صفحات سورية

هلال إخواني يستكمل الهلال المذهبي السابق؟

null
وضاح شرارة
تبنى مرشد «الاخوان» المصريين محمد مهدي عاكف الرأي الذي سعت في تعميمه كتلة البلدان والقوى «الممانعة» في حرب «حماس» وإسرائيل، وعلى رأسها إيران. فطعن في السياسة المصرية، وحمّلها وزر «المساعدة» على حصار الفلسطينيين». وقسّم الساحة «أجندتين»، واحدة للاستسلام، ويقودها محمود عباس وحسني مبارك، و «زعماء دول عربية» أخرى. «والثانية للمقاومة والجهاد لطرد الصهاينة». واستعاد المرشد الإخواني المصري تسويغ «حماس» وإيران والقيادة السورية للحرب في غزة. فقال ان «الخسائر (قليلة) بالنسبة الى نجاح المقاومة، وكان لتوه قال ان «لا عقل ولا منطق ولا سياسة» في نهج رام الله – القاهرة المفاوض والمسالم «فيما الضحايا كثيرون جداً».
وردد موقف «حماس» و «حزب الله» و «الجهاد» و «القيادة العامة»: «الصهاينة ليس لهم إلا المقاومة». ولم ير ضيراً ولا عيباً في جمع دمشق والدوحة احتلال الجولان السوري من دون مقاومة، واستضافة قواعد عسكرية أميركية في قطر و «مكتباً صهيونياً» في الدوحة، مع وقوفهما، موقفاً رجولياً، وإيواء المقاومين وبارك المرشد الإخواني المصري توقيف «الإخوان» السوريين «النشاطات ضد النظام» السوري، وحمده. وقال، مثنياً على «الإخوان» وعلى النظام السوري معاً: «ولو رأيت من النظام المصري شيئاً يقف الى جوار المقاومة لأوقفت (النشاطات المعارضة) ايضاً» («الحياة»، في 10/2/2009). ويتوج موقف محمد مهدي عاكف، بعد مواقف وآراء إخوانية مصرية محلية في أثناء «جولة» غزة، مواقف إخوانية عربية أخرى. وليس تعليق المرشد السوري، البنايوني «نشاطات» الجماعة أو بياناتها السياسية والجبهوية، في إطار جبهة الخلاص الوطني مع نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام، أقلها بروزاً، فسبقت تصريحات عاكف، وأنصاره في مصر، دعوات إخوانية سورية ولبنانية وأردنية، الى الدعوة الفلسطينية الحمساوية في المرتبة الأولى، الى التنديد بالتواطؤ المصري على «حصار» الحركة الإخوانية الفلسطينية، وتهمة الحكومة المصرية «بإقفال المعابر» في وجه الفلسطينيين.
ووراء ستارة مساندة «حماس»، وتوحيد الفلسطينيين بـ «حماس» وسياستها الداخلية والإقليمية، أجمعت الحركات والتيارات الإخوانية في «بلدان الطوق» على رأي يقسم العرب عربين، ويدين «عرب الاستسلام» ويحمّلهم المسؤولية عن الحرب الإسرائيلية، ويدعوهم الى فتح حدودهم أمام منظمات المقاومة المسلحة و «جماهيرها»، وإلى الانخراط في حروب المنظمات هذه أو الانحياز الى «رجولتها»، على الطريقة القطرية – السورية، على أضعف تقدير. وتنصّب الحركات والتيارات الإخوانية سياسة المنظمات الفلسطينية المسلحة، ومصالحها وتحالفاتها وعداواتها وانشقاقاتها، معياراً داخلياً ووطنياً، وتتوسل بهذا المعيار الى الإدلاء برأيها في النظام السياسي الوطني المناسب، وفي هيئات النظام هذا، ودورها في العملية السياسية وإدارتها الحياة السياسية الوطنية برمتها.
وعلى الضوء هذا، ذهب الإخوانيون الأردنيون، وعلى رأسهم المراقب العام سعيد همام ورحيل (أو أرحيل) الغرايبة الى النعي على «النظام» الأردني افتقاده الى الدستورية والديموقراطية، وهم انتهوا الى الرأي هذا من طريق قياس سياسي مختصر وقاطع: «الشعب» يؤيد «حماس»، والحكم يتحفظ عن تأييدها فلا يلغي معاهدة وادي عربة (1994)، ولا يغلق السفارتين ولا يسحب السفيرين ولا يخوض الحرب، فالحكم يخالف «مزاج» الشعب ولا يمثله ويشارك في العدوان عليه وعلى الفلسطينيين.
فالمعيار هو «الموقف من المقاومة»، على قول خمينيي لبنان المسلحين. وعلى هذا نعى الناطق باسم البنايوني، الإخواني السوري، على «14 آذار» اللبنانية تحفظها عن «حماس» وسياستها الفلسطينية الغزاوية، ودعاها الى تأييدها، وتأييد حلفائها في لبنان، أصحاب سابقة حرب صيف 2006، وأنصار دمشق وحاكمها على الاستقلال والديموقراطية اللبنانيين. وفي ضوء تحكيم المعيار هذا في «النظامين» السياسيين الأردني واللبناني، يبرئ الإخوانيون في بلدان الطوق النظام السوري الأسدي مما يكيلونه من نقد الى الحكم الأردني أو الحكم المصري، فلا يعيبون عليه لادستوريته، أو هم يسكتون عنها، ولا يرون، على رغم القانون 46 المسلط على أعناقهم، التوريث الناجز والراسخ مدعاة معارضة مستمرة وثابتة، حين هم يرون جوازه أو احتماله في مصر سبباً في الانشقاق السياسي والاجتماعي، وثمة مفعول ارتجاعي لإعمال معيار «المقاومة» في السياسات الوطنية والإقليمية. فيجلو الإعمال هذا صدام حسين بطلاً قومياً وإسلامياً غير منازع، في مراحل سلطانه كلها: حين سعى الى امتلاك سلاح ذري، وحين قاتل «الفرس»، وحين قصف تل أبيب، وحين قمع قيام الجنوب الشيعي عليه، وحين توافد «جهاديو» أبو مصعب الزرقاوي لنصرة ديكتاتوريته من بوابة مطار دمشق…
وكان المعيار هذا، لمّا أُعمل في الأردن قبل 1970- 1971، وأُعمل في لبنان غداة الأردن، ثم غداة جلاء المنظمات المسلحة الفلسطينية عنه في 1982، ثم غداة جلاء القوات السورية عنه قبل نحو 4 أعوام، أدى الى تصديع «العقل والمنطق والسياسة»، على قول عاكف الدقيق، في البلدان والمجتمعات هذا وقلبها الى لا عقل ولا منطق ولا سياسة، على قوله المفحم. ففتحُ الحدود، ورفع الحصار على دعوة الإخوانيين اليوم، يؤديان لا محالة الى ما أديا إليه، ويؤديان في لبنان الى اليوم، إلى تسليط التعسف والاستباحة والاغتيالات والتهريب والعصبيات والفساد على السياسة والمجتمع والصحافة والأحزاب من غير استثناء.
فلا راد في «لا عقل» التسلح العصبي، أو لشرذمته الجماعات وحملها على الاقتتال وتقديمها مصالحها ونزواتها وولاءاتها على قواسم مشتركة وطنية. فتنتهي الشراذم، ولو نجحت بعض الوقت في الاستيلاء على جماعة أهلية ورصها والتمترس بها وخوض معارك دامية بلحمها، الى «ولايات» محلية ضئيلة تباع وتُشرى في سوق نخاسة مفتوحة. ونجاح إيران الخمينية في دخول السوق هذه، وفي «تحريكها» ونشر عدواها جزئياً في بعض المواقف الإقليمية، لا يعمي عن كوارثها. وانبهار الحركات الإخوانية بها يقطع الطريق على اقتفائها «المثال» التركي، الذي أمله بعضهم، ويورّط المثال التركي المفترض في «مشرقية» أودت بإيران الخمينية، وسحقت آمال الإيرانيين في الحرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى