صفحات الحوار

حوار مع المفكّر والصحافي حازم صاغيّة عن الحريّات، الإصلاح الديني، والمصالحة مع ثقافة الغرب

null
أجرى الحوار جهاد صالح من واشنطن

يقول حازم صاغيّة:” إن الأنظمة الديكتاتورية والتوتاليتارية تستطيع في آن واحد أن تفسد الماضي والحاضر والمستقبل: الماضي بأن تزوّر كتابته، والحاضر بإخضاعه للفقر والقهر، والمستقبل بجعله رهن التهديد بالحرب الأهلية والفوضى الشاملة التي تصير هي، لا الديمقراطية، بديلا لسلطة الاستبداد العسكري والفئوي”.

وفي مأزق المواطن الفرد في الشرق الأوسط يقول صاغيّة”: إن الفرد في منطقة الشرق الأوسط لم يحقق فردانيته بعد، ومازال خاضعا للجماعة بتشكيلاتها المختلفة ( العائلة ، العصبة ، القبيلة ، الحزب  ،الدولة ،  الوطن ..)، وأن هذه التشكيلات لا تزال لها الريادة في مقابل الفرد، فإذا تعارضت مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة ، فإن الثقافة الشرق أوسطية وكذا سائر الثقافات الشرقية لاتحتاج إلى كثير وقت لتحسم النزاع لصالح الجماعة وتقمع الفرد”.

هذا هو حازم صاغيّة الكاتب والمحلل السياسي والصحافي الباشق، شخصية فكرية وثقافية فاعلة داخل المحيط العربي والشرق أوسطي، ومن أبرز العقول الليبرالية التنويرية، حيث تمتاز كتاباته وأفكاره بالتأصّل في الوعي نحو ثقافة النقد والشفافية حول كل المشاكل والقضايا التي تتمحور في الفرد والدولة داخل المجتمعات الشرقية بمختلف انتماءاتها وهوياتها، وكذا الدفع باتجاه إنهاء كل أشكال العنف والقمع والثقافات المضللة والتدجينية  المتنافية مع مبادئ حقوق الإنسان والحريات.

دعوته الجريئة إلى الإستفادة من الفكر الغربي الحضاري والديمقراطي، لأجل دمقرطة الأوطان انطلاقا من بيروت ودمشق وسائر عواصم الشرق، خلقت أمامه وضده عقول همجية حاولت تصنيفه وفق تظريات التآمر والتخوين الشائعة في ثقافة الشرق االتي ترفض حرية التعبير والنقد.

منذ طفولته تكوّرت لديه نوستالجيا حماسية وذاتية واندفاع إلى ممارسة السياسة، وانفعالات إيقاعية مبكرة دفعته في سن السابعة  لكتابة رسالة إلى الزعيم جمال عبدالناصر، وتلقيه ردا بصيغة جماعية موحدة ، وعلق تلك الرسالة على جدار غرفته ومن ثم مزقها حين نشوب الخلاف (الناصري ـ البعثي ).
ذلك الطفل الحماسي لممارسة السياسة تحوّل إلى مفكر ليبرالي ثرّ العطاء في مسألة التأليف والنشر والكتابة الصحافية،  ليصبح من أبرز رواد الفكر التنويري والتغييري والإرتقاء بالفرد والمجتمع نحو  المساواة والتعددية والديمقراطية.

أردنا أن نتوقف معه في محطة حوارية مقتضبة ليضيء النقاش والصفحات ببعض من مبادئه وفكره الإنساني :
–  أول الكلام  كتب حازم صاغيّة عن واقع الشرق الأوسط كثيرا، وجرده من الشوائب ليكون لوحة شفافة أمام الحكومات والشعوب. هل يمكن للكلمة والحبر وقول الحقيقة بصراحة أن تكون نورا وأملا بالحرية والتغيير، أمام أصنام وآلهة تحكم بالحديد والنار،وشعوب تلوذ بنفسها إلى الصمت والدين كخيار حتمي؟

لم أفعل شيئاً سوى أني لاحظت وكتبت ما لاحظته. الكلمة، بالمناسبة، تفعل في اتّجاهين، إذ الدينيّون والفاشيّون وسواهم يعتمدونها مثلما يعتمدها التقدّميّون والليبراليّون. لهذا من الطبيعيّ أن تشهد منطقتنا، في هذه المرحلة، صراعاً في الأفكار، كلّ ما يأمله المرء هو أن يُرفَع عنه القمع الرسميّ والمجتمعيّ، وألاّ يسفّ ديماغوجيّاً أو شعبويّاً أو فضائحيّاً. وللأسف، فالأمران حاصلان راهناً بكثرة وإفراط. ويبقى، في النهاية، أن للأفكار دورها في عمليّات التغيير. وبسبب تعقيدات مجتمعاتنا في الشرق الأوسط، ينبغي أن تكون أفكارنا على شيء من التعقيد الذي ينأى بها عن تبسيطيّة رائجة جدّاً.

ـ لبنان نافذة الحريات في العالم العربي، ما زال الجرح ينزف أمام قهقهة العمامة وثقافة ولاية الفقيه المستوردة والمصدّرة، ودولة المؤسسات باتت ملعبا لسياسات العصا والجزرة. لماذا هذه الرهبة من لبنان الوطن الديمقراطي ؟
أعتقد أن تعدّديّة لبنان وانفتاحه على الغرب مكروهان في المنطقة. فالحكّام يخافون تأثيرات هذه التركيبة، فيما الثقافات الشعبيّة (المتشكّلة من خلائط دينيّة وعصبيّة وقوميّة عربيّة وإشتراكيّة ستالينيّة) لا يستهويها ذاك النموذج. فالسائد في وعينا حبّ الكيانات الضخمة التي تملك جيوشاً جرّارة وتطرح على نفسها مهمّات مصيريّة، فيما يتحكّم بها مستبدّ يصير معبود الجماهير. هذا ما لا يمكن أن يكونه لبنان بحكم طبيعته.
ـ إن حلّ أزمة الشرق هي ضمن اعادة انتاج ثقافة جديدة ومغايرة لثقافات التدجين والترويض البوليسية، والوعي بديناميكية المواطن الفاعل والمؤثر، وهذا هو بداية بناء الدولة الحقيقية؟ كيف ترى ذلك؟

لا شكّ أن أيّة مهمّة يتأدّى عنها نهوض وطنيّ ومجتمعيّ في أيّ من بلداننا، مدعوّة لحلّ مسألة إنطاق “المواطن” وديناميكيّته. وهذا معناه، أوّلاً، اعتبار الفرد وحدة مستقلّة بذاتها، لا ملحقاً بأيّ من التشكيلات الجمعيّة الدينيّة والقبَليّة والوطنيّة. ثمّ لا بدّ من جعل “الوطن”، على المستوى السياسيّ، يحلّ محلّ الروابط الأخرى، أكانت فعليّة كالدين والعشيرة والقبيلة، أو إيديولوجيّة كـ”الأمّة العربيّة” و”الأمّة الإسلاميّة” وغيرهما. فمن دون وطن لا يوجد مواطن فرد تماماً كما أن الحؤول دون ظهور المواطنين الأفراد يحول،
في ما أظنّ، دون ظهور الوطن.

ـ أصوات تنادي بتجديد الخطاب الديني، وتنظيف المجتمع الإسلامي  عبر ما يسمى ب( الإسلام المعاصر)، وحوار الأديان، ما فتواك المدنية والثقافية والإنسانية لأجل عالم بلا تزمت وبلا تكفير، وترسيخا لمبدأ فصل الدين عن الدولة ؟

من أنا لكي تكون لي “فتوى” في هذه المسائل التي تزن بالأطنان. كلّ ما أعرفه أنه لا بدّ من إصلاح دينيّ في الإسلام مشابه للإصلاح الدينيّ الذي نزل بالمسيحيّة. لكنّ حصول ذلك،  في رأيي، مشروط بزوال النظرة إلى الغرب كخصم جوهريّ يحاصرنا ويتآمر علينا، لأن المهجوس بالحصار ميّال إلى التمسّك بكل ما لديه وليس إلى تغييره.

–  أمريكا بقيادة الرئيس\ أوباما\ الغارق في الأزمة الإقتصادية، وقضايا الشرق الأوسط المعقّدة ( العراق – فلسطين – لبنان – إيران – سوريا)، كيف يمكن له أن يصل بأمريكا والشرق إلى شاطئ الأمان وبأقل الخسائر؟
في ظنّي أن أوباما سيخطو خطوات صغرى تؤدّي، في آخر المطاف، إلى تحوّلات اجتماعيّة وسياسيّة ملحوظة. وهذا ما كانت خطوته الأولى ذات طبيعة رمزيّة إنّما بالغة الأهميّة، قصدت بذلك وصول أوباما إلى البيت الأبيض. ليست هناك معجزات بطبيعة الحال و”يد واحدة لا تصفّق”، ما يعني أن طريقة تجاوب شعوبنا ونُخبنا مع أوباما سيكون لها تأثيراتها في مجريات المنطقة. وللأسف، لا يزال ذاك التجاوب قاصراً.

– تعتبر القضية الكردية في الشرق الأوسط من القضايا الخطيرة، التي قد تشعل الحرائق من حولها، وتغيّر من الخارطة السياسية والجيوبولوتيكية للمنطقة، برأيك ما هو الحل المثالي لها ؟

أعتقد أنه لا بدّ، في التعاطي مع الموضوع الكرديّ (وكذلك الفلسطينيّ) من الجمع بين بُعدين: الأفق الوطنيّ الديموقراطيّ الذي يوفّر للأقليّات المقيمة في بلد ما أفقاً تعبيريّاً وتمثيليّاً مفتوحاً، والأفق العابر للقوميّات لأن المشكلة الكرديّة (وكذلك الفلسطينيّة) لا يمكن حلّها بكليّتها في نطاق بلد واحد.

ـ نظام الملالي في إيران بات بعبعا يثير قلق الجميع من المحيط إلى الخليج، وكذلك من الدول الكبرى، متى تسدل الستارة  وتنتهي هذه المسرحية السياسية، ما تحليلك للدور الإيراني المشكوك فيه من قبل الكثير من المراقبين ، أيمكن أن تكون صفقة وراء الجدار الدبلوماسي؟

أظنّ أن ما أسميتَه “نظام الملالي” بدأ يعيش أزمته المديدة التي ستنتهي به إلى السقوط في آخر المطاف. فهو لا يحتمل انفجار مشكلة شرعيّته نفسها، معطوفة على المشاكل الاقتصاديّة والثقافيّة والعلاقة بالعالم الخارجيّ. أمّا الدور الإيرانيّ الحاليّ فبالتأكيد خطير على النسيج الاجتماعيّ للمنطقة كلّها، وخطير على إيران نفسها التي تملك ما هو أغنى وأثمن بكثير من السلاح والعقائد الهرمة تقدّمه للشعوب المجاورة. أما حديث الصفقة فهذا أترك أمره لـ”العارفين ببواطن الأمور” وانا لست منهم.

ـ المرأة التي هي روح المجتمع ما زالت تعيش في عبودية وانكسار وقهر في المجتمعات الذكورية المتسلّطة وثقافة العشيرة، كيف تراها أنت، وهل من علاج  ودرهم وقاية ؟

قضيّة المرأة مثل قضيّة الإصلاح الدينيّ لا يمكن معالجتها من دون تغيير نظرتنا إلى الثقافة والقيم التي تفد من الغرب. فمصالحتنا مع الغرب وثقافته وتخلّصنا، بالتالي، من أوهام المؤامرات و”الغزو الثقافيّ” هما ما يصالحاننا مع نسائنا.

–  حازم صاغيّة الكاتب والمحلل السياسي والإنسان، ماذا يمكنك أن تقدم للإنسان المواطن في الشرق الحزين،ونحن بأمسّ الحاجة إلى نخب انسانية وثقافية تنير الظلمات بنور العقل والقلب والقلم ؟

لا أدري ما إذا كان في وسعي أن أقدّم شيئاً غير ما أفعله اليوم وهو أن أكتب ما أراه وألاحظه.

موقع الوارف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى