صفحات سورية

خطان متناقضان في الانفتاح على سوريا وإيران

null
هدى الحسيني
تقول الولايات المتحدة إن استئناف اتصالاتها بسوريا إنما هو محاولة لإبعاد سوريا عن إيران. في الوقت نفسه تنفتح الإدارة الأميركية على إيران. فكيف تبرر لنفسها محاولات الانفتاح على طهران، وتريد في الوقت نفسه إقناع دمشق بقطع العلاقات معها؟ الدعوة للانفتاح على إيران، شجعت رئيس مجلس تشخيص النظام الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني على القيام برد زيارة الرئيس العراقي جلال طالباني. في الحرب العراقية – الإيرانية كان رفسنجاني رئيسا، وفي تلك الحرب وقعت مجزرة «حلبجة»، وكان لطالباني ورفسنجاني دور فيها، كما راح ضحية تلك الحرب مليون شخص. صديق عراقي، لم يصحُ بعد من زيارة الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد إلى بغداد قال لي: ماذا سيكون الوقع على إدارة أوباما لو أن أسامة بن لادن قام الآن بزيارة نيويورك وجال في «المنطقة صفر»، التي نفذ فيها عمليته الإرهابية في 11 سبتمبر، زمن ولاية الرئيس جورج دبليو بوش؟ بعد زيارة جيفري فيلتمان من الخارجية الأميركية ودان شابيرو من البيت الأبيض إلى سوريا، قال الرئيس السوري إن الانتخابات المقبلة في لبنان «مفصلية»، وحذر من تسييس المحكمة الدولية، «لأن لبنان سيدفع الثمن».
«طالبان» في أفغانستان ردت على اقتراحات الرئيس أوباما بفتح حوار مع المعتدلين، بأن هذا مرفوض، إذ ليس من «طالبان» معتدلة أو «طالبان» متشددة. التفكير الأميركي الحالي، لكل نوع من الانفتاح، هو لتسهيل الانسحاب من العراق، وكسب الحرب في أفغانستان. في الخيرة سيزداد الأمر صعوبة، وكما قال مايكل شوير المسؤول السابق في «السي آي إيه» عن ملف بن لادن: إنه بعد سنتين من الآن، ستنظر إدارة أوباما إلى الوضع المتردي في باكستان التي تملك قنبلة نووية، وسوف تقرر ترك أفغانستان لمصيرها، كي تركز على باكستان التي لا يمكن خسارتها.
في الأساس تقوم الاستراتيجية الأميركية على منع قوى إقليمية من السيطرة بمفردها كي لا تتحدى لاحقا الولايات المتحدة، وفي وضع منطقة الشرق الأوسط يعني هذا اعتماد واشنطن علاقات معقدة ثنائية أو متعددة. وللوصول إلى أفغانستان لا بد من المرور بتسوية الوضع في العراق. من مصلحة الولايات المتحدة المحافظة على استقلال العراق، وإبقائه مواليا لها وجعله منطقة عازلة بوجه الدول المحيطة به وبالأخص إيران.
لكن بسبب رغبتها في تقليص عدد قواتها والتوفير على الخزينة، يعتقد البعض بأن واشنطن قد تجد نفسها تتقاسم النفوذ على العراق مع إيران.
إيران تتطلع إلى إحياء السيطرة الفارسية، لكنها محاطة ببحر من السنة هي الشيعية، هنا يعطي الوضع في العراق الفرصة لها للتأثير على مستقبله السياسي عبر علاقاتها بالمجموعات الشيعية على أمل أن تجعل العراق كيانا مخترقا لا يشكل لاحقا خطرا عليها.
في موافقتها على دعوة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، للمشاركة في مؤتمر حول أفغانستان – خففت كلينتون من أبعاد الدعوة بأنها لمحاربة زراعة وتهريب المخدرات – تتطلع إيران إلى «صفقة» تخرج منها لاعبا أساسيا في العراق وأفغانستان ودول المشرق العربي? والشرق الأوسط ككل.
لكن، هناك عقبات تقف في وجه تحقيق الطموحات الإيرانية، منها برنامجها النووي، ثم إن الانتخابات الأخيرة في العراق فككت مشروع التحالف الشيعي، وتمسُّك مصر بموقفها في ما يتعلق بحدودها مع غزة ألحق بإيران هزيمة، وكذلك كيفية تطور العلاقة الإيرانية – الأميركية لاحقا.
ثم، وهذا هو الأهم، هناك العامل السعودي، فرغم انخفاض أسعار النفط، فإن الثروة النفطية السعودية توفر تأثيرا سعوديا كبيرا على واشنطن في ظل الأزمة المالية والركود العالمي. ورغم الانفتاح الأميركي على إيران، تبقى العلاقة السعودية – الأميركية أقوى، ويبقى على واشنطن أن تناقش مسبقا تطور علاقاتها مع إيران مع بقية دول الخليج، بحيث لا تؤثر على المصالح الخليجية، مع العلم أن إيران تحتل ثلاث جزر تملكها دولة الإمارات العربية المحتلة، ولا يمكن أن تطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما هي بدورها دولة تحتل أراضي الغير.
وزيرة الخارجية كلينتون أكدت لدول مجلس التعاون الخليجي أن مشاورات واضحة ستجري بين واشنطن وبينها في كل ما يتعلق بالانفتاح الأميركي على إيران. وكانت الدول الخليجية عبرت عن مثل هذه الرغبة في اجتماع لوزراء الخارجية في نيويورك في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، في ذلك الاجتماع طالب وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان بالتزام واضح ومضمون من الجانب الأميركي، بأن لا اتفاق يُعقد بين واشنطن وطهران من خلف ظهر دول الخليج، وأن لا تنازلات تقدَّم وراء أبواب مغلقة يمكن أن تهدد المصالح الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي.
وينتظر الكثير من المراقبين اللقاء الذي لا بد أن يجمع بين كلينتون ووزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي في مؤتمر أفغانستان آخر الشهر، ليروا ما إذا كانت أقوى من وزراء خارجية الترويكا الأوروبية: فرنسا، وبريطانيا وألمانيا، الذين لعبت معهم إيران الشطرنج وكسبت. والحديث عن إيران يقود إلى سوريا ولبنان وإسرائيل حيث تصارعت المصالح الأميركية والإسرائيلية، وعندما وقفت واشنطن مع قسم كبير من اللبنانيين لإخراج القوات السورية من لبنان، إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، عارضت إسرائيل هذا القرار بسبب وجود تفاهم ضمني مع دمشق بأن تظل قواتها في لبنان تحد وتسيطر على تحركات حزب الله.
لكن إسرائيل تعمل استراتيجيا وتكتيكيا للحد من تصاعد النفوذ الإيراني، ومن الخيوط التي تتبعها لتحقيق ذلك، استئناف المفاوضات مع سوريا الحليف الأساسي لإيران في العالم العربي. فالسلام مع سوريا يسمح لإسرائيل بتحييد الخطر العسكري لحزب الله، خط الدفاع الأول لإيران في المنطقة.
سوريا حتى الآن تندد باتفاقية «سايكس – بيكو»، وتعتبر أن لبنان أو جزءا منه يجب أن يكون ضمن حدودها، ورغم قبولها بإقامة علاقات دبلوماسية معه، لم ترسل سفيرا حتى الآن بانتظار أن تعيد واشنطن سفيرها إلى دمشق، كما أن المسؤولين السوريين يتحدثون عن تفاصيل الحياة السياسية في لبنان بشكل يؤكد رفضهم التخلي عنه. ترى سوريا أن مصالحها الجيو – سياسية تتركز في لبنان، من دونه تبقى فقيرة اقتصاديا ومعزولة، والسيطرة عليه تعطي دمشق منفذا على حوض المتوسط (لم يستطع مرفأ اللاذقية مجاراة مرفأ بيروت) ويجعلها قوة إقليمية يحسب حسابها. إن الإصرار السوري على أن ترعى أميركا المفاوضات بين دمشق وتل أبيب له عدة أسباب. أبرزها، أنه عسكريا لا تستطيع سوريا مواجهة خطر تركيا من الشمال وإسرائيل من الجنوب، وواشنطن حليف أمني لأنقرة وتل أبيب. وتشعر سوريا بأنه عبر حلفائها في لبنان هي في طريقها إلى استعادة السيطرة عليه، لكنها تريد أن تعترف واشنطن وتقبل بالدور السوري المؤثر والنافذ في لبنان، وتقنع بالتالي الدول العربية بالواقع الذي تتطلع إليه دمشق. لكن مفاوضات سوريا مع إسرائيل لاستعادة الجولان، تتطلب من سوريا التزامات مهمة: أبرزها استعادة الجولان، تحييد سلاح «حزب الله»، ووقف الدعم لـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي الفلسطيني».
إيران مستعدة هي أيضا للتخلي عن «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى حزب الله، هنا قد تبرز مشكلة إيرانية-سورية، هذا إذا سلمنا بأن سوريا سوف تعتبر بأن الدعوة الأميركية توفر لها فرصة تتطلع إليها منذ زمن، وهي الخروج من العزلة الدبلوماسية. إن اهتمام واشنطن بالحوار مع سوريا، مرده رغبتها في شق التحالف الاستراتيجي والمصيري بينها وبين إيران، وحثها على وقف تمرير السلاح إلى لبنان (حزب الله ومنظمات فلسطينية داخل وخارج المخيمات). لكن واشنطن لم تكشف عن «المغريات» التي ستضعها على الطاولة أمام دمشق، فهي أعطتها لبنان سابقا وأخرجتها منه، وكانت رعت في السابق مفاوضات بينها وبين إسرائيل، وجاء وزير الخارجية الأميركي السابق وارن كريستوفر 21 مرة إلى دمشق، والتقى الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الرئيس السوري حافظ الأسد في جنيف، لكن إسرائيل إيهود باراك وافقت وتراجعت، متمسكة بخط طوله 300 متر على بحيرة طبريا، وظل الجولان مع إسرائيل. ثم كيف ستتخلى سوريا عن سياسة خارجية اعتمدتها لثلاثين سنة، خصوصا أن المحكمة الدولية للكشف عن قتلة الرئيس الحريري ورفاقه قامت، وهناك أمر آخر أكثر خطورة، فالرئيس السوداني عمر البشير، بعدما سلم كارلوس، وطرد أسامة بن لادن، لم تعد لديه أوراق يهدد بها، فسمح لقواته بارتكاب مجزرة دارفور، وقررت المحكمة الجنائية الدولية توقيفه، وصار عبرة للكثيرين رغم تحدياته. إذن لم تعد أي تنازلات قادرة على توفير الضمانات!
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى