صفحات الناس

عاش “الفايس بوك”تسقط الأحزاب

null


عاش “الفايس بوك”… تسقط الاحزاب. “خليك بالبيت” عبارة بسيطة – لا ندري اذا كان شباب “البلوغرز” اخذوا الاذن من السيدة فيروز قبل اطلاقها شعارا للعصيان المدني السلمي – لكن مفعولها كان كبيرا.

كانت ابلغ من العقائد والايديولوجيات واقدر على التماس مع اوجاع الناس من الخطب المنمقة والكلام الرنان.

كلمتان سهلتان ابقتا مئات الآلاف من المصريين في منازلهم تعبيرا عن رفضهم للحالة المعيشية الخانقة التي رمتهم اليها سياسات حكوماتهم فيما فشلت كل المطولات السياسية والبرامج الخالية من اي احساس ومضمون في فعل ذلك.

من زمان، منذ كانون الثاني (يناير) 1977 “ثورة الرغيف”، لم يقدر احد على تحريك المصريين… اخيرا تحركوا مرتين: مرة عندما انزلهم الفوز بالكأس الافريقية الى الشارع احساسا بشيء من الكرامة المسلوبة ولو كان التعويض غير متاح الا في كرة القدم، ومرة عندما ابقتهم العبارة السحرية في المنازل تعبيرا عن مذلة لقمة العيش وسخرة العمل المجاني، لان التظاهر في الميادين والساحات دونه 750 الف هراوة شرطي وبلطجي مرفوعة فوق الرؤوس.

كرة القدم و”الفايس بوك” اعادا الى المصريين بعض ما فقدوه، وفعلا ما عجزت الاحزاب عن فعله طويلا بعد طلاقها من ناسها وتقوقعها على نفسها وتحولها في داخلها صورة مسخ لصورة الحزب الحاكم حيث الزعيم زعيم من المهد الى اللحد، وابن الزعيم وريث ابيه في الزعامة معارضا كان ام مواليا، والديموقراطية اغنية تصدّر الى الخارج ويمنع تداولها في الداخل. ولعل أسوا ما اصاب اعلان “خليك بالبيت” الاحد الماضي محاولة بقايا الاحزاب المنقرضة ركوب موجته لعجز ما من ابتداع مثله. وربما كان التصدر المتأخر لديناصورات المعارضة لشاشات التلفزيون المرافقة للتحرك السبب وراء احجام اعداد كبيرة من المصريين عن تلبية الدعوة لان من جرب المجرب كان عقله مخربا.

الازمة الاقتصادية – الاجتماعية في مصر مثلها مثل الازمات المماثلة في المغرب والجزائر وسوريا والسودان واليمن. سياسات تركب على مقاس الزمر الحاكمة وشلة المنتفعين حولها، ولا ينجم عنها سوى اتساع الفوارق الطبقية فتزيد الاغنياء انتفاخا، وتزيد الفقراء فقرا وعددا، ويتعمق الفساد وتضيع المحاسبة. وتعيش الانظمة على اصطياد فرص الارتهان للخارج على امل اقتناص بعض الفئات على غرار ما حدث في مصر مطلع التسعينات عندما اصطفت خلف اميركا في “عاصفة الصحراء” لتحصد جوائز ترضية مثل الغاء الديون العسكرية، واعادة جدولة الديون الاخرى، وكسب بعض المساعدات العينية مما جعلها توفر بعض الفائض. غير ان هذا الفائض بدلا من ان يصرف على القطاعات المنتجة صرف على القطاع الاستهلاكي وأجهزة القمع الداخلي ليزيد التخلف تخلفا والتفاوت الطبقي تفاوتا وليجعل شعوبا برمتها رهينة اهواء بعض الفاسدين والمفسدين.

ومع ذلك يبقى الامر هينا امام غياب البدائل للاحزاب الحاكمة وسياسات الحكام المنفردين في ظل احزاب معارضة هتكها القمع الذاتي قبل ان تقمعها السلطات وتصادر روحها حتى تماهت الضحية مع جلادها وباتت وجهة نظر الآخر. وصار امل الناس بملء الفراغ معلقا على بصيص نور يأتي من نافذة “الفايس بوك” لعله يصيب في المرات المقبلة اذا لم يصب في المرة الاولى.

أمين قمورية


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى