عن الإسلاميين مرة أخرى
مازن كم الماز
في نقاشهم عن اليسار على شاشة قناة الحوار الإسلامية التي تبث من لندن رأى عدد من المثقفين الإسلاميين العرب أن اليسار العربي يفقد هويته عندما يتخلى عن عدائه لأمريكا و الذي لا بد أن يعني التقائه مع حركات المقاومة الإسلامية من حزب الله إلى حماس…هذا إلى جانب النقاش المحتدم حول علاقة الإخوان بجبهة الخلاص و قرارهم إيقاف نشاطاتهم في إطار المعارضة ضد النظام السوري، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة الحديث عن الإسلاميين، بطريقة لا تختلف كثيرا عن احتلالهم الدائم لها كهراطقة جدد في الحرب الأمريكية على الإرهاب..
لا بد هنا أيضا من وقفة خاصة مع الموقف السائد في النخبة المتلبرلة عن الإسلاميين و خاصة عن ماهية حقوقهم كبشر، هذا إذا افترضنا أن الخطابات السائدة في زمن الحرب على الإرهاب تعتبرهم بشرا في المقام الأول…في حالة الإخوان السوريين من المؤسف أنهم خاصموا شريكهم الأبرز في جبهة الخلاص عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري لعشرات السنين و المسؤول عن الكثير من ملفات القمع و النهب، بما في ذلك ضد ربيع دمشق، ليس انتصارا للحق و الحقيقة التي تتمحور حول الإنسان السوري و بقصد تصحيح موقفهم من المنشقين عن النظام دون أن يطالبهم بالتكفير عن خطاياهم بل انتصارا لحماس فقط كجزء متمم لمشروعهم الإسلامي، القضية هنا ليست في نقل المرجعية “الوطنية” من النظام و أجهزته عمليا إلى أية جهة أخرى ، و لا أيضا في تمييع هذه المرجعية عندما يتعلق الموضوع بمشاركين في عمليات قتل و نهب و قمع استهدفت سوريين عاديين، و ليس الحريري الأب وحده بالضرورة، هذا سهل جدا اليوم على الصعيد السياسي اليومي لأن التهميش الذي يطال السوريين العاديين يسمح لمن يشاء بالمزاودة كما يشاء، و يطرح هذا جديا سؤال آخر، هل كل من تحدث عن الديمقراطية و حرية الشعب السوري مؤخرا كان يعني ما يقوله و هو من هو و تاريخه كفيل بالإجابة عن حقيقة تلك الديمقراطية التي كان مخلصا لها طوال فترة مشاركته في السلطة و ما نهبه من قوت الناس و عرق جبينهم، هل توجد إساءة أكبر لما يسمى بالديمقراطية من أن يتغنى بها أشخاص مثل عبد الحليم خدام و رفعت الأسد و كأنها عاهرة يمكن الحصول عليها ببعض المال، في الحقيقة يجب التأكيد هنا أن الإسلاميين على الرغم من أنف كل زعماء و دعاة الحرب على الإرهاب هم أيضا بشر، بشر يملكون الحق في استخدام عقولهم كما يحلو لهم، لكن بشر لا يحق لهم بالمقابل، كما لا يحق لأي كان، أن يفرضوا رأيهم على الآخرين أو أن يقيموا لأسبابهم الخاصة، غوانتاناموهم الخاص و محاكم تفتيشهم الخاصة، و ما دام لا وجود لآلهة علمانيين و لجحيم و جنة علمانيين ماورائيتين قادرة على إثبات أن الرأسمالية كانت بالفعل نهاية التاريخ، رغم وجود طير أبابيل علماني يتمثل في ال ف – 16 الأمريكية الإسرائيلية و جحيم دنيوي يتمثل في غوانتانامو الأمريكي و الغوانتاناموات العربية مع تسمية حالة الاستعراض التسويقية الهوليودية على أنها الجنة الدنيوية، لكنها جحيم و جنة كجنة و جحيم الأصوليين، لا يمكنك إلا أن تختارها أو أن تموت كما قال بوش ذات يوم، هذه هي حريتك و حريتي يا أخي، هذا مؤسف حقا، أن تعريف الإنسان لا يشترط أن يكون نتاج عقله أو فكره متطابقا مع مفهومنا عن الحقيقة المطلقة، هكذا مثلا استحوذ اللبواني في سوريا في تقرير منظمة العفو الدولية الأخير، لأنه “مناضل ليبرالي” و لأنه زار أمريكا ( مع التشديد على الرفض المطلق لحق النظام في محاكمته أو حتى حقه في تحديد مفهوم من هو الوطني و من هو الخائن، فالمنطقي هو محاكمة النظام أولا أمام ضحاياه من السوريين العاديين لا العكس ) على مساحة أكبر من عدد هائل غير معروف من السجناء الإسلاميين خاصة الجهاديين..
في الحقيقة يقف الليبراليون اليوم في نفس الموقف الذي وقفه الإسلاميون في حزيران يونيو 67، عندما ركعوا شكرا للإله على هزيمة عبد الناصر أمام إسرائيل، عندما سقط جلادهم أمام ما توهموا أنه سلاح رباني لمعاقبة عدوهم، أي إله هذا الذي سجد له الإسلاميون في يونيو 67 ؟ إنه ذات الإله الذي يسجد له الليبراليون اليوم معتبرين أنه القوة “المطلقة”، التي تحمل كل صفات الإله تاريخيا و ميتافيزيقيا و في تعريفهم لها، التي تحميهم من طغيان الأصولية…الغريب أن كلا الطرفين سجدا لذات الإله و لذات السبب تقريبا، في زمانين مختلفين، و حاربا ذات الإله لذات السبب تقريبا، فقد كان معظم المتلبرلين اليوم إلى جانب من سقط في يونيو حزيران 67 قبل أن يحولوا عبادتهم إلى محراب إله جديد ، أفضل هذه المرة من دون شك….ما لا يدركه الإسلاميون اليوم أنهم مشروع ستالينية قادمة، لقد لعبت خمرة السماء و الانتصارات الإلهية برؤوسهم، و إلى جانب الطبيعة الفوقية النخبوية التي تأخذ شكل “تخليص” البشرية بالإكراه، عن طريق الحرب مع الباطل حتى النهاية، يفعل تراث كامل من القمع و القتل و السجون و المنافي، يحول الإسلاميين إلى مشاريع طغاة استثنائيين بقدر ما كنت الستالينية استثنائية في إصرارها على تحرير الناس و فرض العدالة عن طريق زجهم في سجن البيروقراطية السلطوي الكبير…لكن يبقى ليس هذا ما يقلق النخبة المتلبرلة اليوم، على الأقل ليس هو العامل الوحيد، فالنخبة بشكل عام كانت مخلصة في موقفها إلى جانب السلطة السائدة، أو القوة السائدة، كانت الاعتراضات على القمع الناصري محدودة جدا و صدرت أساسا عن مثقفين استثنائيين، بعضهم بشكل فوق عادي كنجيب سرور، فوق استثنائي بالشكل الذي يجعله خارج النخبة بالضرورة و أقرب إلى مستشفيات الأمراض العقلية منه إلى مكاتب إنتاج الثقافة التابعة للأنظمة القائمة…..
الإله الذي قتل و ذبح الناس، بدءا بالهنود الحمر و وصولا إلى أجدادنا يخبط و يتجول في كل مكان في العالم بتنمر واستهتار، بينما ترقبه النخبة المتلبرلة بإعجاب صوفي، طالما ارتبطت القدرة على القتل و التعذيب غير المحدودين بالإله وحتى كانت دليلا على الألوهية، الله وحده في التعاليم الإسلامية من يحق له التعذيب بالنار مثلا، و الإله الأمريكي اليوم يثبت ألوهيته بالحديد و النار و يا ويله من لا يسمع الكلمة !، و هي تمتدحه بذات الإخلاص الذي امتدحه به الإسلاميون عندما هزم جلادهم بالضربة القاضية…يصبح الإقرار بعبودية هذا الإله الجديد، و من قبله كانت هناك قائمة طويلة من الآلهة آخرها الطغاة القوميون و الستالينيون، هو عين الصواب، هو عين الحقيقة، و يعاد إنتاج القمع الناصري الستاليني لكن وفق قواعد جديدة، بينما كان الإسلاميون يتهمون في السابق بالتخلف و الرجعية و العمالة للغرب و حتى لإسرائيل و الوقوف في وجه الوحدة العربية أو الاشتراكية، فإنهم اليوم يتهمون أساسا بمقاومة التحول الديمقراطي الذي يرعاه هذا الإله، لكن هذا مرة أخرى يحرمهم من حقهم حتى في الحياة أو في تنفس الهواء، ناهيك عن أن يخالفوا الإله أو يعترضوا طريقه، إن سحق الإسلاميين اليوم هو معنى الديمقراطية “الأمريكيانية” تماما كما كان هو فحوى القومية العربية في أيام صعود عبد الناصر، هذا ليس إلا نسخة كربونية عن جحيم و جنة الأصوليين، إن هذا لا يعني أننا نقبل بالمشروع الشمولي الإسلامي، و لكنه يعني أننا لن نقبل، تحت أية ظروف مشابهة تماما لمنطق صعود الستالينية أو الناصرية المظفر، بأي مشروع شمولي آخر، أننا نرفض الثنائيات الشمولية التي تحشر البشر بين هذا الطاغية أو ذاك، بين أن نكون مسجونين لدى هذا الجلاد أو ذاك، و لا أن نمجد السجون و السلاسل و القتلة أو المجرمين لأنهم ليبراليون هذه المرة، إنه ذات المنطق الميتافيزيقي وراء كلا من الأصولية الإسلامية أو أصولية السوق، و ذات الإنكار لأي حق في الاختلاف أو في النقد، لا تريد النخبة الإطاحة بالآلهة، إنها تعيد تشكيل الإله فقط، أو بالأحرى أنها تقبل بالإله الجديد، كما هو، و تطالب فقط بالخضوع الكامل كممكن وحيد، و كخيار وحيد، تماما كما نرفض آلهة الأصوليين الذين يريدون أن يشيدوا باسمها سجنا جديدا يكونون هم سجانيه هذه المرة، سيبيريا أو أبو زعبل الإسلاميين هذه المرة، هذا لا يعني أن الانخراط في الحرب الأمريكية على الإرهاب و لا في حرب الحق على الباطل هي الحروب التي تهم الناس، وحده النضال من أجل حرية كل إنسان، كإنسان، هو الشيء الوحيد الجدير بأن يخاض دون تردد، من أجل عالم لا سادة فيه و لا آلهة، عالم يتألف فقط من البشر العاديين، لا الأنبياء و آلهتهم الهمجية القاتلة.