات! لكن أحمر وأسود، وكأنه ضاعت باقي الألوان، لم يكن مكان لها، لم يعطوها فرصة، ومن علم الفيزياء يقولون أن اللون الأسود يمتص كل الألوان الأخرى، خفت على لون دمائي، لم يبقى الكثير الملوّن في هذا العالم..
يا ترى، فعلاً هو البحث عن الحقيقة؟ الذكريات لا قيمة لها، أردت استخدام نظام أصدقائي، كي أشرح نظامي عن طريق نظامهم، بسرعة شعرت بسذاجتي، ضحكت على نفسي.. كيف لي فهم ذلك؟
إذا كان ذاك هو البحث عن الحقيقة، فمن غير المقبول، القبول بنصف الحقيقة، الوصول إلى نصف الحقيقة، – أعرف أنها نسبية، لكنني أريد أن أزاود قليلاً في التنظير والإرشاد وتقرير المصير-، إذا .. وإذا .. وإذا؟ البحث عن الحقيقة، ليس هنا، ليس أكثر من عملية تجميل ربما تتبعها مضاعفات تقبيحية..
كم ذلك جميل! لكنني لم أكتبها؟
وكم سؤال بقي خلف سؤال؟
فلسفتهم غير سميكة. شفافة، لكنها ليست من الشفافية. رقيقة، لكنها ليست من الرقة.
الضروريات،
العيش مع الضروريات،
التمسك بالمواقف الضرورية،
هو الكلمة الثانية التي أردت،
وليس عجباً، إن لم تكن هناك عجائب..
22 / 2 / 2009
خاص – صفحات سورية –