صفحات الناس

المصريون يتجهون إلى معارضة النظام افتراضياً….

null


حزب الـ face book يقود الحراك في الشارع المصري

القاهرة ـ حمدي رزق

مزحة افتراضية تقول إن السلطات المصرية ستطلب من الانتربول ضبط واحضار الأميركي “زوكريبرغ” بتهمة الضلوع في تخطيط وتحريك وقيادة التظاهرات وأعمال العنف التي شهدتها مدينة المحلة بوسط الدلتا يوم 6 نيسان ـ أبريل والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بالعشرات من المتظاهرين ورجال الأمن في اول تظاهرات منذ كانون الثاني ـ يناير 1977 الشهيرة والمعروفة اعلامياً بانتفاضة الخبز.

الـ face book وصاحبه “زوكريبرغ” هو المتهم الأول الافتراضى في تلك الأحداث الواقعية التي نقلت بالصوت والصورة إلى نحو 180 الف شاب مصري رابضين على الـ face book في انتظار نتائج اول عمل تحريضي واقعي يتم تحريكه من عالم الـ face book الافتراضي.

لو كان الـ face book مجرد موقع إلكتروني رائج أو حتى شديد الرواج، لما استوقف أحداً في مصر. ولو كان كذلك لما صار أداة اتصال ( تماماً كالهاتف الجوال) في السنة الأخيرة. إنه، بإختصار، يمثل نظرية يطلق عليها في الغرب الآن العالم الافتراضي، والاصطلاح الصعب ننقلة نصاً من تصريحات للمدعو (زوكريبرغ)، صاحب الـ face book ومؤسسه، والذي باتت كبريات الشركات العالمية في حقل الحاسوب والإنترنت تطارده لتشترى منه الموقع و”تتقي شره”، لكن (زوكريبرغ)، وهو لمن لا يعلم يبلغ من العمر 19 سنة فقط!، رفض عروض بيل غيتس (مايكروسوفت) والياهو، والتي بلغت المليار دولار أواخر السنة الماضية!ولم يكن زوكريبرغ ليفعل ذلك لولا يقينه بأنه سيحصد قدر هذا المبلغ، أضعافاً، إذا لم يبع الموقع، وها هو توقعه يتحقق!

الـ face book، شغف به المصريون، وهم ـ أصلاً ـ شغوفون تماماً بالإنترنت، صار سلواهم، يرحبون منه بكل جديد. وإذا كان المصريون حققوا رقماً قياسياً في استخدام برنامج الـ”يوتيوب” لمشاهدة الميديا “أشرطة سينمائية وأغنيات وكل مواد الميديا المشروعة وغير المشروعة” على الإنترنت، فإنهم ضربوا ولا شك رقماً قياسياً أكبر في عالم الـ face book…صحيفة “لوس أنجليس تايمز” ذكرت قبل شهرين أن مصر هي الأولى في الشرق الأوسط إستخداماً لموقع الـ face book، حيث يضم موقعها 180 ألف مشترك (من المؤكد أنهم صاروا أكثر مع كتابة هذه السطور، فما من يوم يمضي إلا ويشهد انضمام المئات من المصريين للموقع السحري)، فيما يضم موقع لبنان 125 ألف شخص، ويضم موقع إسرائيل 90 ألفاً.

لم يكن صادماً ولا مفاجئاً اكتشاف صفحة مصرية على الـface book تدعو إلى مقاطعة اللحوم والدواجن طوال شهر أيار ـ مايو القادم، دعا صاحبها إلى ذلك وترك فكرته تتفاعل.، وهكذا هي الأفكار على الـ face book، اقتراح ينطلق وتعقبه مئات التعليقات من زوار صفحة صاحب الاقتراح، وربما يتحول هذا الاقتراح إلى دعوة عامة أو قضية رأي شعبي أو حملة كاملة ضد الشيء أو معه!

وراء دعوة مقاطعة اللحوم والدواجن رأي لا يخلو من وجاهة، كونهما سلعتين تشهدان ارتفاعاً متزايداً في أسعارهما خلال العامين الأخيرين فاق كل ما كان متوقعاً لهما من الغلاء.. وانقسم زوار الـ face book تجاه هذه الدعوة بين التأييد المطلق والرفض المطلق والمواقف الوسطية!

ولا يجب أخذ مثل هذه الدعوة على محمل المزاح.. فأي اقتراح مجتمعي عام ينطلق من زوار وأصحاب صفحات الـ face book يجب أن يؤخذ على محمل الجد… الدولة تنظر إليه بجدية، المثقفون يهتمون تماماً، والمتابعون للإنترنت ينخرطون بحماس!

ولعل الدعوة إلى إضراب 6 نيسان ـ أبريل الأسبوع الماضي هي خير شاهد على تلك الحالة النادرة من الإجماع على الـ facebook . فالدعوة للإضراب انطلقت بالأساس من هذا الموقع، وعدد المنخرطين في الإضراب كان من الممكن إحصاؤه من خلال التعليقات المتروكة على الإضراب واقتراحه في الموقع، بل إن الانقسام الشديد حول الإضراب بين مؤيد ومعارض وصامت ومتحفظ وموافق بشروط ورافض بأسباب، كان يمكن لمن يتأمل موقع face book أن يُلاحَظ قبل الإضراب، لكن الصحف والمراقبين لم يلحظوه إلا في يوم الإضراب ذاته، مع أن بوادر الانقسام ـ التي حجّمت أثار الإضراب ـ كانت بادية على صفحات الـ face book!

الصفحات المصرية على الموقع ليست كلها إضرابات ومقاطعات، ليست كلها صفحات سياسية، هناك صفحات خاصة بنجوم وفنانين وإعلاميين مصريين وحوالي 500 جماعة مدنية، بينها جماعات للدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، ومجموعة تطلق على نفسها (محبي مصر زمان) تعيش على ذكريات (عصر الأبيض والأسود) من دون أيديولوجيا محددة سوى الحنين إلى الماضي! ومجموعة من العائلة المالكة قبل ثورة 23 تموزـ يوليو 1952 تدعو لعودة المالكية، وتنشر صوراً وأخباراً عن أسرة محمد علي والباقين منها..!

وهذه الصفحات تستقطب اهتمام ملايين الزوار العرب للتعليق على محتواها وترك ردود وتعقيبات على الأفكار الواردة بها (كل مستخدمي الفيس بوك من مصر والعالم العربي يبلغون 880 ألف مستخدم)، وهي نسبة ضئيلة ـ عالمياً ـ إذا عرفنا أن الموقع استقطب 60 مليوناً من الأعضاء بنهاية العام 2007، في ثلاث سنوات فقط من إنشائه!

لو كان الـ face book مجرد موقع إلكتروني رائج أو حتى شديد الرواج، لما استوقف أحداً في مصر، ولو كان كذلك لما صار أداة اتصال ـ تماماً كالهاتف الجوال ـ في السنة الأخيرة، إنه ـ بإختصار ـ يمثل نظرية يطلق عليها في الغرب الآن العالم الافتراضي، والاصطلاح الصعب ننقلة نصاً من تصريحات للمدعو (زوكريبرغ)، صاحب الـ face book ومؤسسه، والذي باتت كبريات الشركات العالمية في حقل الحاسوب والإنترنت تطارده لتشترى منه الموقع و (تتّقي شره)، لكن (زوكريبرغ) ـ وهو لمن لا يعلم يبلغ من العمر 19 سنة فقط! ـ رفض عروض بيل غيتس (مايكروسوفت) والياهو، والتي بلغت المليار دولار أواخر السنة الماضية!ولم يكن زوكريبرغ ليفعل ذلك لولا يقينه بأنه سيحصد قدر هذا المبلغ أضعافاً، إذا لم يبع الموقع، وها هو توقعه يتحقق!

وإذا كانت الحكومات في كل العالم قد تمكنت من ملاحقة المدونين (bloggers) وصفحاتهم على الإنترنت، فإن الـ face book لم يشهد هجمات مضادة إلى الآن (لكنه، يقيناً، سيشهد، لأنه ليس عصياً على المراقبة، وإلا لما كانت الحكومة الإيرانية استطاعت حجبه!).. هذه الحرية، التي لم تمس إلى الآن، حولت الموقع إلى إدمان اليكتروني شعبي مصري لا يمكن إنكاره أو تجاهله.. تلبست أدمغة قطاع من الشباب المصري كجزء من ظاهرة الـ face book العالمية.. الموقع أقحم هؤلاء الشباب في شبكة علاقات لا نهائية ـ ومتعددة التصنيفات! ـ مع الدنيا بأسرها..(ألم يؤكد زوكريبرغ قبل شهور أن كل الجنس البشرى سينضم إلى موقعه بحلول العام 2012 ؟).

على الـ face book يخلع الكل أقنعتهم. المصريون يجدون أنفسهم منطلقين طبيعيين مختصرين ومباشرين وهم جلوس إلى الـ book face، ويحطمون كل القيود، وكل التقاليد القديمة.

لذلك فإن المصريين الذين وقعوا في هوى الحرية على الشبكة العنكبوتية لا يلقون السمع لمن يكلمهم عن أن هذا الموقع لا يعدو كونه من أنشطة الاستخبارات المركزية الأميركية ـ كما يردد البعض! ـ أو لمن يقول لهم انه ممثل للغزو الثقافي أو (الحملات الصليبية)، المصريون على الـ face book يمثلون مشهداً فريداً لم يمثلوه منذ عقود، مشهد خالٍ من العقد.. والتنظير.. والمؤامرات!

اتسع خيال المصريين على الـ face book وتحرروا من عقدهم المختلفة، لدرجة انهم أجروا انتخابات الرئاسة القادمة في العام 2011 تحت عنوان (انتخابات حره)، وجعلوا التنافس فيها بين جمال مبارك وعمرو موسى، وحصل جمال على المركز الأول من بين 12 ألفاً قاموا بالتصويت، بفارق ضئيل عن موسى!

كل القضايا السياسية والاجتماعية على الساحة المصرية مطروحة على الـ face book، من انتخابات 2011 إلى البرلمان إلى الإضراب، وكذا القضايا الاجتماعية التي تشغل خاطر المصريين، خذ عندك مثلا مجموعة “إبدأ بنفسك والناس هتمشي وراك” التي تدعو إلى الاهتمام بالبيئة وتغييرها إلى الأفضل، ويقول أعضاء هذه المجموعة المصرية أنهم تجاوزوا مرحلة توزيع الملصقات الإرشادية، وسينزلون إلى الشوارع المصرية ويقومون بتجميل بعض أحياء العاصمة!

وهذه القضايا تطرح إلى جانب قضايا كبيرة على الـ face book ، مثل مناهضة السياسات الأميركية في المنطقة العربية، والدعوة إلى مقاومة إسرائيل، أو متابعة ما يجرى في العراق، أو الملف اللبناني أو قضية دارفور، وكذلك السياسات الاقتصادية وتداعياتها في مصر خلال الشهور الأخيرة!

هنا ينبغي ان نسوق ملاحظة لها أهميتها، وهي أن الأغلبية الساحقة للمصريين على الـ face book ، هم من الشباب تحت 30 سنة، ويمكن معرفة ذلك بسهولة، لأن الموقع صار يتيح بيانات مؤسسي الصفحات ولا يحجبها (لذا يقال إن الموقع هو أضخم سجل للبيانات الشخصية عرفته البشرية إلى اليوم ومن جميع الأجناس.

ومن هنا يطرح السؤال نفسه: أين تلك الحيوية التي يبديها الشباب على الـ face book من الأحزاب السياسية التقليدية في مصر سواء “الوطني” الحاكم أو الأحزاب المعارضة؟ لذلك أخذ البعض يردد ان الموقع صار يعتبر الحزب السياسي الأكثر فاعلية في مصر الآن!

غير ان هذه المقولة، تنطوي على شيء من المبالغة، أو لنقل إنه شيء من التقليل من شأن الأحزاب المصرية، وهو التقليل الذي دأب عليه المثقفون وقطاع من السياسيين في مصر خلال العقدين الماضيين!

ففي مصر أكثر من 20 حزباً تمثل كل التيارات السياسية المصرية بصورة شرعية، وثمة منظمات للمجتمع المدني وأخرى تمثل “النوادي الاجتماعية” النشطة كالليونز والروتاري والإنرويل، وهذه الأحزاب والتجمعات والمنظمات تمثل المنتديات الطبيعية والشرعية للممارسة السياسية، ويسيطر على أغلبها رجال تخطّوا الستين من العمر.. ليس فقط على رئاسة الأحزاب ولكن على أماناتها ولجانها المختلفة، ويسيطر على بعضها جمود تام.. إذ تدعو للديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، فيما لا تمارس ـ هي ـ أية انتخابات داخلية لانتقاء قيادتها وتجديد دمائها!

ومن نواحي الجمود الأخرى في هذه الأحزاب عجزها عن إحلال التغير الحاصل في الذهنية المصرية، ولا يزال كثير من هذه الأحزاب يترجم السياسة فقط بوصفها (لعبة انتخابات) “وغالب ومغلوب” من دون وجه أخر، ويترجم الاقتصاد إلى نظريات وشعارات وخطط لا يرى أغلبها النور في الشوارع والحارات المصرية..!

الـ face book، احتوى تغيير أفكار الشباب ورغبتهم في المشاركة، وفتح لهم أفقاً رحيباً لكي يقولوا ما يحلو لهم وبالصيغة التي توافق أمزجتهم، ومن دون إعداد مسبق، وأتاح لهم التواصل مع شباب مثلهم حول العالم كله.. بمعنى أصح، أتاح لهم أن يعيشوا في “العالم الافتراضي” الذي تكلم عنه زوكريبرغ، يستطيعون إجراء إنتخابات وتأسيس برلمانات والدعوة إلى حركات وحملات، ورفع شعارات.. وإسقاط شعارات، يستطيعون التعبير عن أدق الأمور وأخطرها وكذلك أقلها أهميه وأكثرها سطحية من “البنطلون الساقط” إلى معاداة جورج دبليو بوش، ومن الحديث عن الإرهاب إلى الحديث عن المرأة الأكثر إثارة في العالم العربي!

لا يمكن ـ إذن ـ أن تتحول السياسة عموماً إلى هذا العالم الافتراضي، لأن الفكرة السياسية ـ أصلاً ـ فكرة واقعية، والواقع في مصر صارم، يحتاج إلى خيال لتحسينه وافتراضات لتقويمه، ولا يحتاج إلى سابحين في وهم “العالم الافتراضي“!

برغم ذلك، يبقى الـ face book حزباً لأغلبية صامته عازفة عن المشاركة الواقعية ويبقى متنفساً لآلاف الأفكار المصرية، ويمكن أن يكون مرصداً هاماً لما يطرأ على الرأي العام المصري من متغيرات، ويمكن كذلك أن يكون مرجعية للأحزاب المصرية تستمد منه أفكاراً مبتكرة وتستشعر منه نبض الناس، وربما تسترد من خلاله حيويتها المفقودة!

المستقبل – الاحد 13 نيسان 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى