ثورة مصر

لعبــة تبـديـل الأقنعـة لا تجـــدي

اسامة عرابي
لا تجدي لعبة تبديل الوجوه والأقنعة ما زال النظام المصري مصراً على انتهاج طريق المفلسة غير عابئ بحياة الناس وأوضاعها المتردية على مختلف الصعد، ولا بطموحاتها الوطنية والقومية، فأتى بوزارة ادعى انها جديدة وما هي بجديدة، بل هي في فحواها ومبناها إعادة إنتاج للسياسات الكارثية القديمة التي أدت الى اتساع دائرة الفقر وتقليص حجم السوق الداخلية، وتراجع النشاط الاقتصادي، وتدهور مستوى التنمية البشرية، نتيجة تخفيض الأنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية وارتفاع نسبة التفاوت الاجتماعي الأمر الذي أدى الى تدني الطلب والاستهلاك وتفاقم معدلات البطالة، وتسريح أعداد غفيرة من العمال والموظفين العموميين وقد احتفظت الوزارة المسماة زوراً وبهتانا بالجديدة بخمسة عشر وزيراً من عمد الوزارة السابقة وأركانها الأساسية، بالإضافة الى مجموعة اخرى مختارة من التكنوقراط الذين يتبنون النموذج النيوليبرالي الذي اسهم في عولمة لرأس المال المحلي والأجنبي في الاستثمار والنشاط التجاري وإزالة القيود التشريعية التي تحول دون تحكم الشركات المتعددة الجنسيات في سوق العمل، وبذلك يجيء موقف النظام المصري من انتفاضة 25 يناير المجيدة معبراً عن موقف متعثر لنظام مأزوم لا يؤمن بالحوار والتعددية ولا بدولة للقانون، ولو بمعناها النسبي مغلقا الباب امام أي إمكانية حقيقية للتواصل وإدارة الأزمة ومعالجتها ومن ثم فإن الطابع اللاديموقراطي للنظام السياسي القائم ليس طارئا عليه، بل هو طابع أصيل فيه بشكل المصدر الرئيسي للاستلاب الفردي والطبقي ولعسفه المدني والإداري.
جابر عصفور
من منا بقادر على ان ينسى الأداء السياسي والدبلوماسي المتواضع لوزير الخارجية أحمد ابو الغيط، من منا بقادر على ان ينسى مواقف وزيرة القوى العاملة السيدة عائشة عبد الهادي الناصرية سابقا التي قبلت يد قرينة رئيس الجمهورية أملا في إبقائها في منصبها وأعلنت انها بصدد إرسال ألفي سيدة مصرية للعمل خادمات في الكويت إسهاماً منها في حل مشاكل البطالة المستفحلة فضلاً عن دفاعها عن قانون العمل الموحد الذي اهدر مجمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي انتزعها العمال بتضحياتهم منذ منتصف القرن التاسع عشر ووقوفها الى جانب رجال المال والأعمال في التلاعب بمصالح العمال وتعريضهم للفصل التعسفي وحرمان اللجان النقابية من حق التفاوض الجامعي وإبرام عقود العمل المشتركة.
من منا بقادر على ان ينسى مواقف وزير التعليم العالي الدكتور هاني هلال المعادية لتطوير التعليم وتهجمه على زملائه أساتذة الجامعات المعارضين لنهجه الاستبدادي وسماحه لقوات الأمن بدخول جامعة عين شمس لضربهم والاعتداء عليهم بالشوم (العصي الثخينة) وتقديمهم للتحقيق، لأنهم تجاسروا ووزعوا حكم محكمة القضاء الإداري القاضي بإلغاء الحرس الجامعي الذي سام الطلاب والدكاترة كل صنوف الخسف؟ والعسف.
من منا ينسى تصريحات الدكتور جابر عصفور المؤيدة لمصادرة الروايات الثلاث المغدورة «قبل وبعد» لتوفيق عبد الرحمن و»أحلام محرمة» لمحمود حامد وأبناء الخطأ الرومانسي لياسر شعبان على يد وزير الثقافة السابق فاروق حسني، فضلا عن تدخله في عمل الناقد السينمائي الكبير مصطفى درويش إبان توليه رئاسة لجنة السينما في المجلس الأعلى للثقافة، مما دفعه الى تقديم استقالته والنأي بنفسه عن هذا المكان الملغوم وحرصه على ان يكون على رأس لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة، احد غلاة التقليد والاتباع، على الرغم من حديثه المتكرر عن حداثته وتفكيكيته، ناهيك عن هجومه على الكاتب صنع الله ابراهيم لرفضه جائزة مؤتمر الرواية والمدينة عام 2003 الذي اغضب مؤسسة الرسمية التي ابتدع لها ظاهرة سياحة المؤتمرات التي لم تنجح في استعادة بعض من شحوب الدور المصري المتآكل على الساحة السياسية العربية.
أما وزير الإعلام انس الفقي الذي تفاخر يوما بأنه تلميذ السيدة سوزان مبارك فهو صاحب فكرة إرساء قانون للرقابة على القنوات الفضائية العربية وتفريغ الإعلام من أي محتوى جدي فحدث ولا حرج.
ألم يترك الصحافيون فريسة الحبس الوجوبي بعد ان غلت يد المهنة وشلت بفضل ترسانة القوانين المقيدة للحريات الديموقراطية وعمليات اضعاف نقابة الصحافيين والحرص على عدم استقلالها، اقتصاديا، لتحافظ على ذيليتها للنظام وهيمنة الأجهزة الأمنية على مقاليد الأمور في المؤسسات الصحافية وتعيينها القيادات بدون كفاءة تذكر، حتى غدت مصر وفقا لتقارير منظمة «صحافيين بلا حدود» من أكثر الدول المعادية لحرية الصحافة في العام ومن اشدها اهداراً لحق المواطن في الاعلام الذي كفلته المادة 19 في كل من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان وللعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، مما أدى الى تراجع حرية النقد والتعبير التي اكدتها الدساتير المصرية منذ عام 1923 حتى عام 1971.
لذلك كان من البديهي في هذا المناخ الموبوء ان يتمسك النظام بوزير العدل ممدوح مرعي الذي ناصب نادي القضاة والقضاة الشرفاء العداء واستبعدهم من رئاسته، وحرص على ممالأة النظام في توسعه في اختصاصات القضاء العسكري، وسواه من أنواع القضاء الاستثنائي والانتقاص من حقوق المواطنين في التقاضي وجعل النيابة العامة تابعة لها وانفراده باختيار النائب العام وتعيينه ودفاعه عن قانون الطوارئ الذي سلب القضاء اختصاصه في رقابة اعلان الطوارئ، وضرب صفحا عن المليارات التي تنفق على إنشاء المعتقلات.
وعلى هذا النحو نستطيع أن نمضي في تعداد المثالب التي تشوب وزراء الفريق أحمد شفيق، لكنني أود ان أتوقف عند مزاعم النظام بأن الوزارة المسماة بالجديدة قد خلت من رجال الأعمال تماما، وأتت بآخرين مغايرين لتصوراتهم وأفكارهم، وهذا كذب صراح لأن التنمية الاقتصادية في مصر لا تحدد أجندتها الهموم الاجتماعية والمصلحة الوطنية، بل تأتي تنفيذاً لسياسات مفروضة عليها من قبل المؤسسات الرأسمالية الدولية تلبية لمقتضيات التوسع الرأسمالي العالمي ومتطلبات نموه التي تأتي دائماً على حساب الجماهير الشعبية وسقطت بذلك الدعاوى الزائفة التي روجت طويلاً لمرونة سوق العمل ورومنطيقية شروطه ومن ثم انقشع الوهم عن مشروعات وهمية ينهض به الصندوق الاجتماعي للتنمية أدت الى حبس الشباب وعدم قدرتهم على دفع الأقساط المطلوبة. أما طرقنا ومناهج الخروج من الوادي وغز والصحراء فجاءت منحازة لرجال الأعمال العرب، ليتملك الأمير الوليد بن طلال حوالى 300 ألف فدان من الأراضي الخصبة في توشكا بينما خصصت للشيخ غازي الصقعبي الكويتي في الأراضي الواقعة على الفرعين 3 و4، وتصل مساحتها الى 250 ألف فدان، في الوقت الذي رفض فيه تمليك أراض لمستثمرين مصريين بهذه المساحات، وراحت الحكومة تبيع مشروع أراضي الشباب في الصالحية لشركة قطاع خاص تعمل في مجال المضاربة في أسعار الأراضي والعقارات تدعى شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار، وحرمت الشباب من فرص العمل فيها، وحل أزمة بطالتها، وعلى هذا النحو مضت سائر المشروعات بما أقنع شبابنا بضرورة تبني استراتيجية وطنية وخطة تنمية متكاملة تنسجمان واحتياجات المجتمع، وإرساء بنية سياسية ديموقراطية تمكن المجتمع من تفعيل دور السلطة التشريعية والرقابة الشعبية في مكافحة هدر الموارد والإسراف ونهب المال العام ولتوسيع المشاركة وتحمل أعباء المواجهة، لذلك خرج الجميع الى الساحات والميادين العامة نافضين عن كواهلهم وهو ما يفسر لنا الأهمية التي علقتها اميركا وإسرائيل على ضرورة إنجاز تسوية سياسية تحقق لها الأهداف المتوخاة من ورائها، وهي تصفية القطاع العام وتعميق التبعية لها، من خلال ما عرف في مصر بالانفتاح الاقتصادي، وفتح قناة السويس وإعمار مدن القناة الثلاث على نحو ما عبرت عنه بوضوح اتفاقيتا الفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية عام 1974 واتفاقية كامب دايفيد عام 1979، وهنا يبدو لنا دور البنك وصندوق النقد الدوليتين في تنفيذ هذه السياسة، من خلال تقديم القروض السخية الى حلفاء أميركا الطبيعيين وحجزها عن الدول التي تحتفظ باستقلالية قرارها الوطني، عن طريق سياسات حمائية لمشروعاتها الصناعية.
لقد جرى الربط دائماً بين تقديم القروض والمنح والمعونات، وبين تطبيق شروط برامج التكيف الهيكلي التي افضت الى اغتيال الصناعة الوطنية والصناعات الصغيرة والمتوسطة، والى الكساد وارتفاع أسعار الخامات والكهرباء وضريبتي المبيعات والأرباح التجارية والمصروفات الإدارية للشركات فأفلس المنتجون وأغلقت الورش وسرحت العمالة وانهارت الفئات البينية واضطلع خريجو الجامعات وحملة الشهادات المتوسطة بأعمال هامشية ومهن طفيلية ولم يعد هناك تخطيط بمقدوره استيعاب المعادلة القائمة على ذلك الارتباط بين مخرجات التعليم وسوق العمل غبار الخوف، بعد أن سدت في وجوههم الدروب والسكك، ووقف النظام القائم في مصر حائلاً بينهم وبين المستقبل.
(القاهرة)
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى