صفحات العالم

ترتيب الملفات

سليمان تقي الدين
من المبكر الجزم بطبيعة السياسات التي ستعتمدها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط رغم تصريحات الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون وموفديه جورج ميتشل ودنيس روس. إن أولى الأولويات كما قال أوباما هي وقف التدهور الاقتصادي ومعالجة المشكلات المالية لكي تستعيد الولايات المتحدة هيبتها العالمية وقدرتها على المبادرة. لكن ثاني الأولويات هي وقف النزف العسكري والسياسي والأمريكي في محور أفغانستان باكستان وإليه أرسل المزيد من الجنود، ومن أجله ينخفض منسوب التوتر في العراق بالتفاهم مع إيران.
في هذه المرحلة الانتقالية الجميع يسعى إلى ترتيب وتحضير الملفات. “إسرائيل” تستعد لتشكيل حكومتها وبالتالي إدارتها السياسية لتحديد وجهة تعاطيها مع استحقاقات مهمة في اتجاهات ثلاثة:
التعاطي الأمريكي مع الملف الإيراني، والملف السوري، والقضية الفلسطينية، أما إيران فهي الآن تتهيّأ للانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران المقبل، مع شعور كبير بالزهو لقيادتها التفاوض الحار مع أمريكا والغرب عموماً حول ملفها النووي وضمناً حول نفوذها الإقليمي ونجاحها في استبعاد المواجهة العسكرية وخفض الطموحات الغربية في جعلها ترضخ للشروط.
أما سوريا فهي الطرف الذي يستقطب أوسع الاهتمامات بدعوتها عملياً للمشاركة في معالجة وحل مشكلات المنطقة.
ففي خلال سنوات ثلاث انتقلت سوريا من موقع الصراع على تقرير مصير نظامها ودورها الإقليمي إلى الإقرار بثبات النظام وفاعلية الدور. لقد ربحت سوريا ثلاث جولات مع أمريكا والغرب في العراق ولبنان وفلسطين، وهي الآن تستعيد موقعها المؤثر في النظام الرسمي العربي وشراكتها في معالجة قضاياه، لقد كان على سوريا مثلاً أن ترفع يدها عن لبنان وأن تسحب نفوذها وتوقف تدخلها، فإذا هي اليوم مطالبة بالتدخل الفعّال والتعاون مع فرنسا ومع المملكة العربية السعودية ومع الآخرين من أجل تأمين الاستقرار والأمن والمساعدة على إعادة بناء السلطة وتوازناتها.
إن دعوة الموفد الأمريكي جون كيري لسوريا لكي تنضم إلى الشراكة مع الولايات المتحدة في مقاربة الملفات الساخنة هو اعتراف صريح بفشل سياسة “الإملاءات” والضغوط السابقة.
لكن من دون شك تبقى هذه القضايا ثانوية إزاء المشكل الفلسطيني الذي يرتبك القرار الأمريكي تجاهه بين ضغوط العناصر الإقليمية المتزايدة لحله وبين التصور الأمريكي المحابي ل “إسرائيل” والمتساهل تجاه نظرتها الأكثر تطرفاً لهذا الحل. لقد تراجع الحديث الصريح والواضح عن مشروع الدولتين لصالح الحديث عن مرحلة انتقالية جديدة يكون فيها للحوار العربي الدور المباشر. لقد صرح بذلك إليوت ابرامز نائب مستشار الأمن القومي في مقال نشرته “هآرتس” معتبراً أن سياسة مبادلة الأرض بالسلام قد فشلت وأن القضية الفلسطينية هي على ارتباط وثيق مع جميع مشكلات المنطقة بما في ذلك إيران. فإذا كانت الإدارة الأمريكية هي التي ستلجأ إلى ربط الملفات في المنطقة وإدماج الموضوع الفلسطيني في نظرتها إلى النظام الإقليمي، فهي من يزيد تعقيد المشكلات وتجميع القوى في وجهها.
ولقد صار مفهوماً كيف أن الجهد الأمريكي المتواصل لبناء معسكر عربي تحت يافطة “الاعتدال” قد بدأ يتصدّع لأن مقومات هذا المعسكر تفترض أن لدى “إسرائيل” رغبة في حل سياسي مقبول للقضية الفلسطينية.
لكن حرب غزّة وصعود ثلاثي التطرف “الاسرائيلي” في الانتخابات لم يعزّز فقط حجة وموقف دول “الممانعة” بل أضاف إلى رصيدها انحيازاً تركياً يتذمر بشدة على السياسات الأمريكية التي تفتح أبواب الفوضى في المنطقة، وينضم إلى مجموعة الدول الفاعلة الداعية لبناء نظام عالمي جديد يقوم على تعدد الأقطاب ومراعاة المصالح القومية والإقليمية والشراكة سيّما بعد الازمة المالية العالمية المتفاقمة.
خلاصة القول أننا أمام مرحلة من إعادة ترتيب الأوراق والملفات قبل أن تحزم الإدارة الأمريكية رأيها وتبلور سياستها الخارجية تجاه جميع مشكلات المنطقة.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى