سوريا.. وشاعريّة “الود”
غادا فؤاد السمّان
نظريا يُمكن القول عن لقاء القمّة العربية المصغّرة التي انعقدت مؤخّرا في الرياض بدعوة من العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز كبادرة استثنائية لرتق الثغرات المتفاقمة في الصفّ العربي ، إنّها ليست مجرّد قمّة مصغّرة كما يشاع في العناوين العريضة عبر الصحف والنشرات الإخبارية والموجزات، بل هي بالمنظور الفعلي للقاء يُمكن اعتبارها قمّة “الجبابرة” بامتياز، بل قمّة التحدّيات لسياسة التغلغل الخارجي الذي لا يخفى على أحد المتمثّل بإيران الساعية إلى رسم خارطة جديدة للمدّ الفارسي عبر المنطقة العربية وذلك باسم الرابط الإسلامي مرّة وباسم صدّ العدوان الإسرائيلي أخرى، وفي حال صدقت الرؤيا وظلّ التماسك العربي – العربي الظاهر للعيان والإعلام الذي نقل صورة مجسّدة عن انسجام الأطراف المعنية وكما جاء قبل اللقاء على لسان الرئيس الأسد بحضور مبعوث الملك عبد الله وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل “لابدّ من النظر إلى العلاقات العربية بكثير من الودّ” وكأنّ هذه العبارة التي تناقلتها معظم الافتتاحيات السياسية في العديد من الصحف هي فاتحة لارتقاء السياسية السورية بانفتاح علني على العلاقات العربية – العربية.
لا بدّ من التفاؤل واعتبار هذه العلاقات المُستجدة على أنها تماسك حقيقي مبني على حسن النوايا وتفعيل القناعات وتوليفها لتوحيد المسار والمصير، بعيدا عن الأجندات السياسيّة المعدّة سلفاً لعرقلة التوافق العربي – العربي، الذي أدخل المنطقة العربية في بلبلة وتوتر وقلق مستمر يتفاقم تماشيا مع المشروع النووي الإيراني الذي يستثمر الصراع العربي – الإسرائيلي على أكمل وجه وقد صيّره ورقة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية التي يُرهقها مجرّد التفكير أنّ الكيان الصهيوني مهدد بشكل أو بآخر بعيدا عن الطرق الدبلوماسية التي أثبتت على أنها ناجعة قطعا وإلا لشهدنا خرقا في معاهدات الصلح مع مصر والاتفاقيات الأمنية مع سوريا المنعقدة منذ حرب تشرين 1973.
لو أنّ الملك عبد الله يستطيع استعادة المحور السوري إلى الصفّ العربي ويحلّه من وثيق الارتباط مع المشروع الإيراني الإسلامي الهادف بكل تأكيد لاكتمال الهلال الشيعي في المنطقة، وهنا لا بدّ طبعًا من الإشارة إلى أنّه لا خلاف على المبدأ الديني للأطياف المذكورة، ولكن التوجّس هو من المشروع السياسي الذي يفرض صيغة ديكتاتورية الرأي الواحد، ووأد مبدأ الحوار والديمقراطية والتفاهم المُتبادل، بل تطبيق نظرية السيادة والسياسة للأقوى. وإذا كانت إيران وتلك شهادة حقّ هي الأقوى عسكريا في مقابل القدرات العسكرية العربية، إلا أنها لم تقوَ بأكثر من الاستعراض الحماسي للمواجهة المباشرة للجولة الأخيرة مع إسرائيل، وهي القادرة بكل تأكيد على لَيّ ذراع العرب من خلال لبنان وبجولات متكررة كونه الحلقة الأضعف التي تتوفّر فيه جميع المناخات والأدوات الملائمة لتسجيل الأشواط وتسديد الأهداف دون حسيب أو رقيب.
وما بين حركة الأقلية ونشاط الأكثرية في المنطقة العربية لا بدّ للرئيس الأسد أن ينصت إلى صوت الشعب السوري خصوصا والعربي عموما، الذي يرشح بالسؤال التالي: هل التضحية بـ”خصوصية” المنطقة العربية اعتبارا من سوريا في سبيل التماهي مع إيران يتناسب والقناعة الشعبية العامة؟، أليس من الواقع أن يكون ثمّة هامش يسمح لفئة من الشعب العربي عموما والسوري خصوصا أن يدوّن اعتراضه المعلن دون خوفّ أو تحفّظ؟.
هل التفكير في توحيد الصفّ العربي على غرار اللقاء المصغّر شكلا، المدوّي مضمونا، هو تفكير باطل لا بدّ من تصويبه بالإرادة الإيرانية المتفاقمة بالمنطقة، والتي تكاد تكون ذات سيادة أكثر منها سياسة في القرار العربي، لعلّ السؤال تجاوز المتعارف عليه في ذهنية المكلّف الأمني على تصدير الرأي ووجهات النظر، لكن اليقين كلّ اليقين أنّ الرئيس الأسد الشاب المنفتح على الشاعرية السياسية الداعية إلى “الودّ” في العلاقات العربية لابدّ سيجد لها حاضنة مماثلة لمرحلة جديدة من العلاقة مع المثقّف الذي من حقه أن يسأل وقد آن له الأوان أن يجد لكل سؤال جواب.