الناس والحمير بين راكبٍ ومركوب
بدرالدين حسن قربي
في جمهورية الخوف والرعب تنتشر مفاهيم ومصطلحات يراد لها أن تكون ماضية ومعتمدة رغم خطئها وبطلانها بل وضلالها على الغالب. فللناس والحمير الراكب منهم والمركوب يريدون لعربتهم أن تكون أمام الحمار، وللحمير أن تركب على الناس من أجل راحتها باعتبار أن الحمير أولاً، وللوطن والبلد أن تتبع مصلحة النظام الحاكم باعتبار أن النظام والحكومة أولاً.
خيار العقلاء والأشراف من الناس كما المواطنين المخلصين إذا جدّ الجدّ واحتدمت معركة الحق والحقيقة هو الوطن والأرض والعرض، لأنه الخيار الصحيح والشريف فالإنسان والوطن أولاً ولا شيء يعدلهما. أما الانحياز إلى لصوص الوطن وسرّاقه ومافياته فهو خيار من يعتقد أن النظام الحاكم وجوقته وشلته ومنتفعيه أولاً.
أبو إلياس مواطن شريف عمل فرّاشـاً ولفترةٍ طويلةٍ في مواضع شتى لعلها كانت في مجلس شعب أو مراكز قيادة محلية أو قطرية أو قومية أو غيرها من الوزارات وأجهزة النظام ومكاتب السلطة لست أدري. كل مانعرفه عن هالمواطن النظيف أنه تقاعد حاملاً خبرة أربعين عاماً من الجدّ والعمل، ثم سـجل بعدها مذكراته وهو بالكاد يفك الحرف من أخيه الحرف، فاختصرها بكلمات لطيفة وقالها ببراءة الرجل الكريم والمواطن الشريف على لسان المرحوم الزجّال اللبناني سلام الراسي:
محتاس بأمرو بوالياس، ليش الناس جناس جناس، في ناس بتركب ع جحاش ، وفي جحاش بتركب عالناس.
وبمناسبة الناس والحمير بين راكب ومركوب فقد حظرت سلطات مدينة بلاكبول الساحلية في إنجلترا منذ أيام على الأطفال البدناء ركوب الحمير والتجول بها على شواطئ المدينة التي تتميز بكثرة حميرها التي يقدر عددها بنحو 200 حمار. أما عن قانون الحمير الجديد بتحديد الحمولة فقد مُنع الأطفال الذين تتجاوز أوزانهم 50 كغ من امتطاء الحمير والتجول بها، كما حُدّد ألا تتجاوز ساعات عمل الحمار ستة أيام في الأسبوع في الفترة بين العاشرة صباحا والسابعة مساء متضمنةً أيضا ساعة راحة خلال اليوم لتناول وجبة الغداء ويوم عطلة أسبوعية علاوة على إجراء اختبارات صحية إلزامية قبل بدء موسم الصيف، وهم يريدون أيضاً تطبيق القانون وتعميمه في مدن انجليزية أخرى حتى لاتبقى حقوق الحمير سائبة وتصبح مثل حقوق الإنسان في دول أخرى فالتة.
وأما الأهم مما نقلناه عن القانون الحميري الانجليزي الجديد، فهو صاحبنا النكدي الذي يناكفنا على الدوام كالكثيرين غيره بأن كل حسنات الغربيين في مثل هذه الأمور أساسها وبداياتها من عندنا نحن أهل المكارم مذكّراً بأن الخليفة عمر بن الخطاب كان أول من حدد حمولةً لمثل هذه الحيوانات وعاقب المتجاوزين والمخالفين. وزاد في النكد بلّة حديثه عن تطبيقاتنا الحديثة ورحمتنا ومشاعرنا الإنسانية تجاه الحمير من خلال قصة الرجل البسيط الذي ركب القطار مع حماره، وعندما سأل (التذكرجي) عن الأجرة فأخبره أن الحمار بعشرة ليرات تكريماً للحمير وأما صاحبه فبعشرين، فترجّى (التذكرجي) أن يحسب الاثنين حميراً تضامناً مع حماره وامتناناً لتقدير الجهات الرسمية المسؤولة على مشاعرها الحميرية.
وعندما لاحظ صاحبي النكدي سكوتي تابع حديثه طولاً وعرضاً:
(شوف) القانون الحميري الانجليزي جاء متأخراً، وهو في حقيقته مع كل ماتتحدث عنه من عنايتهم بالحيوانات كلاباً وحميراً وبإعجاب دائم مجرد توهمات خادعة سطحية بعيدة عن أعماق القضية، وخالية من الحس الوطني في النظر لهكذا مسألة حميرية. يعني من دون (مؤاخذه)، الغرب عموماً والأوروبييون أناس يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن حقيقتها هم غافلون. فهم أمة مظاهر وكذب ودجل وتآمر وأفكار ضالّة ومضللة، فرحمتهم بالحيوانات حميراً وكلاباً وعنايتهم بها لاترقى إلى ماعندنا في جمهورية الخوف والهلع ولافخر. فالأمر عندنا ومنذ زمن تجاوز حدّ تكريمهم بتخفيض الأجرة إلى تعيينهم في أماكن مرموقة ومحترمة وقيادية في المجتمع تأكيداً على معاملة حميرية وكلابية مرهفة تجاوزت قوانين الغرب المتأخرة والتي صدرت منذ أيام في بعض بلديات انجلترا.
نحن ولافخر ونقولها بكل تواضع، بأننا نطمع ومن خلال خططٍ طموحة – لن يهدأ لنا بال حتى تحقيقها – أن نجعل من كل مواطن كلباً يلهث خلف لقمة العيش وطوابير الخبز تأكيداً على محبتنا للكلاب بوفائهم وإخلاصهم. نحن ولا فخر نواصل أيضاً وبجهود حثيثة خطط (الحَمْرَنة) للمراكز المتقدمة والقيادية في جمهورية الخوف والفزع الأكبر باعتبار أن الحمار عُرف بصبره وتحمله، وهو ماتحتاجه القيادات والجهات المسؤولة العليا في معاملة الناس وكثرة مطالبهم وغلاظاتهم.
قلت لصاحبي النكدي: إن كانت (الحمرنة) بالصبر والتحمل فمعروف للجميع من يصبر على مَنْ، ومن يتحمل من…!!
سمع الكلام خبيث يتنصت على حديثنا فهز رأسه طويلاً وهو يتلمظ شفتيه ثم قال:
المواطن – ياشباب – في جمهورية الخوف والقمع والفساد، وبالدليل القاطع والبرهان الساطع يتحمل الضرب والركل والتعذيب والإهانة والذل أكثر من الحمار ولو جادل المجادلون ومارى الممارون. ودليلي ماتحملتُ من ضرب وكهرباء وفلقات وعلقات وتعليقات ورفس وعفس وتجويع وشتم وسبّ مالا يتحمله حمار بالتأكيد.
قلت: ويْحَكُم، والحديث شجون..!! عرفنا حمار الحكيم والحمار الحكيم. ثم إننا نتفق ونختلف مع الغرب والشرق وفيما بيننا على كثير من مسائل الحياة والأولويات، ونزعم مانزعم من الرقي والإنسانية والتحضر على غيرنا، ولكن مما لاخلاف فيه أن في جمورية الخوف والصمت اهتماماً واضحاً وجلياً، وجهوداً دؤوبةً وحثيثةً لتعميم ثقافة (الكلْبَنَة) بين الناس والكلاب تابعاً ومتبوعاً، وثقافة (الحمرنة) بين الناس والحمير راكباً ومركوباً.
خاص – صفحات سورية –