هالة محمد شاعرة من سورية – قصيدة الفكر والتشبيه
بيروت (رويترز) – نتاج الشاعرة السورية هالا محمد الأخير (كأنني..أدق بابي) يتسم بجدّية مؤثرة وبأنه في مجمله شعر “فكرة” لكن الفكر فيه لا يرد الى القارىء باردا ميكانيكيا ولكنه أيضا لا يتحول الى لهب.
فالدفء فيه ..حيث نشعر به.. يبدو لنا كأنه يأتي نتيجة احتراق داخلي استمر خفيفا وان استطال زمنه فهو يوحي بأحزان معتقة وبذكريات مرمدة ولعل في الاخيرة نوعا قد يكون من أشد أنواع الاحتراق ألما ومرارة.
الشاعرة تبدو أحيانا في حالة يختلط فيها ما قد يسمى “الذهني” و”النفسي” في شكل شعري جذاب وأحيانا أخرى يبدو ما تقوله أقرب الى أفكار تضفي عليها شكلا فنيا أي تسعى الى نقلها من الذهني الصرف الى ما يمكن ان يوصف بأنه كلام شعري.
نتاج الشاعرة في كتابها الأخير هذا يتميز أيضا بسمات منها انه يقوم وبنجاح في حالات كثيرة على “التشبيه” الذي يرد بقدر ربما كان أكثر من ورود المجازات مباشرة في القصائد إلا ان هذه حيث ترد قد يأتي كثير منها في أشكال فنية أنيقة.
وهذا القول وصفي لا “انتقادي” فكثير من الشعر الجميل يتميز بالأمر نفسه. التشبيهات هنا تتلاحق فتؤدي الى حركية وحياة حتى في المجالات التي يمكن ان تتناول موضوعات “سكونية” من نوع ما. ويتنقل النص أحيانا كثيرة بين ما يبدو واقعا ثم يطلّ علينا بوجه رمزي.
ومما نلحظه عند هالا محمد فضلا عن “تصوير” دائم الحضور في شعرها كثرة في المجردات والمطلقات التي يخشى في أحيان كثيرة وعند شعراء كثيرين ان توقع النص في حال من البعد عن الدافيء أو عن “الحسي” بمعنى من المعاني.
لكنها في الغالب لا تفعل ذلك عند هالا محمد. وفي كل ما تتناوله الشاعرة يخيم حزن متأصل يرافق القراءة حتى حيث تلفه الشاعرة برمز أو بما يبدو “تفصيلا” قد لا يتاح لكثير من القراء إدراك ما يرمي اليه.
نتاج هالا محمد الجديد جاء في 127 صفحة متوسطة القطع بغلاف من تصميم لارا البلعة وصدر عن (الكوكب) وهي مؤسسة متفرعة من دار (رياض الريس للكتب والنشر) في بيروت.
والشاعرة درست السينما في باريس وعملت في تصميم الأزياء وأخرجت عددا من الأفلام الوثائقية. كتابها الحالي هو خامس كتبها منذ سنة 1994.
ومجموعة (كأنني..أدق بابي) تبدو اقرب الى قصيدة طويلة متعددة ” الزوايا” أحيانا.
ولعل هذا الواقع هو الذي جعل الشاعرة لا تعطي أقسامها أسماء وعناوين مما يوحي بنوع من الاستقلالية لكل منها. وعوضا عن ذلك فقد أعطتها أرقاما بدأت أقسامها بالرقم واحد وانتهت بالرقم 68 .
استهلت المجموعة بقصيدة جاء فيها “في هذه المدينة..(يستيقظ العلم وحيدا/باكرا/ عاليا/كالديك/يرفرف …/واحيانا ../يصيح.”
في القصيدة التي تحمل الرقم “اثنين” نسيج شعري في تصويره حالات نفسية وفكرية أيضا وفي اجواء من شعور بالفقد وما يشبه قدرا ساحقا.
ففي اجواء يحملنا بعضها ولو لهنيهة الى احزان محمد الماغوط المقمرة ى تقول ” استيقظ عند الفجر../على رؤوس اصابعي./اسرق نسمة من النافذة/ هدوءا من البيت/ لمحة من الشارع الرمادي العاري/باشواقه../ كنهر يسبقه ماؤه/ويهرم وحيدا بين الضفتين/مع فنجان قهوة ساكن /بطعم الحذر/ ابدأ…
هذا اليوم/بما فيه من احتمال خسارات/وراء كل دقة ساعة/وراء كل نبضة/خلف كل نظرة عين/لا أرغب في التحديق فيه/لا اجرؤ على التحديق في عين القدر.”
في القصيدة السابعة تقول الشاعرة “كصحراء../تقبض على احتمال السراب/على خيال وردة حمراء/على صوت في باطن الرمل/ يروي..انه الماء…/ كالانتظار ../انا/ تعبرني بألفة/كانني اللحظة ../ اللحظة.”
في الرقم 11 ووسط أسى وأحزان كأحزان أبي العلاء لكنها تعمل “طردا وعكسا” تقول هالا محمد “احذري/كل شيء قابل للكسر/النعمة التي تسبحين فيها/ليست لك وحدك/خلايا سعادات غابرة/لبشر غادروا/ثم عادوا../كما يعود الموت/يوقظ الحياة/بعد كل قبر/ الحياة…/مطحنة لا تنتظر (ايقاع تأملك الطويل)كأن الزمن لك وحدك/الزمن لا يستوعب/رغبتك الدائمة في حزن (يستدعي الذاكرة)كشاهدة على قبر افراحك…”
“وفي “23” نقرأ “الذكريات ليست لاحد/هي للماضي/للزمن../ نستعيدها كمن يكتب تاريخه من جديد/كتاريخ جديد/افردها امامك/كغسيل منشور على الشوك اليابس…/ شاركني بها/كما يشارك هذا الشوك اليابس/يا حبيبي ../ النهر.”
في الرقم “29” تتداخل “الافكار” في تشبيهات تتحرك سلبا وايجابا وفي نسيج تطل “صوفية” من خيوطه.
تقول الشاعرة “يربكني النظر/ليس ينظر كمن يرى/يسبر العين/يقع على سر/دفين/ يراه (فيراه)يغض الطرف (كمن لا يرى )ما يرى (يربكني النظر )كمن يرى (ما لا يرى )كمن يدفن سره (فلا يرى )ولا يرى/كمن ينظر (ليرى )ما ليس ينظر.”
ويتكرر ما يمكن ان نصفه بانه افكار او خطرات تسعى الى ان تتخذ شكلا فنيا لها الا انها تبقى احيانا على “فكريتها” شبه الخالصة.
نقرأ في القصيدة الرابعة عشرة “/كم هي صعبة دورة الوجود/ولا نكاد نستلقي/ لتبدأ../دورة التراب.”
ونقرأ أيضا في 27 “حيث تقول الشاعرة في ما يبدو تقريرية مماثلة “اقسم كل صباح/على حب الحياة (ينهكني القسم)فاوي طيلة بعد الظهر والمساء/الى الفراش.”
وتطل علينا ايضا في الرقم “60” تقريرية مماثلة وان بدت تحمل ” حكمة” وطرافة .تقول “الذاكرة../ملكية فردية/لحياة مشاع