صفحات الناس

يا للعار أُمُّنا.. بنتنا ..اختنا غشاشة.. خوّانة!

null


ميشال شماس

المكان: فضائية “غنوه ” للإنتاج الفني ..

المشهد الأول : عشر فتيات في حلقة نصف دائرية على المسرح، وفي الوسط منهن تقف فتاة دلوعة ..

الجميع على أهبة الاستعداد ..

يبدأ العزف .. يرتفع صوت الموسيقى ..

يظهر المطرب رويداً رويداً على المسرح.. وهو ينشد بصوته “الشجي”..(خوانة غشاشة بنت حوَّا غشاشة)..

الفتيات يبدأن بالدبكة وفي الوسط منهن ترقص فتاة دلوعة على أنغام تلك الأغنية وكلماتها..

تتعالى أصوات الشباب والرجال طرباً وفرحاً وهم يستمتعون بالفتيات “الغشاشات الخوَّانات” وهنَّ يرقصن ويهزَّن خصورهنَّ ويتمايلن بغنج زائد.. وهكذا حتى نهاية الأغنية.

ملحوظة: غابت هذه “التحفة الفنية الرائعة” عن جدول أعمال مجلس وزراء الإعلام العربي الذي اجتمع مؤخراً..!

المشهد الثاني: في الشوارع.. والحدائق والساحات، والمواقف ، أمام أبواب المدارس والجامعات ترى معظم الشباب وحتى الرجال المتزوجين يرمقون تلك الغشاشة والخوانة بنظراتهم المليئة بالشهوة، ويلاحقونها بكلماتهم التي تخدش حياء سامعيها، ثم بالإشارة والغمز واللمس، يلاحقونها من شارع إلى شارع، ومن حي إلى آخر،وبعض الرجال مستعدون للزحف على بطونهم إذا ما تبسمت لهم وطلبت منهم ذلك تلك الغشاشة الخوّانة..!!

وفي الباصات والسرافيس إذا ما جلست إحدى “الغشاشات الخوانات” على المقعد الذي يجلس فيه شاباً أو رجلاً فإنك سوف يقترب منها إلى حد الالتصاق بها وهي تحاول الابتعاد عنه، ثم قد يمد يده على فخذيها.. وويل لتلك التي تضعف وتصدق تلك الكلمات المعسولة وتقع في شباك أحدهم، فإنه سوف يلتهمها مثلما يلتهم “بيضة مسلوقة من غير ملح في مدى دقيقة ويرفع السروال” على حد قول شاعرنا الكبير الراحل نزار قباني.

وليس هذا فحسب، بل إنك تسمع عن رجال من أغنياء دول الخليج العربي يغزون أوروبا بحجة السياحة للركض وراء النساء الغشاشات الخوانات لإشباع شهواتهم الجنسية، وها هو نزار قباني قد صور ذلك في قصيدته “أبو جهل “: (هاهم بنو عبس على مداخل المترو يعبون كؤوس البيرة المبردة..وينهشون قطعة من نهد كل سيدة). بينما فقراء الخليج يأتون إلى دولنا الفقيرة لنفس الغاية والسبب، وكم من فتاة ذهبت ضحية أولئك الرجال الذين يأتون من دول الخليج يمضون أوقاتهم ويشبعون شهواتهم الجنسية تحت ستار زواج المتعة، ثم يشمعون الخيط ولا مين شاف ولا مين دري، إلا تلك الفتيات اللواتي خدعن، وبعضهن أنجبن أطفالاً ولا أحد يعترف ببنوتهم كما حصل في غير بلد عربي.. وقد أشارت إلى ذلك صحيفة الأخبار المصرية بتاريخ 16/10/2006( برزت في الآونة الأخيرة مشكلة زواج المصريات من أجانب بوصفها نتاج للتغير الاجتماعي والاقتصادي الذي مر به المجتمع المصري على مدى أكثر من خمسين عاما ، وهى في الوقت ذاته لا تتفق مع النظام القانوني الحاكم للجنسية المصرية ، الأمر الذي افرز العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية للعديد من الأسر المصرية خاصة الأمهات والأطفال. .. ومن المستحيل معرفة الرقم الصحيح لعدد المصريات المتزوجات من السعوديين ، خاصة وان غالبية هذه الزيجات تتم عبر الزواج العرفي، وبدون توثيق أو بورقه بين الزوجين، أو بشروط الزوجين لمدد معينة مقابل مبلغ من المال) كما أشارت إلى هذا الأمر صحيفة أخبار اليوم الجزائرية في عددها الصادر في 2/1/2008 (قد يثير الأمر استغراب الكثير من الجزائريين، ربما لأنهم لم يعتادوا على الاحتيال فيما يخص قضايا الزواج المختلط بين الجزائريات والأجانب، خاصة منهم العرب، الذين يتواجدون في الجزائر، حيث أن عددا لا بأس به من الجزائريات وقعن ضحية لهذا الزواج المختلط، وكن مجرد وسيلة لإثبات الإقامة في الجزائر) وفي تحقيق بعنوان “زواج سياحي يعقده خليجيون مع فتيات سوريات والنتيجة أطفال بلا هوية” نشر على “موقع أخبار سوريا” في 19/5/2006. جاء فيه 🙁 من خلال الحملة اكتشفنا أن أعداداً كبيرة من الفتيات الصغيرات في ريف دمشق يتزوجن من سائحين خليجيين زواج عرفي أو متعة لفترة محددة، لكن المشكلة أن الفتاة تكون بنهاية الموسم السياحي، في انتظار مولود مصيره غير معروف لأن والده أنهى “عطلته السياحية” والقانون السوري لا يسمح للأم بإكساب ولدها الجنسية السورية“.

وأكثر من ذلك تقوم عدد من المكاتب المتخصصة باستيراد الخادمات أو تصديرها من وإلى البلدان العربية، ثم ومن تحت هذا الستار يقومون بتشغيل أولئك الفتيات بالدعارة، وهذا ما تبين عندما تم الكشف مؤخراً في دمشق على شبكة تعمل بالدعارة، حيث اعترفت الفتيات الملقى القبض عليهن أنهن تم استقدامهن في البداية على أساس العمل في البيوت كخادمات..

ويا للغرابة فإن الكثير من الشباب الرجال – وتحت تأثير الفكر المتزمت والأصولي المهمين على الساحة – يقولون عن الفتاة إنها ضلع قاصر، ولكنهم لا يتورعون عن التودد إليها والتحدث إليها بمناسبة وبدون مناسبة ، ويقولون عنها إنها عورة يجب سترها، وهم لا يتورعون أيضاً عن هتك عورتها، يقولون إنها شيطان ينبغي التعوذ منه بالضرب والحجب، بينما هم مستعدون حتى للزحف على بطونهم من أجل نيل ابتسامتها ورضاها ..ويقولون إنها لا تؤتمن على شرف أو وطن بينما مستعدون لفعل أي شيء لها للحصول على قبلة منها .. ويقولون أيضاً وأيضاً أنهم يريدون أن يحموا المجتمع من ” فتنها” و ” شرورها”، بينما هم لا يتورعون عن اللحاق بها إلى أبعد مكان في هذه الدنيا للظفر برؤية فخذيها وما بينهما..أجل إنهم يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون.!!

هذه المرأة التي يصفونها بالخيانة والغش والكذب قد تكون اختنا أو أمنا أو زوجة أحدنا.. وهي التي تحمل في أحشاءها أولادنا ونأتمنها على تربيتهم ورعايتهم حتى يكبروا.. وهي التي قال عنها الشاعر حافظ إبراهيم:

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق

شئنا أم أبينا فإن تلك المرأة سواء كانت أمنا أو بنتنا أو أختنا.. فهي تشكل النصف الأخر من المجتمع. هذا المجتمع الذي لن يقوم ولن ينهض وسيبقى في غفوته ما دمنا نتغنى بأن نصفنا الأخر “خائناً وغشاشاً”، ونسعى إلى تعطيله وتهميشه، وهذا المجتمع لن يستطيع الوقوف على ساق واحدة ما لم ينهض على كلتا ساقيه الرجل والمرأة معاً، ولن يتحقق ذلك ما لم نعكف نحن الرجال بالتعاون والشراكة مع النساء على غربلة مورثاتنا الثقافية السلبية التي تقف ضد إنسانيتنا عموماً، ولن ينهار جدار الصمت الذي شيدناه بأيدينا، إلا بمزيد من الشجاعة والقدرة على مواجهة أخطائنا الكبيرة التي تراكمت منذ أمد بعيد، حتى نتمكن من غربلة ثقافتنا المليئة بالأخطاء، بما يمكننا من إلحاق الهزيمة بشيطان الفقر والجهل، وإضاءة الدرب لأجيالنا القادمة، حتى يكونوا أكثر قدرة على الغناء الأجمل والأرقى.

ــــــــــــــــــــــــــ

* محام من دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى