قضية فلسطين

الفـخ الداخلـي

ساطع نور الدين
حتى الآن، كان لبنان محظوظا أكثر من قطاع غزة، الذي لا يزال مدمرا ينتظر أموال اعادة الاعمار، بينما دخلت عمليات اعادة البناء مراحلها النهائية في مختلف المناطق اللبنانية التي هدمها العدو الاسرائيلي قبل ثلاثة اعوام. السبب لا يعزى الى اهمية المسألة اللبنانية، ولا يكمن في تراجع القضية الفلسطينية. ثمة اختلاف في الظروف السياسية التي حكمت الحربين الاسرائيليتين، وفي نتائجهما. وهو يفرض دفع اللبنانيين والفلسطينيين في اتجاهين متعارضين، على الرغم من الشبه الظاهر في مرحلة ما بعد الحرب، في الحالتين اللتين تحاولان ايجاد سبل للتعايش بين الدولة ـ السلطة والمقاومة.
مؤتمر شرم الشيخ العربي والدولي الذي انعقد امس لاعمار غزة، يعيد الى الاذهان المؤتمرات التي انعقدت في اعقاب الحرب الاسرائيلية على لبنان وأسفرت عن تعهدات عربية ودولية بإعادة بناء ما دمره الاسرائيليون.. وكان هدفها الرئيسي، الذي حددته ضمنا ادارة الرئيس الاميركي السابق جورج بوش في اتصالاتها مع عدد من العواصم المعنية في ذلك الحين، هو الحؤول دون ان تحصل ايران على موطئ قدم اضافي في لبنان يعزز نفوذها وشعبيتها ويحرم واشنطن وتل ابيب من احد مكاسب تلك الحرب!
في شرم الشيخ لم تجتمع الدول السبعين فقط من اجل منع ايران من محاولة سد فراغ عربي او دولي في قطاع غزة. ولعل هذا الاحتمال لم يكن واردا ابدا في حسابات اي من المشاركين في ذلك المؤتمر، لان التجربة اللبنانية اثبتت ان طهران ليست بالسخاء الذي خشيه البعض او توقعه البعض الآخر، ولان الايرانيين انفسهم يواجهون ضغوطا هائلة على ميزانيتهم جراء انخفاض اسعار النفط وارتفاع التحديات الاقتصادية الداخلية.. فضلا عن الاسئلة الايرانية الدائمة حول جدوى التورط في مثل هذه المشكلات الاقليمية، في خلال البحث عن شروط الحوار المرتقب مع واشنطن!
في المؤتمرات والالتزامات التي اعقبت حرب لبنان، وصدر بعضها قبل اعلان وقف الاعمال الحربية، كان هناك سعي عربي ودولي الى محاصرة حزب الله، ليس فقط بإرسال الجيش اللبناني الى الجنوب، بل ايضا للتنافس معه على كسب ود الجمهور الشيعي الذي تلقى وعودا صريحة من قيادة الحزب بإعمار وتعويض ما تهدم.. وهي منافسة لم تحقق الكثير من المكتسبات، برغم ان الاموال التي جاءت من العرب كانت اكثر بكثير من الاموال التي صرفها او وضعها الحزب في التصرف.
وهو ما ينطبق على قطاع غزة، حيث لم تنفق حركة حماس على المنكوبين من ابنائه ما يؤهلها للدخول في هذا السباق المالي المستحيل حتى مع السلطة الفلسطينية نفسها التي كانت ولا تزال مصدر التمويل الاكبر والاهم للقطاع، وستبقى ايضا الممر الاجباري للاموال التي ستنفق على اعادة الاعمار.. تماما كما كانت الحال مع الحكومة اللبنانية التي ظل رئيسها يوقع شيكات التعويضات المالية للمتضررين حتى في عز الحصار على السرايا.
الاتجاه العام لمرحلة ما بعد الحربين هو نقل الصراع الى الداخل اللبناني والفلسطيني، مع الاخذ في الاعتبار الفارق الجوهري بين قوة حزب الله وقوة حركة حماس في بيئتيهما.. واستعدادهما للوقوع في ذلك الفخ، الذي ينصبه العالم كله.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى