منطق النظام ومنطق المعارضة
لا يبدو على النظام الحاكم في سورية أنه يدرك التعارض الكبير بين أن تكون يده ممدودة للعالم، وللأمريكيين خصوصاً، وألّا تكون هذه اليد إلاّ قبضة حديدية سلطانيّة مع شعبه ومواطنيه الذين تختلف رؤيتهم عنه، ويبغون تقدّم بلادهم وتحقيق الحريات الأساسية فيها، وتقليص الفارق بينهم وبين الأمم الأخرى!
ذلك لافت وفاقع اللون. وهو يشير إلى خلل في المنطق الذي يحكم النظامَ، ويحكم هو على أساسه. لكنه لا يرى هذه المفارقة، أو يتجاهلها ليحسب أنها اختفت وتلاشت.
فقد ظهرت مؤخراً مؤشّرات جديدة بعد تراجع في الحالة التي ابتدأت في العام المنصرم. بعضها يدلّ على احتمالات تحسّن في الأجواء العربية بعد قمة الكويت الأخيرة، لا يعرف أحد جديته وآفاقه بعد، أو هل ستنتج عنه نتائج إيجابية في القمة العربية المقبلة.
كما أن العرب بأطرافهم المختلفة، مالوا إلى هضم واستيعاب التغيّر في الإدارة الأمريكية مع مجيء باراك أوباما رئيساً ببرنامجه وأسلوبه المختلف المعتمد على الحوار في العلاقات الدولية بدلاً من سياسات الإملاء والفرض والإغواء والتآمر أو التغاضي. ويبدو أن النظام السوري مال إلى حسم أمره في تلبية هذا النداء، من دون الجزم بتاتاً بأنه تخلى عن تقديم مصالحه المجردة على المصالح الوطنية والقومية.
وهو لن يستطيع ذلك طالما بقي متمسّكاً بنظرته المتخلفة إلى قضية الحريات وحقوق الإنسان في بلده، وطالما بقي مصرّاً على التعبير مباشرةً عن حساسيته المفرطة من الموضوع أمام محاوريه. فهو يعلن دائماً أن كلّ شيء قابل للبحث والأخذ والعطاء، إلاّ هذه القضية التي يعتبر ميدانها حرزاً عزيزاً يملكه كحق مكتسب أو موروث، باسم عدم السماح بالتدخل “في الشؤون الداخلية”! وهو يفهم المعادلة هنا على عكس حقيقتها، فقوة أيّ حكومة في أيّ موقف تنبع من مستوى علاقتها مع شعبها واحترامها لحقوق مواطنيها، ولا تستطيع قوى الأرض تغيير هذه المعادلة، إلاّ بشكل عابر ومؤقت، كثيراً ما يرتدّ ضرراً بليغاً في النتيجة والمآل.
هذه المعادلة لا تنطبق على النظام وحده، بل على المعارضة أيضاً. فهي لا بدّ أن تدرك أن علاقتها مع شعبها أولاً هي الأساس في قدرتها على تحقيق برامجها، ثم في أن تستطيع الحفاظ على وحدتها بالطرق والأساليب المتباينة رغم الاختلاف أحياناً، وذلك أصعب ما يكون ويحمل أهمية استثنائية في الظروف الصعبة. فهذه الظروف تستطيع أن تنقل عوامل التفسخ والسطحية والتفرّد، ولا يمكن إلاّ للاعتصام بمركزية قضية الديمقراطية أن يقاوم هذه العوامل، من دون استخفافٍ بالاختلافات وضرورة معالجتها.
لقد كان انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق في سوريا في الأول من كانون الأول 2007 تجربة ناجحة إلى الحدّ الممكن الأقصى في اجتماع وائتلاف الديمقراطيين من مشارب شتّى على هدفً واضح يتفقون عليه ويعتبرونه- كلّهم- أساسياً، ولا يتعارض مع اختلافهم في غيره.
والآن، يجب أن تتقدّم أمام غيرها قضيةُ الإفراج عن المعتقلين السياسيين جميعا- ومنهم قيادات إعلان دمشق- مع الاجتماع على الحريات الأساسية وحقوق الإنسان كما تنصّ عليها الشرائع الدولية، وإلغاء حالة الطوارئ التي أصبحت دائمة تفصل بيننا وبين العصر، ووضع البلاد في المسار الديمقراطي، والدفاع عن حق المواطنين في المعيشة الكريمة.. وكلها مسائل ومطالب لا يختلف عليها أحد مع أحد، وهي روح وجوهر إعلان دمشق ومصدر قوته التي لا يمكن القضاء عليها أو تجاوزها.
فقد آن لليل الطويل أن ينجلي!
وآن لسوريا أن تعود إلى مسار التقدم و الحرية.. وطناً ومواطنين.
اعلان دمشق