قضية فلسطين

دفاعا عن الحرية دفاعا عن فلسطين

محمد محفوض
هذا الكون ما ضميره ؟
بعد مسيرة تقهقر امتدت قرونا ً, وانهيار المناعة الوطنية والقومية بل وحتى الدينية في المنطقة العربية ,أقام الغرب المتقدم المتفوق ثكنته العسكرية على أرض العرب المتأخرين الضعفاء,و على جماجمهم,كان ذلك حين احتاجت مصلحة المشروع الإمبريالي أن يكنس” الجيتو” اليهودي و مشاكله عن أرض أوروبا, ويلقيها على بلدانٍ نام عنها أصحابها, وكروم ٍ نام عنها حراسُها, واستباحها حماتُها, فغدت منهبة ًلكل ناهب ,تلك التي تسمى بلاد العرب  .
بداهة ً أن الثكنة الإسرائيلية لم تبنَ فجأة ً, في غمضة عين ,أوفي غفلة من الزمان ,بل استغرق الوقت بين الإرهاصات التنظيمية والسياسية والفكرية الأولى للحركة الصهيونية, وبين إعلان تأسيس الدولة العبرية على أرض فلسطين , ما يزيد على نصف قرن, لم يتمكن خلالها الجسد العربي من مناهضة المشروع الصهيوني ووأده قبل تكونه, أو إعاقته , أو خلق مناخ ٍ دولي وإقليمي مناوئ ٍ له ,كيف له ذلك وهو المترهل المسترخي على رمل صحرائه وتيهه,المتلفع بعباءة جهله وأميته ,المنخرط بتناحراته القبلية والعشائرية والطائفية,النائم على حرير يقينيات الفرقة الناجية ,المستكين لجبروت حكامه الطغاة الفاسدين, وفقهائه العميان المحنطين ,الغارقُ كل فرد منه في رضا ًعميق ٍ عن النفس أنه وفرقته الناجية “خير أمة أخرجت للناس “.
تحاول الأمة المريضة أن تقاوم التحدي والعنف الصهيونيين, فتفشل, وتتأسس إسرائيل دولة المفارقات.( بدون جذور تاريخية صنعت شعبا مترابطا,وعلى قاعدة ومرجعية يهودية متعصبة ومغلقة  أسست دولة حديثة ,وبالرغم من الديمقراطية التي تفصّلها على مقاس المواطن اليهودي ,فقد اقترفت بحق الفلسطينيين أسوأ سياسات ومجازر التطهير العرقي ,) ….
شكّل تأسيس إسرائيل تحديا ًمركبا ً, فقد كان محرقةً مباشرةً للفلسطينيين, وقهراً وحرباً عدوانية ًعلى العرب, وإهانة وإذلالا ً للمسلمين عامة و”للإسلاميين” خاصة, واختباراً قاسيا ًللضمير الإنساني ولأحرار العالم الحاملين لثقافة التقدم, وحقوق الإنسان, ووحدة بني البشر في الحياة والمصير,الحالمين بعالم أكثر أخلاقية ً, وأقل عنصرية ًوأسلحة وحروبا.ً. ومع ذلك لم يُسفح الدم الفلسطيني على أيدي الإسرائيليين ومن وراءَهم من امبرياليات فقط, بل سفح على أيدي أشقائهم العرب, وعلى أيدي بعضهم البعض كذلك, وسُفح أكثر وأكثر حين حولتهم الأنظمة العربية وحولت قضيتَهم معهم إلى أوراق للمقامرة واللعب السياسي, واستخدمتهم أنظمة عربية كشماعة وذريعة لفرض سياسات الاستبداد, وخنق الحريات, وإدامة حالة الطوارئ على شعوبها, ونهب ثروات الأوطان وضخها إلى المصارف الإمبريالية, وليصبح الصمت والإذعان والامتثال لنظم الفساد والاستبداد واجبا وطنيا وقوميا, وليصبح الاختلاف مع سياساتها خيانة ًوطنية ًبدعوى أن الأنظمة مشغولة بالهم القومي ,وليس لديها متسع من الوقت للتفكير بقضايا نافلة وغير هامة مثل قضايا الحريات والدولة الحديثة والتنمية الشاملة والرفاه العام والتعليم المتقدم وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن  في الحياة السياسية والاجتماعية  …. الخ .
وجدت القوى الإقليمية (فارسية وعثمانية وكلتاهما تحتل أرضا عربية كما تفعل إسرائيل) الطامحة أن تلعب أدواراً إقليمية ً أكبر, ونفوذاً سياسيا أوسع,في القضية الفلسطينية والمزايدة فيها مدخلا مناسباً,وقناعا ًللتغطية على أطماعها في المنطقة العربية, والتدخل بشؤونها الداخلية, واللعب بأمنها القومي, وتهديد سلمها الأهلي الداخلي, وزرع الأفخاخ الطائفية في مجتمعاتها,ولذلك أوغل بعضها بدعم فريق من الفلسطينيين ضد فرقاء آخرين وبتهييج النزاع المسلح إلى حدود الحرب الأهلية, وجرى تبسيط معالجة القضية الفلسطينية إلى حدود التضليل السافر,فقد وعدنا أحمدي نجاد في أحد خطاباته عام 2007 أنه لم يبق من عمر إسرائيل إلا بضعة أشهر,ورأى خامنئي في العمل المسلح عند حماس وحزب الله مؤشرا ًعلى انتشار أفكار الثورة الإيرانية ,إن هذا النموذج من اللاعبين الإقليميين مستعد لدعم قضية فلسطين بالسلاح وبعض المال إلى آخر نقطة دم فلسطينية,وربما عربية ,حين تحتاج  مشاريعه القومية.
أليس غريبا ًهذا المشهد المستمر منذ / 1948/ ؟ مشهد الذبح العنصري الإسرائيلي لشعب فلسطين المشرد في بلاده وبكل أصقاع الدنيا , المتواشج مع كرنفال إقليمي وعربي و فلسطيني صاخب يختلط فيه التباكي والمتاجرة والمغامرة والمقامرة بفلسطين وشعب فلسطين خلف يافطة فلسطين وشعب فلسطين ؟ ليتني أعرف هذا الكون ما ضميره ؟ .
نحن منتصرون مهما كانت النتائج
في حرب 1967 حين قَصف الإسرائيليون جيوشنا النائمة في ثكناتها, وطائراتنا الهاجعة على مدرجاتها, من طائراتهم ودباباتهم عالية الجاهزية, وطياريهم فائقي اللياقة والتدريب, فقصفناهم بتعليقات “المذيعين العرب” النارية, وعنتريات حكامنا, يومذاك وبعد انجلاء غبار العدوان, ولا أقول المعركة, أفادنا الحكام العرب ومثقفوهم أننا انتصرنا. كيف انتصرنا ؟ انتصرنا لأن إسرائيل “المهزومة” لم تستطع أن تُسقِط الأنظمة َالثورية وقادتها التاريخيين, نعم لقد سلِمت قياداتنا الثورية وتابعت “رسالتها النضالية الخالدة” في قصورها ويخوتها ومواخيرها, متوسعة ً في بناء السجون والظلم, والظلام, والتفتيت الفئوي لشعوبها, فهل هناك انتصارات أكبر؟  لا يقلل ذلك من المحاولة الجدية والقصيرة للزعيم عبد الناصر للمراجعة وإعادة بناء الجيش المصري وخوض حرب الاستنزاف وصياغة التضامن العربي على أسس جديدة.
حتى في حروب أخرى لم تخضها الجيوش الرسمية لحكامنا,أصروا أنهم منتصرون ,كما حصل اثر العدوان الإسرائيلي على لبنان, في تموز/ 2006/ وعلى غزة في نهايات 2008 ومطلع 2009   هل انتصرنا أيضا ً لأن كل قيادات الصف الأول ومعظم قيادات الصف الثاني لم تصب بأذى من جراء العدوان, ؟أم انتصرنا لأننا كنا ننتظر حجماً أعلى في خسائرنا. ؟
من بديهيات المعارك الحربية أن تتواكب مع خطاب إعلامي يرفع معنويات الصديق ويثبّط معنويات العدو,لكن هذا شيء مختلف عن التضليل وإعطاء أسئلة خاطئة وأجوبة مفبركة,وجرعات أمل زائفة وذر الرماد في عيون المواطنين.
بعد حرب تشرين وعلى الرغم من الوقائع الميدانية الراجحة لصالح إسرائيل (قضم أراضي عربية جديدة واستثمار حرب تشرين لصفقات سياسية معلنة وغير معلنة مع المحيط العربي, وتمييع مجمل العلاقات العربية البينية ) فقد ساءلت إسرائيل نفسَها وساءلت حكامَها عبر” المحدال” وبعد حرب تموز ساءلت إسرائيلُ نفسَها وساءلت حكامَها كذلك عبر لجنة “فينوغراد”عن أسباب زيادة كلفة حروبهم أكثر من المتوقع والمخطط له,وأسباب امتداد مدة الحرب أكثر من المدة المدروسة, وعن عدم كفاية معلوماتهم عن العدو,وغير ذلك من أسئلة محاسبة الذات ونقدها, ومعرفة العيوب والنواقص لمعالجتها ,في مسعى دائم لضمان تفوقها على أعدائها. وإذا كان الإعلام العربي اعتبر هذه الإجراءات الإسرائيلية اعترافا إسرائيلياً بهزيمتها وانتصارنا, فأنا أرى في ذلك تميزاً وامتيازاً كبيرين للعقل وللنظام السياسي الإسرائيليين,ومن مصلحة العرب أن يتعلموا من أعدائهم هذه الخصلة الموضوعية العقلانية, والدخول الجاد في كشف أسباب تأخرنا المزمن وهزائمنا المتكررة أمام تحدي الحياة وتحدي التحرير,وربما كان من المفيد لنا أن نلاحظ أن الإسرائيليين وصحافتَهم وقضاءَهم المدني, يملك الحقّ َ الدستوري والقانوني,كما يملك القدرةَ الإجرائية, والإمكانية السياسية, لمساءلة الحكام ومقاضاتهم علنيا,ًونشر كل الوقائع والأحداث في صحافة وإعلام ِ شفافين ,. فالشعب عندهم يحاكمُ حكامَه, أما عندنا فحكامٌ  أدمنوا افتراس شعوبهم حتى غدت مريضة ً برهاب الحاكم وجيوشه, ومخابراته,.
لا بد من معايير عقلانية لتحديد معنى النصر :
ليس هناك اتفاق في الشارع العربي فيما إذا كنا قد انتصرنا كأمة وشعب وقضية في عدوان تموز 2006 وفي عدوان غزة 2008-2009 فإذا كان المقصود بالنصر تقدم الموقع السياسي لبعض الرايات الحزبية في معركة الصراع الدموي على السلطة, ؟ فهي حقا ًانتصرت عسكريا ً على خصومها السياسيين من أبناء الوطن في الداخل,وبهذا المعنى ربما تكون قد انتصرت في هذه الجولات مصالح وسياسات القوى العربية والإقليمية التي تستثمر هذه الرايات الحزبية المحلية سياسيا,أما النصر على إسرائيل فتعبيرٌ يحتاج إلى تدقيق وكشف حساب للنتائج والخلفيات,و تبصر عاقل بالوقائع الجديدة التي انرسمت على الأرض,لابد من منطق ٍ عقلاني ٍلحساب الربح والخسارة غير تلك التي يسوقها نواب الله على الأرض, وهل يكون منتصراً من قُتل شعبُه و تشرد بلا ماء وغذاء ودواء ولا غطاء,بينما عدوه المهزوم يحفل بحياة هانئة , مطمئنا على أنه قادر أن يعيد عدوانه المؤلل حين يحتاج ذلك وحين تواتيه الظروف, هل نحن منتصرون وقد أصبحت صور مأساتنا مادةً إعلامية ًمحزنة  تسبب لنا الإحساس اليومي بالهوان والقهر والعجز معا ً.
منتصرون ؟ ونستمطر دموع العالم على صور أشلاء أطفالنا الممزقة وركام بيوتنا المهدمة ؟ ألا يعلم المندهشون من مناظر الموت والدمار للفلسطينيين أن الحرب هي الحرب ؟ وهي ما قد علمتم وذقتمُ ,وأن إسرائيل هي مجرمة دير ياسين وقانا وجنين وغزة والجنوب اللبناني وقتل الأسرى المصريين العزل ؟  فهل من الحكمة أن نزجّ َ شعوبنا إلى معارك غير متكافئة, عبثية , غير مدروسة ,و بلا أفق,ونستدرج عدونا إلى ساحات الحرب والسلاح بدون تجهيز وتكافؤ في القوة, وبدون قدرة على إقامة توازن في الرعب ,وبدون دراسة معمقة للجدوى والنتائج المتوقعة, وانعكاسها على مجمل تراكمات القضية,بدلا ًمن أن نستدرجه إلى ساحات مواجهة تكون إمكانياته فيها أقل؟ ,وهي ساحات موجودة لمن يتبصر.
وفي هذا السياق تحضر إلى ذاكرتي صورتان متناقضتان من التلفزيون للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله,وكلاهما بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنا ن في تموز 2006 , الصورة الأولى كان يتحدث فيها عقب توقف العدوان, وكانت تعابير وجهه تشع بحزن إنساني نبيل وتعكس حزن مواطن لبناني هاله حجم القتل,والتهجير,الذي أصاب شعبه,والتدمير الذي أصاب بلاده,وقال يومذاك ما معناه :” لو كنت أعرف أن الرد الإسرائيلي سيكون بهذا الحجم لما أقدمنا على أسر الجنود الإسرائيليين”.ولقد أكبرتُ لحظتها للسيد هذه الشجاعة الأدبية والوقفة أمام الذات وهي أكثر صعوبة من شجاعة الحرب,وتأملتُ خيراً من هذا التصريح الذي بدا لي للوهلة الأولى كما لو كان استعدادا ًنفسيا ً ومعرفيا ًلممارسة تقييم وتقويم عقلانيين لمجمل التجربة والأداء,أما الصورة الثانية والتي تناقضت تماما مع الصورة الأولى, فكانت بعد مجيء” متكي” وزير خارجية إيران إلى لبنان ,عقب انتهاء عدوان تموز,فقد رجعت إلى خطاب السيد حسن نبرة الاعتداد بالقوة , وقداسة السلاح,ومعجزة النصر الإلهي والافتتان بالذات الحزبية , واحتكار قيم النبل, والشرف لصالح الحزب ومحازبيه, وتخوين الخصوم السياسيين في الداخل ,وتجاهل هول الوقائع الكارثية التي انرسمت على الأرض بعد النصر ( مثل صدور القرار1701ودخول الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل إلى الجنوب وتراجع قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني, وتشريد أعداد كبيرة من أبناء الجنوب, واستجداء الدول المانحة من أجل اعتمار البيوت والبنى التحتية المهدمة ومداواة الجرحى ) ولتاريخه لا تزال ملفات إعادة الاعمار وعودة المهجرين مفتوحة ولم تجد طريقها للحل الناجز. خلاصة القول أن الحرب مع عدو متفوق كالعدو الصهيوني لها عدة يجب أن تعد (لناحية بناء أوطان قوية ومتحدة , ولجهة امتلاك تكافؤ نسبي في ميزان القوى يؤهلنا لإيلام عدونا بقدر إيلامه لنا, وإيقاع الخسائر البشرية بين مواطنيه, ومحاربيه كما يوقعها بين مواطنينا ومقاتلينا, وإيذاء اقتصادا ته,وبناه التحتية كما يفعل عندنا, بغير هذه العدة وبدون الوصول إلى مثل هذه النتائج يكون المستعجلون إلى المعارك كمن يريد تحطيم الصخور فيستخدم رؤوس أهله كأدوات لهذه الغاية .
أنت أو أنتم ضد المقاومة :
ليس مسموحا ً لك الآن في بلادنا أن تبدي تحفظا ً أونقدا لآليات المقاومة أوبرا مج أحزابها , أو مرجعياتها الفكرية, أو طموحاتها السلطوية أو التسلطية المعلنة حينا والمضمرة حينا آخر, وتوقيت وطبيعة معاركها, ودورانها في الأفلاك الإقليمية, وارتهانها للتناقضات العربية, وما فيها من صراعات وتجاذبات وصفقات ….الخ, فقد أدخل هذا الشكل الحصري من المقاومة في خانة المقدس تماما كأنظمة الحكم العربية, فأهل الحكم ومن معهم  يتهمونك باللا وطنية وربما بالعمالة, أما إذا كان من تحاوره من اتجاه المقاومة الإسلامية, فله حق الهي أن يصنفك في خانة الكفر بالله,والعمالة للصهاينة معا ً.فهل سيأتي يوم نخرج فيه من هذه الثنائيات الاطلاقية الضارة .؟ ومتى سنقبل الاختلاف بالرأي فيما بيننا حول كل قضايانا الوطنية والاجتماعية .
المقاومة مشروع الجميع :
ليس بالإمكان بكل تأكيد درء الخطر الصهيوني على بلداننا وشعوبنا بغير مقاومة, فمن شأن كل احتلال يقع على أي شعب من شعوب الدنيا ,أن تولد ضده مقاومة , لكن لا تختصر المقاومة ببندقية وصاروخ وانتحاري ملثم ,ولا يحتكر شرفها شخص أو حزب أودين أو منطقة , أعتقد أن الشعوب العربية ومجتمعاتها المدنية والدول العربية كمتضرر رئيس من الاحتلال ،معنيون بوضع الاستراتيجيات العامة والتصورات المتكاملة لأشكال وآليات ومواقيت وأماكن الصراع مع العدو, سواء في ساحات التقدم العلمي, وساحات التنمية البشرية المتكاملة, وساحات الدبلوماسية والسياسة والمفاوضات,و ساحات الحرب,ووضع التصورات للأسلوب الأكثر جدوى في كل مرحلة من مراحل الصراع المرير الطويل , والاستفادة من كل الدول والقوى الإقليمية والتيارات الفكرية والسياسية الإنسانية التي تتعارض مع وجود إسرائيل أو سياسات إسرائيل, دون أن نتحول نحن وقضيتنا العادلة إلى أوراق لعب على طاولة القمار المعقودة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين الأقوياء ,
ولقائل أن يعترض على رأيي هذا ويصحح لي قائلا ً: ممن تطلب هذه الخطة الإستراتيجية الفعالة في التنمية والسياسة والحرب و…؟ , أتطلب ذلك من مجتمعات متشظية طائفياً, وارتكبت حروبها الأهلية الطائفية,وهي مرشحة لحروب جديدة في أكثر بلدان العرب ,إن لم يكن كلها,حتى في فلسطين المحتلة ,حيث اقترفت حماس وفتح  جرائم العنف والذبح والاعتقال والتهجير,بصورة لا تقل فظاعة عن فظائع المحتلين الصهاينة , أم ترجو ذلك من حكومات عربية روعت شعوبها فلم تتورع  حتى عن قصف شعوبها بالدبابات والطيران دفاعا عن استئثارها في السلطة والثروة ,؟وهكذا نعود أدراجنا إلى الأسئلة البسيطة والبدا هات الأولى, ما الذي يجب أن نقاومه أولا ً ؟ تأخرنا وعصبياتنا وعنفنا الداخلي المتبادل, وطغيان حاكمنا على محكومينا ؟ أم نبدأ بتحرير فلسطين والجولان واسكندر ون وعر بستان وأبو موسى وطنب الصغرى والكبرى  ؟
أزعم أن المقاومة ا السياسية ,وتمثّل فكرة الدولة  وتجسيدها عبر نظم حكم رشيدة وديمقراطية تكون حاضنة للكل الاجتماعي ,فإننا سنتابع انحدارنا المتسارع في قيعان هزائمنا المركبة أمام الاستبداد والفقر والتذابح الداخلي والاحتلال الخارجي .
الأكثر أهمية لبلادنا هي الأولى هي مقاومة الاستبداد ونظم الحكم البطريركية والتعصب والجهل, وتدني الإنتاج والإنتاجية,و هدر ونضوب الموارد, وتهريب الثروات الوطنية, تلك المقاومة التي تتأسس على ثقافة التسامح والعدل وحقوق الإنسان (الرجل والمرأة) وإعلاء شأن العقل والتفكير العلمي والعمل, والوحدة الوطنية المرتكزة على علاقات المواطنة, وما يعززها من دساتير لا تميز بين المواطنين لا على أساس الدين أو الصفة الاثنية أو الاتجاه السياسي, وصولا إلى دولة المواطنة, الدولة الحديثة ,دولة المؤسسات , التي ترعى المباراة السياسية, وتسهر على سلمية تداول السلطة, وإنهاء طريقة الوصول إلى السلطة بالقوة العارية , حتى في فلسطين التي لم يحصل الفلسطينيون فيها على دولة أو سلطة مستقلة يشكل الصراع على السلطة سببا رئيسيا لتذابح الأخوة في فلسطين. لذلك أرى في السلاح الذي يشهره المقاتلون المؤمنون بعقيدة حزبية دينية وطائفية  مغلقة  خطورة كبيرة على سلمنا الأهلي, وعلى مفهوم وتجسد فكرة دولة المواطنة, لأنها تبرر لنفسها استخدام سلاحها ضد الداخل الوطني المختلف معها وعنها سياسيا ,بنفس القوة التي تبرر استخدامه ضد المحتل المعتدي ,ولم يعد الأمر مجرد رأي أو نبوءة ,بل أصبح وصفا لوقائع  مؤلمة ومخيفة مورست في بيروت وغزة.
كلما تقدمنا في مشروع بناء الدولة الديمقراطية الحديثة ,والمجتمع المدني المتسامح, وتحرير الإرادة السياسية لشعوبنا,كلما اقتربنا من هدف بناء الحياة الآمنة الكريمة لكل فرد ولكل مواطن,وهذا هدف بحد ذاته نبيل يستحق العمل والاجتهاد في سبيل تحقيقه, حتى لو لم يكن الاحتلال موجودا ,ولكن بوجود إسرائيل وغيرها من القوى التي تحتل أراضينا وتتعامل مع المنطقة العربية كساحة توسيع نفوذ وهيمنة , أصبحنا مدعوين أكثر وأكثر لنعد من أجل معركتي الحياة والتحرير كل ما تحتاجانه من قوة,أما القوى التي تعتقد أن أسلحتها البدائية المتواضعة,ومشروعها المذهبي الغيبي, وبإطار ميزان القوى الحالي بيننا وبين إسرائيل,يمكن أن تحقق النصر الحاسم على إسرائيل وأمريكا ,فهي في يقيني إما واهمة نائمة, وإما أنها تروج ذلك الوعي الزائف لغاية في نفس يعقوب الإقليمي أو سواه , الذي  له مقاصد وغايات ومصالح يخفيها وراء شعارات التحرير,
أعتقد أننا إذا لم نتقدم كشعوب, وأفراد, وأحزاب, ونقابات, لانجاز عصر أنوار عربي, وندخل مشروع النهضة من أبواب حقوق الإنسان والعقلانية والديمقراطية وتحرير المرأة وقيم الشغل, ونقد الخطاب الديني ونقض المنطق الطائفي, واصطفافاته.

الموقف الديمقراطي 111

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى