لأن المحكمة تقلقها وفوز 14 آذار بالأكثرية يؤرّقها: سوريا تريد ضمان الثلث المعطّل لحلفائها سلفاً
اميل خوري
الحديث الصحافي الاخير الذي ادلى به الرئيس بشار الاسد لا يزال موضوع تعليق واهتمام في اوساط رسمية وسياسية وشعبية حتى وإن كان هذا الحديث قد ادلى به الرئيس السوري قبل لقائه الوفد الاميركي برئاسة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان وليس بعد هذا اللقاء كي تكون له قراءة مختلفة.
ويرى نواب في قوى 14 آذار ان ما ادلى به الرئيس السوري يبقى له اهمية بصرف النظر عن توقيته لانه يكشف حقيقة ما يريده النظام السوري من المتحاورين معه عرباً كانوا ام اجانب، وهو ان المحكمة ذات الطابع الدولي هي في رأس اهتمامات هذا النظام، رغم انه يقول تارة انه غير معني بالموضوع وغير خائف، وطورا يقول ان اي متهم سوري في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه لن يسلم الى هذه المحكمة بل يحاكم في سوريا وامام القضاء السوري احتراما للسيادة الوطنية وحرصا على الاستقلال… وقول الرئيس الاسد التهديدي في حديثه عن المحكمة: “انه لا توجد ضمانات بعدم تسييسها وان لبنان اول من سيدفع الثمن اذا كان هناك تسييس للمحكمة”، وقوله عن الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة: “ان لبنان يعيش على التوافق وينفجر بغياب التوافق”، انه كلام ان دل على شيء، فانه يدل على الاسباب التي جعلت الوزراء الشيعة ينسحبون من الحكومة لتعطيل اقرار النظام الاساسي للمحكمة والتي جعلت ابواب مجلس النواب تقفل للحؤول دون المصادقة عليه، والتي جعلت وزراء المعارضة في الحكومة الحالية يرفضون اقرار مذكرة التفاهم بين لبنان ومكتب المدعي العام للمحكمة ويطلبون درسها لان لديهم ملاحظات عليها… وقد تشكلت لجنة وزارية لهذه الغاية علها تكون وسيلة للمماطلة في بت الموضوع قبل عرضه مجددا على مجلس الوزراء، وذلك بقصد خلق مشكلة قانونية جديدة بين لبنان والمحكمة.
اما القول بضرورة قيام توافق وإلا سيكون لبنان معرضا للانفجار، فان معنى التوافق هو تشكيل حكومة وحدة وطنية كانت سوريا اول من دعا الى تشكيلها كي يكون لحلفائها فيها “الثلث المعطل” وقد تعذر الاتفاق على ذلك بين قوى 8 و14 آذار فطالت الازمة الى ان كانت حوادث 7 ايار التي استدعت عقد مؤتمر الدوحة. وقد اصرت فيه سوريا وحلفاؤها في لبنان على تشكيل هذه الحكومة شرطا لتسهيل اجراء الانتخابات الرئاسية.
وفي مقابلة للرئيس الاسد مع صحيفة هندية، وصف اتفاق الدوحة بانه يشكل انتصارا سياسيا للبنان وسوريا (حزيران 2008) واعتبر ان المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري ستعمل بموضوعية “اذا لم تسيَّس” وان الامور “تسير في الطريق الصحيح حتى الآن ونتمنى ان تتحلى هذه المحكمة بمهنية عالية وألا تكون مسيسة، ونحن مرتاحون وكل الامور تسير بطريقة مهنية”، ورأى ان الحكومة اللبنانية بعد اتفاق الدوحة ستكون قادرة على التأثير على المحكمة والتأكد من سير الامور في الطريق الصحيح واوضح: “بالطبع اذا كانت هناك حكومة وحدة في لبنان فان هذا الامر يعني ان المحكمة ستعمل بطريقة مهنية لا سياسية، وهذه الحكومة ستكون ضمانة مهمة وتعني ان هناك اجماعا في لبنان حول قضايا معينة وان المحكمة لا يمكن ان تسيس”…
وفي مقال للكاتب والصحافي البريطاني باتريك سيل قال فيه: “ان سوريا ليست متخوفة من نتائج المحكمة انما من اجراءاتها”. وفي رأي مصدر ديبلوماسي عربي، ان سوريا تخشى ان يتم استدعاء احد المسؤولين فيها للاستماع الى شهادته، وهي ترى في هذا اهانة للنظام. وماذا لو طلبت المحكمة استدعاء شخصية كبيرة وليس عند سوريا الضمان الذي حصلت عليه في السابق عندما توجه بعض مسؤوليها للتحقيق معهم في فيينا؟ وما الذي يضمن ان الشاهد السوري غير المتهم سيعود؟ فربما تقول المحكمة انها تحتاج الى بقائه ستة اشهر مثلا…”.
كل هذا يدل على ان لا هم لسوريا في حوارها مع العرب ومع الغرب سوى المحكمة وهي تحاول الحصول على الضمانات التي تطمئن اليها ولا بد من البحث في طريقة اعطائها لان سوريا قد لا تملك القدرة على فتح معركة قانونية كبيرة فاذا لم تحصل على هذه الضمانات، فان سوريا في رأي نواب في قوى 14 آذار تحاول تحصين موقفها حيال المحكمة باعتماد الآتي:
اولا: ان قوى 14 آذار اذا فازت بالاكثرية في الانتخابات النيابية المقبلة، فانها ستكون محكومة بالتوافق مع قوى 8 آذار التي تشكل الاقلية المعارضة، وهذا التوافق يعني تشكيل حكومة وحدة وطنية كالتي تم تشكيلها نتيجة اتفاق الدوحة، وهذه الحكومة هي التي تضمن عدم تسييس المحكمة وتشكل حماية لسوريا من قرارات قد تثير قلقها حتى ولو ادى ذلك الى تعطيل اتخاذ القرارات وشل عمل مؤسسات الدولة كما هو حاصل مع الحكومة الحالية، ومع كل ما يتصل بسير المحكمة.
وهكذا تضع سوريا الاكثرية بين خيارين: إما ان تواجه ازمة تشكيل حكومة قد تصل حدتها الى الشارع ليشهد 7 ايار جديداً وتفجيرات واغتيالات يدفع الامن والاستقرار في لبنان ثمنها، وإما ان تشرك الاقلية المعارضة ويكون لها في الحكومة “الثلث المعطل” الذي يرفض استدعاءات المحكمة اذا اعتبرتها سياسية.
ثانيا: اذا فازت قوى 8 آذار بالاكثرية ورفضت قوى 14 آذار التي تكون قد تحولت اقلية، المشاركة في الحكومة الا باتفاق مسبق على برنامج عملها وتعذر التوصل الى هذا الاتفاق، فان الحكومة التي تتألف من هذه الاكثرية تشكل الضمان لحماية سوريا من تسييس المحكمة، ومن استدعاء متهمين او شهود الى لاهاي.
هذا هو الموضوع الاساسي والمهم الذي شغل بال النظام السوري وهو الذي سيكون مطروحا في اي حوار يجري مع القيادة السورية، وان لا تغيير في سلوك سوريا حيال لبنان وحيال فلسطين وحتى في تحالفها مع ايران، ما لم يتغير مسار المحكمة…
وعندما تقول قوى 14 آذار ان الانتخابات النيابية المقبلة هي انتخابات مصيرية ومفصلية ايا يكن المنتصر فيها، فلأن سوريا ستحاول عرقلة حكم الاكثرية اذا كانت لهذه القوى المصرة على رفض تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون لحلفاء سوريا فيها “الثلث المعطل” كونه يضمن عدم تسييس المحكمة في نظر القيادة السورية، والا وضعت لبنان في دائرة خطر التفجير، وان سوريا تصبح مطمئنة الى الحكم في لبنان عندما تكون الاكثرية النيابية لحلفائها فيه، او تشكلت حكومة وحدة وطنية يكون لها فيها “الثلث المعطل”…
ان هذا الوضع المعقد الذي قد يظهر بعد الانتخابات النيابية المقبلة جعل عميد “النهار” غسان تويني يتساءل في مقاله الاسبوعي: “هل تنوي ديموقراطية “الثلث المعطل” الانتقال من مجلس الوزراء، حيث شلت الحكم، الى المستوى الدولي لتخضع علاقات لبنان بالعدالة الدولية لقاعدة مماثلة لما طبقت او حاولت تطبيقه في الشؤون المحلية”. ويختم بالقول: “المطلوب الآن ألا تزعزع العدالة الدولية التي نحن في صددها وألا نغرقها في لجة الشكليات والمهاترات فنقع في شرك المؤامرة التي كانت وراء الاغتيالات ويكون تصرفنا بمثابة محاولة اغتيال العدالة الدولية التي تكون بتمتعها بكامل حريتها وضماناتها أو لا تكون عدالة ولا تحمينا”.
النهار