قضية فلسطين

دمّروا تصحّوا

سعد محيو
تدمير وإفقار بلاشروط، ثم مساعدات وإعمار بكل الشروط.
هذه في الغالب هي المعادلة الجديدة التي فرضتها واشنطن وتل أبيب، ولاتزالان، على الشرق الأوسط الكبير. معادلة تستخدمان فيها القوة التدميرية الماحقة التي تسحق البشر بالملايين والحجر بتريليونات أطنان الأسمنت، ثم تدعوان إلى مؤتمرات “إنسانية” لإعادة البناء والإعمار.
هذا ما حدث في لبنان الذي حظي بباريس  1 وباريس  2 ولاحقاً باريس  ،3 لترميم ما دمرته الحروب “الإسرائيلية” منذ العام 1978 إلى 2006. وهذا ما جرى في العراق الذي عُقدت من أجله مؤتمرات عدة للدول المانحة بعد أن هدأ قليلاً غبار الغارات الجوية والبرية الأمريكية. وكذا الأمر في أفغانستان التي تشهد هي الأخرى مؤتمرات دعم وإعمار بين الفينة والأخرى في باريس وبقية العواصم الغربية.
والآن جاء دور غزة، التي عُقد “من أجلها” مؤتمر شرم الشيخ الفخم (45 دولة ومئات المؤسسات) والضخم (رصد 4،5 مليار دولار لإعادة الإعمار) والسريع (عُقد بعد فترة قصيرة من انتهاء العمليات “الإسرائيلية”).
لكن هذه المرة معادلة التدمير والإعمار كانت فاقعة الوضوح. إذ لولا الكلمة القصيرة التي أدلى بها الرئيس المصري مبارك، والتي ندد فيها بممارسات القوة “الإسرائيلية” المفرطة، لظن الكثيرون أن شمل الدول والمؤسسات المانحة التأم على عجل بسبب إعصار طبيعي ضرب غزة لا بسبب الإعصار العسكري الذي استهدف المدنيين الفلسطينيين لإعادة الاعتبار للردع العسكري “الإسرائيلي”.
ثم إن شروط هذا المؤتمر كانت واضحة أيضاً، وعبرت عنها هيلاري كلينتون بفصاحة حين شددت على أن أموال إعادة الإعمار يجب ألا تصل إلى يد السلطة الوطنية التي تديرها حماس في غزة، بل إلى السلطة الوطنية التي تُشرف عليها فتح في الضفة الغربية. أما إذا ما أرادت حماس الحصول على شروى نقير من هذه المساعدات، فعليها أولاً الاعتراف الصريح والواضح ب”إسرائيل”، والإقرار بأن المقاومة فعل عقيم بوصفها إرهاباً، وأن السلام لا طريق له سوى الاستسلام للشروط “الإسرائيلية”.
إذا لم تكن هذه الشروط هي المفاعيل السياسية للحرب العسكرية “الإسرائيلية”، فماذا تكون؟  وإذا لم يكن قيد وقف إطلاق النار “الدائم” الذي كُبلت به يدا القروض والمساعدات هو عملياً نفسه الهدف الأول من الحرب “الإسرائيلية” على غزة، فماذا يكون؟
لو أن العدالة الدولية التي بدأت محاكمها تنتشر كالفطر في أنحاء العالم، بما في ذلك النواحي العربية في لبنان والسودان، ظاهرة صحية حقاً وحقيقية حقاً، لتوجب أن يُعقد مؤتمر شرم الشيخ لمحاكمة “إسرائيل” على الجرائم التي ارتكبت ضد الأطفال والنساء والمدنيين والمدن في غزة، لا لمكافأتها بوضع شروط الجاني على المجني عليه.
ولو أن إدارة أوباما كانت تعني ما تقول حين أعلنت أنها ستضع حصان الدبلوماسية والحوار أمام عربة السياسة الأمريكية لا خلفها، لما كانت تزعمت الحملة لمحاولة خنق حماس بحبل المساعدات الدولية الحريري، ولما قررت مقاطعة مؤتمر ديربين 2 في سويسرا الذي يدقق بطبيعة الممارسات العنصرية “الإسرائيلية” ضد الفلسطينيين.
معادلة التدمير ثم إعادة الإعمار؟ هل نسينا شيئاً ما هنا؟
أجل. نسينا أن جيشاً جراراً من المقاولين والشركات الأمريكية والغربية الأخرى، كان يقف خارج أسوار شرم الشيخ بانتظار تساقط معظم رزم المساعدات المخصصة لفقراء الفلسطينيين في حضنها. هذا ما حدث من قبل في العراق وأفغانستان، وهذا هو (بالإضافة إلى الأهداف السياسية) الجوهر الحقيقي لمعادلة التدمير من أجل إعادة البناء.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى