التمثيل السياسي النسوي
معتز حيسو
من البداهة بمكان القول أن التناقضات والإشكاليات التي تعاني منها المرأة عموماً، تحد من انفتاح آفاق التطور الاجتماعي، ذلك لانفتاح التناقضات التي تخضع لها المرأة على الحدود السياسية والثقافية والاقتصادية، مشكلةً ارتداداً نكوصياً، لتتشكل على أساسها راهنياً أشكالاً ثقافية لنمط ثقافي سائد، بأشكال جديدة تتلبس نسبياً ذات المضمون الثقافي الذي ما زال مسيطراً على أشكال التطور الثقافي والاجتماعي الراهن ومتحكماً به.
ومن البداهة أيضاً القول بأن مستويات وأشكال تحرر النساء تحديداً, وأفراد المجتمع بشكل عام يتحدد عليه وعلى أساسه مستوى وشكل التطور الاجتماعي. لذلك يمكننا القول بأن المجتمع الذي تكون فيه حريات الأفراد والمشاركة بالقضايا العامة/ الثقافية، السياسية، المدنية ../ مقيدة، يكون مجتمعاً عصياً عن التغيير والتطور بأشكال ديمقراطية سلمية، ليبقى بذلك المجتمع رهينة الخوف من الإنفجارات المجتمعية نتيجة لضغط الأزمة البنيوية، والأزمات الدورية المتعددة الأشكال والمستويات، التي من المرجح بأن لا يكون لها مخرجاً في المجتمعات المنغلقة ثقافياً وسياسياً، إلا عبر القوى الظلامية / السلفية / التي ترتد بالمجتمع إلى عصور الظلام.
إن من نافلة القول بأن النساء هن من يتحمّلن أعباء نتائج التخلف الاجتماعي /على أساس النوع الاجتماعي/ دون أن يعني هذا تجاهل الأزمات التي يعانيها الإنسان في ذات المجتمعات سواءً كان طفلاً أو رجلاّ ، مثقفاً أوجاهلاً، معارضاً أو مسالماً … لكن اللافت بأن المرأة المقموعة والمهدورة تمارس الظلم والقمع على قريناتها، و تساهم أيضاً في تكريس ظاهرة الخصاء عند أطفالها، وتربيهم على أساس الهيمنة الذكورية. مما يعني تكريس ذات النمط الثقافي المهيمن لكن بتجليات مختلفة. دون أن يعني هذا تعميم الحالة. لكن تبقى نسبة النساء اللاتي تحررن داخلياً وليس على المستوى الظاهري والشكلي محدودة، ولا تشكل ظاهرة عامة، ولا تتعدى كونها فقاعات اجتماعية طارئة سريعة الانفجار، ولكونها طارئة فإن تأثيرها هامشي ومحدود وسريع الزوال، مما يعني استمرار تخلف المرأة واستكانتها لواقعها الاجتماعي الراهن، وترك العمل لحل وتجاوز إشكالاتها التي تعاني منها للرجل، لكن من الهزل بمكان أن يكون الرجل يعاني ذات التناقضات، لنصل إلى تحديد على درجة من الأهمية، هو أن الإنسان غير الحر لا يمكن أن يعطي الحرية لغيره، لذلك فإن مدخل الخروج من الدوامة المغلقة يتحدد بداية بالعمل على نقد ونقض ذواتنا من الداخل،لإعادة بناء الذات الجوانية للفرد على أسس وقواعد ومفاهيم إنسانية جديدة متجاوزة لماضيها، مما يعني فتح نوافذ تفكيرنا على الآخرين، من أجل تجاوز الجمود والتحجر الداخلي القائم على رفض ونفي الآخر.
قد يتساءل البعض ما علاقة عرضنا بمشاركة النساء السياسية وتمثيلهم السياسي النسبي؟؟ هل تجاوز الإشكاليات التي تعاني منها النساء تحديداً مرهوناً بمشاركتها السياسية ؟؟؟ أين تكمن أهمية مشاركة النساء في العمل المدني بأشكاله النسوية تحديداً، والعامة، لنشر الثقافة المدنية والعلمانية ؟؟؟.
تقودنا هذه التساؤلات وغيرها للقول بأن التناقضات التي تعانيها النساء، لا يتوقف حلها حصراً على النساء ، ذلك بحكم الترابط الجدلي بين كافة التناقضات الاجتماعية التي يعود جذرها لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وتحديداً في المجتمعات المتخلفة التي ما زالت محكومة بالأعراف والتقاليد والمنظومات العقائدية الأصولية / السلفية. وما يؤكد قولنا،هو أن الكثير من الدول تحتوي نصوصها التشريعية على المواد القانونية التي تعترف وتقر بالمساواة أمام القانون والعدالة الاجتماعية … وهي متطورة عما يعتمل في الواقع الاجتماعي من تناقضات. ويمكن رد هذه الأشكال من التناقضات بين ما هو منصوص تشريعياً وبين ما هو سائد موضوعياً إلى التخلف الاجتماعي والثقافي، وعدم إدراك ومعرفة الفرد لحقوقه القانونية والدستورية، ويترابط هذا مع تناقض السلط السياسية بين ما تقره على مستوى التشريع، وبين ما تمارسه عيانياً. ليتعيّن ما نقدمه واقعياً من خلال سيادة وهيمنة التقاليد والأعراف الثقافية التي تكرس التناقضات الاجتماعية الراهنة. مما يعني ضرورة التأكيد على أهمية وضرورة تلاقح وتقاطع المشاركة السياسية النسوية مع النشاطات الثقافية والمدنية الهادفة لتكريس الوعي الثقافي المدني / العلماني، والذي يمكن أن يكون في بعض اللحظات سابقاً للمشاركة السياسي. لأن التمثيل السياسي المقتصر على المستوى الشكلاني لا يمكن أن يكون المدخل لتجاوز أسباب الأزمة. لذلك يجب التأكيد على أهمية وضرورة تطوير المستوى الثقافي ابتداءً بالأسرة, مروراً بأشكال العمل المدني ، وصولاً إلى المشاركة السياسية النسوية.
إن البحث في أهمية وضرورة المشاركة النسوية سياسياً تحيلنا إلى البحث في إشكالية أشكال التمثيل السياسي ومضامينه.ذلك لتحديد تناقض وعجز وقصور الممارسة السياسية الرسمية وغير الرسمية في المجتمعات المتخلفة تحديداً،والتي تنعكس بتجلياتها الموضوعية في أشكال الممارسة السياسية على التمثيل السياسي النسوي.
إن أول ما يتجلى في هذا السياق هو إن الهياكل والبنى السياسية الرسمية، لم تتجاوز في أشكال ممارستها السياسية الطابع الأحادي القائم على المحاصصة السياسية على أساس المكونات المجتمعية ما قبل الوطنية ،لتندرج مشاركة بعض القوى السياسية المتباينة نسبياً عن الحزب المهيمن،على صياغة القرار السياسي والاقتصادي في الإطار الهيكلي المذكور، بكونها أحد التلوينات السياسية التي تبرر استمرار الحزب المهيمن وفق تمظهرات ديمقراطية شكلانيه. إذ أن المناخ الطبيعي للممارسة السياسية يفترض أن يتحدد في قوننة الحياة السياسية، وإطلاق حرية الممارسة السياسية والمدنية والحقوقية بكونها التعبير الموضوعي عن التباينات والاختلافات التي تعتمل في المجتمع، لذلك فإن تغييب المناخ السياسي الديمقراطي، يبقي المجتمع وفعالياته كافة رهينة للأشكال التي تفرضها القوى السياسية المهيمنة. وأيضاً رهينة للقوى الظلامية التي تعمل على إرجاع الإنسان والمجتمع إلى أكثر الأشكال الاجتماعية تخلفاً، وفق آليات انقلابية عنفية تدميرية. ليغيّب في السياق السياسي القائم على الهيمنة الأحادية، القوى السياسية والمدنية العلمانية.
إن ما أوردناه من بسطٍ لأشكال الممارسة السياسية الرسمية، يوضح مدى تشويه الحياة السياسية تحديداً والاجتماعية عمومياً، والذي يمكن على أساسه أن نحدد إمكانيات وأشكال المشاركة السياسية النسوية في الدفاع عن الحقوق النسوية على المستوى القانوني والحقوقي والاجتماعي والثقافي، من خلال المشاركة في قضايا تشريع القوانين،والحد من تأثير القوى السلفية الظلامية على المرأة، وإدارة البلاد عبر المشاركة في وضع السياسات الداخلية و الخارجية … ويمكننا أن نجزم بأن المشاركة النسوية في هكذا بنى سياسية واجتماعية، تكون قاصرة إن لم تكن عاجزة، بفعل خضوعها إلى منظومات قيمية وعقائدية / سياسية احتوائية شمولية، دينية سلفية/،وأيضاً بفعل واقع المرأة الكياني / سياسياً، ثقافياً،اجتماعياً، بيولوجياً ./ في سياق تسليع المرأة وتحويلها إلى أداة سلعية للترويج التجاري، وإلى أداة للمتعة والإنجاب، لتبقى مشاركتها على المستوى السياسي الرسمي أحد التلوينات الزخرفية المتحددة على أساس المحاصصة والمحسوبيات.. و محكومة من منظور ذكوري مشرعن دستورياً، فقهياً، لذلك يمكننا طرح التساؤل التالي: إذا كانت مشاركة التشكيلات السياسية والمدنية … متحددة بأشكال ممارسة سياسية رسمية أحادية شمولية احتوائية، فما هو مدى فاعلية المشاركة النسوية النسبية .
لا يمكن أن نشكك بمدى أهمية وضرورة المشاركة السياسية النسوية، لكن يجب أن ترتبط بتحرر المرأة من قمقمها، وتجاوز الأطر والحواجز المعيقة لتطورها دون الفصل بينها وبين الرجل على أساس النوع، لكن اللافت بأن المشاركة النسوية، تتأطر وتتشكل وتتكون بكونها أحد أشكال وأدوات الممارسة السياسية الرسمية القائمة على الشكلانية الديمقراطية ، تحديداً في البلدان المتخلفة المحكومة حتى اللحظة بعقل قروسطي.
لذلك ومن هذه الزاوية، نرى ضرورة التركيز على أهمية الاشتغال الثقافي، المدني، الحقوقي،السياسي،في كافة المستويات الاجتماعية، لإنجاز التحرر الذاتي الداخلي للإنسان،والذي يتحدد على مستواه فاعلية المشاركة في القضايا العامة، وهذا المستوى يرتبط موضوعياً وبشكل ملموس بأشكال ومضامين السلط السياسية السائدة. بهذا المستوى يمكننا أن نحدّد بأن شكل ومستوى مشاركة المرأة سياسياً يتجلى بكونه نتاجاً لواقع اجتماعي وسياسي سائد، لذلك لن تكون المشاركة النسوية السياسية الرسمية، مع أهميتها تعبيراً عن الكتلة النسوية الإثنوغرافية وعن واقعها القائم على التناقضات الاجتماعية والثقافية والسياسية، لذلك نرى ضرورة توازي وتقاطع العمل على تفعيل المشاركة السياسية النسوية الرسمية، مع تفعيل مشاركة المرأة في الجمعيات والمؤسسات المدنية والأهلية وغير ذلك من أشكال العمل الميداني والتثقيفي والبحثي المستقل، ليصار إلى تمتين وتعميق وتوسيع الأشكال الثقافية المدنية، التي يمكن من خلالها التأسيس لإنسان حر و قادرة على المشاركة السياسية الفاعلة والمعبّرة عن مصالح القاع الاجتماعي، لتجاوز حالات الجمود والسكون السائدة انطلاقاً من القاع الاجتماعي.