أيام سينما الواقع في دمشق.. ودقة الاختيار، من الفيلم الهندي الرجال الخارقون لبلدة ماليغون
راشد عيسى
حاز فيلم «هيب هوب المقلاع» جائزة الجمهور في ختام فعاليات «أيام سينما الواقع» في دمشق، وهي الجائزة الوحيدة التي يمنحها المهرجان الذي عقد أخيراًَ دورته الثانية. الفيلم للفنانة جاكي ريم سلوم، وهي من جذور فلسطينية سورية تقيم في نيويورك. والفيلم يحكي قصص مجموعة من الشبان الفلسطينيين الذين يقطنون في مختلف أنحاء الضفة الغربية وغزة وأراضي الـ48، ويستخدمون الهيب هوب كأداة لتجاوز الحدود المفروضة، ليصبح فنهم حجر مقاومة آخر في وجه الاحتلال. الفيلم كان عرض في إطار تظاهرة «ملاحظات عن الحرب» التي ضمت أفلاماً كالفيلم الألماني «ديتر الصغير يحتاج لأن يطير» لفيرنر هيرتسوغ، والمكسيكي «لون الزيتون» لكارولينا ريفاس، و»فرويد الشاب في غزة» للسويدي بيو هولمكويست، و»أشباح مدينة الشمس» لآسغر ليث، و»المنام» لمحمد ملص. وقد استضافت التظاهرة المفكر اللبناني فواز طرابلسي متحدثاً عن تجربة الكتابة عن الحرب.
وإلى جانب تظاهرة «ملاحظات عن الحرب» ضم المهرجان تظاهرة تحت عنوان «صوت امرأة»، ضمت أفلاماً مثل «المسرحية» للتركية بيلين إسمر، و»أعداء السعادة» للدانماركية إيفا مولفاد، و»نساء بلا ظل» للسعودية هيفاء المنصور، و»في منزل والدي» للمغربية فاطمة جيلي وزاني. وقد أقيمت على هامش التظاهرات ورشات عمل تخصصية حول «الكتابة للفيلم التسجيلي»، وورشة للصحافيات السينمائيات «الجندر والسينما». كما استضاف المهرجان عدداً من الأسماء البارزة في مجال الفيلم التسجيلي من أبرزهم المخرج الفرنسي نيكولا فيليبير ضمن تظاهرة «لقاء مع مخرج»، وسبق أن عرض في الدورة السابقة من المهرجان فيلمه «أن أكون وأن أملك»، وقد عرض له في هذا الدورة «في بلاد الصم» و»أصغر الأشياء»، و»العودة إلى النورماندي».
ومن بين أفلام المهرجان برز «أعداء السعادة» الذي يتناول سيرة السيدة الأفغانية مالالاي جويا، التي قررت أن ترشح نفسها لأول انتخابات تشريعية في بلادها على الرغم من محاولات متكررة لقتلها. امرأة تعمل في مناخ معاد، إنه المناخ الذي ما زال يعج بأسياد الحرب، وبالعقول التي تشد الناس إلى الماضي. لكن ليست تلك المرأة وحدها من يجابه مصاعب أفغانستان، فمن الصعوبة أن نتخيل المخرجة الدانمركية (وهي كانت من ضيوف المهرجان) الشقراء، الناعمة والنحيلة، قادرة، مثل مالالاي على مواجهة صعوبة العمل في تلك البلاد. رغم الانهيارات المتتالية التي سمعنا عنها أخيراً في أفغانستان، فإن فيلم «أعداء السعادة» حكى عن الأمل أكثر من أي شيء آخر. هو واحد من الأفلام التي تملأ المرء فعلاً بالأمل.
في فيلم «فرويد الشاب في غزة» يتابع هولمكويست كما في أفلام سابقة عمله على الموضوع الفلسطيني، فيرصد تجربة مساعد نفسي ميداني في شمال غزة في زياراته المتكررة إلى مرضاه النفسيين، من أطفال وشباب ونساء ومقاتلين سابقين في حماس وغيرها، لكن الفيلم بالطبع ليس عن الطب والعلاج النفسي، فهو عبر ذلك يعرض لأحوال غزة وأحوال الفلسطينيين المروعة، إنها وجوه للمأساة لا نراها عادة في نشرات الأخبار، ولا في الأفلام الدعائية.
«لا رمان في طهران» لمسعود بخشي فيلم عن طهران مليء بالضحك والمفارقات، يعرض لطهران الأمس واليوم، يعود إلى طهران في سينما الأيام الماضية، ويوغل في تصوير طهران الحاضرة، ويعرض كم أن الناس غير راضين عن أحوال مدينتهم، من التلوث إلى انقراض المساحات الخضراء، إلى الأبنية المتهالكة. ولا تبعد دمشق عن هذه الصورة كما ظهرت في فيلم ميار الرومي «ستة قصص عادية»، فالرومي يقدم بانوراما لدمشق متكئاً على ست شخصيات هم في الحقيقة سائقو التاكسي، تصرّ الكاميرا على مرافقتهم والدوران معهم حول المدينة. وقد برع الفيلم في الدخول إلى مشكلات شخصياته، تناقضاتهم وطرائفهم، على الرغم من التشابه الواضح مع فكرة كتاب المصري خالد الخميسي «تاكسي حديث المشاوير». أما بلدة ماليغاون الهندية فقد كان لها فيلمها أيضاً، الذي صنعته المخرجة فايزة أحمد خان عن ذلك المكان المشحون بالتوتر الاجتماعي الذي يفرضه الكساد الاقتصادي الحاد، والذي يجد السينما ملاذاً ساحراً. الفيلم يتابع مجموعة من هواة السينما وهم يصنعون نسختهم الكوميدية من أفلام هوليودية ومثالها هنا فيلم عن سوبرمان. نروح نتابع المفارقات الكوميدية في صنع الفيلم، وأي خدع سينمائية محلية تصنع خصيصاً لسوبرمان الهندي. إنه فيلم عن الشغف بالدرجة الأولى.
المستوى الذي بلغه «أيام سينما الواقع» يصعب أن يجده المرء في فعالية سورية أخرى، هذه الدقة في اختيار الأفلام وفي التنظيم والمثابرة على انعقاده سنوياً. هذه فعلاً واحدة من علامات دمشق المضيئة.
(دمشق)