المعارضة السورية…بين المطرقة الإسلامية والخشب القومي
بشار السبيعي
ليس من الغريب اليوم أن تقف المعارضة السورية المشتتة في أيديولوجياتها وتياراتها مابين المطرقة الإسلامية والخشب القومي. فهي تشبه اليوم المسمار الذي يفصل الأثنين عن بعضهما، ويتلقى ضربات المطرقة على رأسه مرة بعد أخرى ليغوص في أعماق الخشب القومي العفن ليُثبت دعائم البيت القومجي-الإسلامي المبني على تُربة طينية مُشبعة بماء عكر تبتلع البيت قبل أن يتم بناء سطحه الدستوري، وجدرانه المدنية، وأبوابه المؤسساتية، و تمزق وحدته الوطنية.
هكذا تعيش المعارضة السورية اليوم عاجزة عن تبني أدنى مستويات الفكر التنويري الوطني الذي يخدم المواطن السوري ضمن حدود سوريا الجغرافية. والمساحات الخلافية بين أطرافها تتسع حسب المستجدات والأحداث الأقليمية الأخيرة وخاصة العدوان الإسرائيلي على القطاع، ويأتي دور الأخوان المسلمين في سوريا وموقفهم تجاه هذه الأحداث والنظام السوري ليفتح الأبواب واسعة للخلاف الفكري والأيديولوجي ويضرب رأس ذلك المسمار بقوة تدفعه نحو حتمه في الدخول ألى جسم الخشب القومي العفن ومن ثم أبتلاعه وأنهياره الكامل في تلك التربة الطينية.
البعض في جبهة الخلاص الوطني في سورية يعتقد مخطئاً أن الدعم الدولي للمعارضة السورية ليس له الأهمية في مشروع التغيير، وأن القوى الداخلية هي العامل الأساسي في هذه المعادلة. بالطبع لايمكننا إهمال أو تجاهل الحراك الشعبي الديمقراطي في أي مشروع تبديل أو تغيير حصل في بلدان العالم، ولكن لانستطيع أن نتجاهل الدور الأكبر في دعم الحركات الديمقراطية دولياً والأعتراف بها وبدون ذلك لايمكن لمعارضة على وجه الأرض من أن تحقق أهدافها. وأكبر مثال على ذلك هو الصراع الديبلوماسي التي شنته منظمة التحرير الفلسطينية عبر عقود من الزمن والذي أثمر في نهايته بالإعتراف الدولي عبر الأمم المتحدة بقضية الشعب الفلسطيني والمنظمة. لاأحد يستطيع أن ينفي دور الشعب في مشروع التغيير، ولكن المواجهة المباشرة في الداخل مع النظام لم تثمر شيئاً فعالاً حتى يومنا هذا، والدليل على ذلك أن أعضاء الأمانة العامة لإعلان دمشق يقبعون اليوم في سجون الطاغية الرشيد، وتتوافد الوفود الدولية واحدة تللو الأخرى للتفاوض مع النظام.
أقليمياً تشكو المعارضة السورية من مسألتين، الأولى تتجسد في محاربتها وعدم تبني أعضائها من الدول المجاورة خوفاً من ردة فعل النظام السوري على مصالح تلك البلدان، والثانية ترتكز على الخوف من أمتداد المشروع الديمقراطي المتبني من جميع أطراف المعارضة السورية ألى تلك البلدان. إذا فالمسألة محسومة بالنسبة لقيام أي معارضة ديمقراطية في المنطقة، وفقدان الدعم الأقليمي للحراك الديمقراطي في المنطقة ليس بالأمر الغريب، فنحن نعرف طبيعة الحكم لبلدان المنطقة، وأي مشروع ديمقراطي شعبي لن يلقى الدعم وحتى أنه سيحارب من بعض دول المنطقة كما حصل في العراق مع أن الحكم النهائي على ذلك المشروع الذي دفع ومازال يدفع الشعب العراقي وأبنائه ثمناً غالياً لتحقيقه لم تحسم نتائجه بعد. وأن أهدافه البعيدة المدى لايمكن أن تُقاس أو تُحسم بما يجري على الأرض اليوم لأن الحكم الديمقراطي ومقياسه مرتبط بمدى أستقرار تداول السلطة بين الأحزاب والأطراف السياسية سلمياً في بلدان العالم المتحضرة، ومدى أستمرارية هذا العمل عبرعقود من الزمن.
هنا لابد من الأشارة ألى الأعتقاد الخاطئ عند بعض الأعضاء في صفوف جبهة الخلاص الوطني في سوريا أن الشارع السوري هو شارع إسلامي عربي فقط ومناشدته وحثه على تبني مشروع التغيير المطروح في الجبهة عبر الخصوصية الإسلامية والعربية يأخذ الأولوية في سياق العمل الجبهوي. وكأن المواطن السوري قد فقد عقلانيته أو قدرته على رؤية الأمور على حقيقتها. صحيح أن الشارع السوري اليوم أصبح أكثر تديناً، ولكن ذلك لايعني أنه أكثر غباءاً أو سذاجاً. فسوريا التي تحتضن أكبر عدد من الأقليات الأثنية والعرقية والقومية والدينية في المنطقة أصبحت اليوم في نظر الجبهة مشروع عربي-أسلامي! مشروع التغيير الوطني في سوريا المطروح من جميع فصائل المعارضة السورية عليه أن يخاطب الداخل والخارج في نفس الوقت إنطلاقاً من المفاهيم الكونية في قضية تقرير المصير وتحرير الشعوب من الإستبدادية والشمولية أي كان مصدرها عقائدي أو عصبوي أو طائفي، وأي تشبث أو تمسك أو إصرار على أن يداعب هذا الخطاب مشاعر الجماهير العقائدية يتنافى مع مبادئ الحرية والديمقراطية في الفكر والعقيدة اللذان يشكلان حجر الأساس في مشروع التغيير الوطني.
وهناك بعض الأطراف القومية العربية في جبهة الخلاص التي تراهن مخطئة على التيارات الإسلامية و ترى أن التحالف معها هو الطريق الوحيد لكسب الجماهير وتحريكها في الداخل. وهي بذلك تضع نفسها في مكان السلطة والنظام السوري المتحالف مع القوى والتيارات الأسلامية في الداخل والخارج، المعتدلة منها والمتطرفة لخدمة مصالحه في البقاء على كرسي الحكم. وتصر بخطابها على الألتفاف بعباءة العروبة والإسلام ومعاداة الغرب وبذلك تعطي الإنطباع الخاطئ للمواطن السوري أن المعارضة السورية هي صورة مصغرة عن النظام المستبد الذي يدعي الممانعة والمقاومة والعروبة والإسلام ويقمع شعبه ويستبد به، فكيف لتلك الجماهير أن تحتضن معارضة لاتقدم لها بديل عما تسمعه؟
خلاصة الحديث أن على المعارضة السورية أن تبتعد عن الشعارات والخطابات الشعبوية التي تعتمد على إيقاظ المشاعر العقائدية والعصبوية وأن مشروع التغيير الديمقراطي الوطني في سوريا لن يرى الضوء حتى يتخلص من موروثات الخطاب القومجي-الإسلامي ويعتمد في محله خطاب المواطنة وحماية الفرد والإنسان من الإستبداد والظلم بدون تمييز لعرق أو جنس أو عقيدة أو هوية، وإن لم يفعل ذلك فستبقى المعارضة السورية كالمسمار بين المطرقة الإسلامية والخشب القومي.