عن التفجيرات الانتحارية لطلال أسد: إستحالة معالجة الإرهاب بالإرهاب المقابل
خالد غزال
شكلت هجمات 11 ايلول الانتحارية على الولايات المتحدة منعطفا اساسيا في السياسة الاميركية خصوصا وفي السياسة العالمية عموما، إذ اعتبرت مدخلا الى صراع مع الارهاب وحجة في توسيع النفوذ الاميركي في ما يتجاوز
التصدي له، نحو هيمنة اميركية اكبر في السياسة والجغرافيا. لكن الجديد بروز احكام سياسية عامة طالت العالمين العربي والاسلامي رأت ان هناك “ثقافة موت اسلامية” تزحف على المجتمعات الغربية الديموقراطية الطابع، فارتفع شعار “لماذا يكرهوننا”؟ ليأتي الجواب الاميركي ان اصحاب العمليات الانتحارية والمنظّرين لها ينطلقون من ايديولوجيا تعادي الديموقراطية والتقدم الذي استطاع الغرب ان يحققه. وفي هذه المناسبة، ظهر ادب غزير اتسم بعضه بالموضوعية، فيما نحا القسم الغالب في قراءة ذاتية عنصرية حول الاسباب والعوامل التي تدفع الشباب الى الانخراط في تنفيذ عمليات انتحارية. يشكل كتاب طلال اسد “عن التفجيرات الانتحارية” الصادر لدى “المركز الثقافي العربي”، ترجمة فاضل جتكر، مساهمة موضوعية في هذا المجال.
اولى النتائج التي افرزتها العمليات الانتحارية كانت داخل المجتمعات المتقدمة وفي مقدمها الولايات المتحدة، وتمثلت في التضييق على الحريات وتشديد عمليات المراقبة والقمع والتفتيش بحجة الاجراءات الامنية. يذهب معلقون الى ان الادارة الاميركية كانت تحتاج الى مثل هذه العمليات لتأخذ مبررا لعمليات التقييد التي كانت ترغب في تطبيقها قبل حدوث التفجيرات. وقد انتقلت عدوى الرقابة هذه الى دول اوروبية متعددة، مما اوجد حالة من التذمر لدى غالبية الشعوب الاميركية والاوروبية.
ثانية النتائج واخطرها ما خرجت به ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش في شنّ حروب استباقية في ارض العدو بالذات منعا لوصول الخطر الى الداخل الاميركي. ترافق ذلك مع نظرية الحروب العادلة التي تتسبب بالتدمير البشري، لكن اهميتها انها تضع حدا للإرهاب او تقلصه. في هذا المجال، يقدم طلال اسد مرافعة تساوي الحرب العادلة بالعمليات الارهابية التي تقوم بها الحركات المتطرفة. بل يذهب الكاتب الى القول ان لا مقارنة بين الاثار التدميرية للعمليات الارهابية والدمار الذي يخلّفه قصف المدنيين بالطائرات الحربية، ويورد امثلة من الحرب العالمية الثانية او من الحروب التي تنخرط الولايات المتحدة فيها، ليخرج بنتيجة ترفض تشريع ارهاب الدولة في مقابل ادانة ارهاب المتطرفين، بما يعني ادانة العملين في المستوى نفسه.
لم تقتصر ردود الفعل على الجوانب العسكرية، بل شكلت هذه العمليات الانتحارية مناسبة لنظريات فكرية سياسية كان ابرزها ما قال به هنتنغتون في شأن “صراع الحضارات” معتبرا ان العالم يواجه صراعا بين الحضارة الغربية ذات الطبيعة الديموقراطية، وبين حضارات شرقية تعمل لتدمير حضارة الغرب، وجرى تصنيف الاسلام والهندوسية والبوذية من الحضارات المعادية والمنخرطة في حرب مع الغرب. يرفض الكاتب كل مقولة “صراع الحضارات” منطلقا من اعتبار انه ليس هناك وجود لمجتمعات مغلقة ذاتيا تعكس قيما حضارية ثابتة، كما انه ليس هناك من حضارة صافية يتسم بها هذا القسم من العالم او ذاك. فكل دراسة لتاريخ الحضارات تثبت تداخلها وتلاقحها ، وفي كل حضارة يوجد اثر لحضارات سابقة، اي هناك حضارة انسانية شاملة، وهناك في المقابل تجليات لها في كل بلد. يتصل تقدم الحضارة بعوامل ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية بحيث يوجد تفاوت فعلي بين هذا البلد او ذاك. لذا تبدو نظرية صراع الحضارات موضوعة في خدمة تشريع الاعمال الارهابية للدولة هذه المرة وللسياسة الاميركية تحديدا في ما تدعيه من مكافحة للارهاب.
يشير طلال اسد الى ادب غزير في تفسير دوافع الانتحار الذي يقدم عليه الشباب، فيرى ان التفسيرات تنوعت بين التبرير الديني او التفسير السيكولوجي او التفسيرات الاقتصادية المتعلقة بالفقر والامية وغيرها من العناصر المشابهة. يجادل في التفسير الذي يقدمه برنارد لويس الذي يذهب الى تفسير العمليات الانتحارية بانها حصيلة الاخفاق في عملية التحديث في العالمين العربي والاسلامي، مفندا هذا التفسير بأمثلة مستقاة من عمليات انتحارية جرى تنفيذها في بلدان متقدمة مثل اليابان والولايات المتحدة نفسها. لا ينكر اسد ان الدوافع هي مزيج من الايمان الفعلي بالقضية التي يتوجه الانتحاري لقتل نفسه من اجلها، بصرف النظر عن صحة الدافع أو لا، ومن الاحباط والعجز عن التغلب على الخصم الذي قد يكون دافعا اساسيا للانتحار، ويعطي مثلا على ذلك العمليات الانتحارية التي ينفذها فلسطينيون ضد المدنيين الاسرائيليين، والتي تشكل ردا على العنف الاسرائيلي غير المحدود، وعلى رفض اسرائيل اعطاء الفلسطينيين الحد الادنى من حقوقهم.
يذكّر الكاتب بأن العمليات الانتحارية ليست حديثة العهد او مرتبطة بالتطرف الاصولي الحديث، بل تعود الى زمن سحيق من تاريخ الشعوب منذ عملية شمشون الذي يرى عمله تجسيدا للانتحار. اما في العصر الحديث، فإن اليابانيين المعروفين بالكاميكاز نفذوا عمليات انتحارية ضد الجيش الاميركي في الحرب العالمية الثانية، ويرى أنها ناجمة عن استراتيجية يائسة تم ابتداعها نهاية الحرب العالمية الثانية ردا على التفوق العسكري للاميركيين، ومحاولة لتقويض الروح المعنوية للجيش الاميركي.
النهار