«نحنا والقمر جيران»
لم يعد القمر على الباب كما في أغنية فايزة أحمد، ولا أصبحنا نحن وهو «جيران» كما في رائعة فيروز، بل أصبح داخل البيت وبلمسة أو ضغطة زر، يأخذنا إلى مداره ويفتح لنا المجهول الغامض، الذي كان بعيداً على المشاهد العربي قبل دخول القمر للبيت.
قمر عربي وقمر غربي، قمر النايل، قمر العرب، قمر هوت…
تسميات مختلفة للأقمار والمدار واحد.
وبقياس نسبة المشاهدين القادرين على الذهاب إلى السينما ـ في حال وجودها ـ الى نسبة المشاهدين غير القادرين في العالم العربي، نجد أهمية وجود الأقمار التي تنقلنا من محطة فضائية الى أخرى. وأتاحت تلك الفضائيات فرصة متابعة أفلام آتية من لغات وثقافات مختلفة يشاهدها المواطن العربي في الوقت ذاته.
قنوات الأفلام الأجنبية مثلاً قد يصنفها بعضهم بأنها قنوات تجارية تروّج لقيم السوق والثقافة الأميركية، لكنها على رغم ذلك تبدو المتنفس الوحيد لمشاهد لا يملك شيئاً من ضرورات الثقافة. ولم تكن وسيلة مهمة مثل السينما، سلوكاً حياتياً يمارسه المواطن العربي، إذ لا يملك ما يكفي لمشاهدة أحدث الأفلام، هذا في أحسن الأحوال إن وجدت دور عرض سينمائية.
ولا يخفى أن ثمن تذكرة الدخول الى سينما من الدرجة الثانية تمثل عبئاً على المشاهد في بعض الدول العربية، كما أن نسبة محدودة فقط تستطيع الدخول الى الشبكة العنكبوتية لتحميل بعض الأفلام، ففي بعض الدول الانترنت مصادر بالرقابة، وامتلاك الكمبيوتر رفاهية لا يقدر عليها كثر.
ومن دون «القمر»، كيف كان سيتسنى لشريحة كبيرة من البشر متابعة فن السينما على رغم ما يمكن أن يقال عن التكرار والِقدم والملل، وعلى رغم الأفلام الرديئة والموجهة بما يكفي لخلق حالة فصام بين ما يعيشه المشاهد العادي وبين واقعه.
مع ذلك تبقى الحال أهون بكثير من بقاء المشاهد في العتمة والظلمة، غير مدرك ما يحدث حوله، فالسينما ليست قصصاً وحكايات فقط، إنها تعويد العين على جماليات معينة، وهي مصدر للمعرفة. فبعض الأفلام وخصوصاً ما تعرضه «ام بي سي أكشن» تقدم لنا معرفة حول صورتنا في مرآة الآخر، وكيف نتحول الى مثار هجوم متسلسل، عبر تحويل العربي والمسلم إلى ارهابي طريد، مطلوب لنجوم المسلسلات الأميركية تحت أسماء مختلفة مثل «أف بي آي» أو حتى الموساد!
لذلك على من يدعون الى اغلاق المحطات الناطقة باللغة الأجنبية أو حتى المترجمة، ومقاطعة بعض الأقمار، التفكير في حق المشاهد في أن يرى بعينه هو، من دون وصاية من أحد، ومن دون أن يكون هناك من يحدد له ما يراه وما لا يراه، فيكفينا محظورات وتعليمات. ثم يجب أن لا يدفعنا الخوف من هذه القفزة المعرفية العملاقة إلى التقوقع، والعيش في الهامش الآمن والكئيب من العالم.
لا شك في أن دخول القمر إلى البيت ثورة، مثل تلك التي حدثت عند اختراع الطباعة، وكل الثورات لها أرباحها وخسائرها.
انطلق القمر ليغير وجه العالم في كل الاتجاهات، وليس من الصواب أن نرد الباب
الحياة – 18/01/08