الدور التركي في المنطقةصفحات العالم

التوجه التركي في العهد الأميركي الجديد.. إلى أين؟

محمد نورالدين
مثلت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تركيا  يومي 6 و7 أبريل/ نيسان مؤشرا على احتمال بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين بعد مرحلة عاصفة ومتوترة مرت بها العلاقات في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش بين عامي 2000 و2008.
لكن تركيا التي زارها الديمقراطي أوباما اليوم ليست تلك التي عرفتها الإدارة الأميركية في عهد الديمقراطي الآخر بيل كلينتون، رغم أن فريق عمل أوباما يكاد يكون نفسه في عهد كلينتون وفي مقدمه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وريتشارد هولبروك وغيره.
ومع ذلك يمكن القول إن تركيا لا تزال تمثل لأميركا الأبعاد التالية:
1. هي شريك في منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) ويخدم هذا بالتالي أهداف الحلف.
2. صديق وربما شريك لدولة إسرائيل الابن المدلل لأميركا والغرب.
3. نظام علماني نموذج في مواجهة الأنظمة الدينية المتشددة.
تبدل الأهداف التركية
أوباما والسياسة الجديدة
استعداد تركيا للتماهي مع التطلعات الأميركية الجديدة؟
المتوقع من تركيا
توصيات
تبدل الأهداف التركية
غير أن المرحلة التي شهدت سيطرة حزب العدالة والتنمية على السلطة في تركيا منذ العام 2002 ولا تزال، عرفت تغيرات جذرية في السياسة الخارجية من أهم علاماتها:
1. خروج تركيا من أن تكون شريكا بنيويا لأميركا والغرب في محيطها الإقليمي والدولي.
2. اتباع تركيا سياسة تعدد الأبعاد التي عنت عدم الانغلاق في محور معين، والبقاء على مسافة واحدة من جميع المحاور.
3. تعامل تركيا مع كل قضية على حدة ووفقا لمعطياتها الخاصة.
والأهم أن هذا التوجه عكس رؤية “أيديولوجية” لمكانة تركيا الإستراتيجية في محيطها الإقليمي وفي العالم في ضوء متغيرات ما بعد الحرب الباردة، ولم تكن مرتبطة بأحداث مفصلية مثل 11 سبتمبر/ أيلول أو احتلال العراق.
فوارق سياسة تركية أميركية
1. مس احتلال أميركا للعراق بتوازنات مواتية لتركيا، حيث ضرب بهذا أول دولة مركزية في المنطقة، مما شكل قلقا من احتمال محاولة ضرب الدول المركزية الأخرى ومنها تركيا.
2. مسّ فعل الاحتلال بالأمن القومي التركي في خاصرته الرخوة، أي وحدة الأراضي التركية عندما أنشأ كيانا كرديا رسميا معترفا به في الدستور العراقي شمال العراق، وقد يشكل نموذجا أو مركز جذب لأكراد تركيا.
3. حمى الاحتلال وجود ما بين 4 و5 آلاف مسلّح من حزب العمال الكردستاني  شمال العراق.
4. قسّم بوش العالم إلى محوري الخير والشر، محركا بذلك بؤر توتر محاذية لتركيا مثل إيران وسوريا.
ملاحظات أولى
1. لم يقتصر الانزعاج التركي من سياسات واشنطن على فئة دون أخرى بل كان اعتراضا جامعا، سواء من حزب العدالة والتنمية الحاكم أو من المؤسسة العسكرية.
2. لم تكتف تركيا بالاعتراض على هذه السياسات بل طورت اعتراضها بالتنسيق مع دول وقوى من “محور الشر” مثل إيران وسوريا ولا سيما في الملف الكردي.
3. اتبعت تركيا سياسة مضادة للسياسات الأميركية “العنيفة” بأن نشّطت الجانب التفاوضي في المشكلات الإقليمية والداخلية، وشجعت على انتهاج الحوار لحل المشكلات.
مواقف متعارضة
تعارضت المواقف التركية والأميركية في عدد كبير من الملفات:
1. رفضت تركيا عزل ومحاصرة سوريا بعد احتلال العراق واغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري.
2. عارضت تركيا استخدام القوة أو فرض الحصار على إيران على خلفية البرنامج النووي الإيراني.
3. رفضت الواقع التقسيمي الجديد في العراق.
4. كانت ضد طريقة التعاطي الأميركية مع ملف حزب العمال الكردستاني المحمي والمسلّح -وفقا للأتراك- من جانب واشنطن وأكراد العراق.
5. وقفت على الحياد في الملف اللبناني.
6. رفضت عزل حركة حماس وأصرت على التعامل معها بوصفها سلطة شرعية منتخبة، ونددت بشدة بالعدوان الإسرائيلي على غزة وما سبقه السنوات الأخيرة في فلسطين.
7. رفضت إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، ودعت لمعالجة القضية الأفغانية بوسائل أخرى سلمية واقتصادية، ودعت إلى محاورة حركة طالبان.
8. وقفت على الحياد في أزمة القوقاز بين روسيا وجورجيا، بخلاف موقف بوش المعروف بحمايته جورجيا.
أوباما والسياسة الجديدة
جاء أوباما وهو يرث كل هذه التركة الثقيلة المنحدرة من حقبة بوش، ومن أبرز توجهاته:
1. طرح الحوار نهجا لحل المشكلات الإقليمية والدولية، وفيما خص الشرق الأوسط حدد أوباما قضيتين بعينهما: إيران وسوريا.
2. ورث أوباما نظرة كل من زبيغنيو بريجنسكي وبرنت سكوكروفت إلى أهمية منطقة أوراسيا وخصوصا في بعدها المتعلق بالطاقة، في السيطرة على العالم. وهنا تبرز تركيا كأحد أدوات تجسيد هذه النظرة.
3. تركيز أوباما على أفغانستان كأولوية في مكافحة “الإرهاب”.
أي دور لتركيا من الزاوية الأميركية؟
1-  إذا كان أوباما جادا في حل المشكلات عن طريق الحوار فسيجد في أنقرة حزب العدالة والتنمية أكبر معين له، لأن سياسة تركيا ارتكزت في السنوات الأخيرة في ظل هذا الحزب على عامل التواصل مع الجميع، واكتسبت تركيا صفة الوسيط في عدد كبير من الملفات، فهي الوحيدة التي على صلة قوية وجيدة مع جميع الأطراف، من فلسطين وإسرائيل إلى إيران وسوريا وباكستان وأفغانستان، وحتى روسيا وجورجيا. ويمكن لأوباما أن ينطلق اعتمادا على الدور التركي، بدلا من البدء من الصفر.
2-  إن تركيا لا تزال تمثل لواشنطن عنصرا حيويا في تنفيذ الإستراتيجيات الأميركية والغربية في المنطقة، ولكن كثرت التحليلات التي تقول إن تركيا تشهد انعطافة قد تنقلها من موقعها التقليدي في المحور الغربي إلى موقع جديد أقرب إلى الشرق بل حتى إلى دول “الممانعة” خاصة وأن استطلاعات الرأي ومواقف المسؤولين الأتراك تشير إلى التغير في المزاج التركي سلبيا من الولايات المتحدة بعد حقبة بوش.
ومن هنا فإن أحد أهم أسباب زيارة أوباما إلى تركيا هو محاولة استعادة تركيا إلى حضنها الغربي السابق، وكبح جماح انعطافتها نحو الشرق والعالم الإسلامي.
3-  يهيئ أوباما وإدارته الجديدة لإعادة تموضع شاملة في مناطق التوتر من البلقان إلى وسط آسيا مرورا بالقوقاز والشرق الأوسط. وتركيا هنا تقع في موقع المؤثر والفاعل بكل القضايا التي تقع في هذه الجغرافيا الواسعة، ودورها مساعد وضروري لنجاح إعادة التموضع هذه. وزيارة أوباما محاولة لإعادة الاعتبار للدور التركي في هذه المناطق والذي تعرّض للتهميش أو الاستعلاء من جانب إدارة بوش.
4-  إن اختيار تركيا لأول زيارة لأوباما إلى بلد مسلم ولثاني زيارة إلى بلد خارجي (بعد كندا) وبعد شهرين ونصف الشهر فقط على انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، هي محاولة من أجل تحسين صورة أميركا المتآكلة والمتهالكة في العالم الإسلامي جراء المرحلة السابقة.
5-  وهي أيضا محاولة لتخفيف سلبية الصورة الأميركية بالمرحلة المقبلة، لأن حروب أميركا لم تنته ومسرحها كلها هو الجغرافيا الإسلامية، حيث أضاف أوباما إلى خارطة حروب أميركا منطقة جديدة هي باكستان. وأعلن هذا التوجه بنفسه أثناء عرض إستراتيجية الحرب في أفغانستان وباكستان، حيث قال إن باكستان “أخطر منطقة في العالم” (!).
6-  وكذلك اتخاذ أوباما لتركيا مكانا لتوجيه رسالة إيجابية للعالم الإسلامي هي دعم مباشر للنموذج التركي العلماني في العالم الاسلامي كنموذج، وإيلاء للريادة التركية في هذا العالم.
7-  ولا يمكن تجاهل أن من أهم أهداف استعادة تركيا إلى المعسكر الغربي هو عدم تحوّلها إلى طرف سالب في علاقتها بإسرائيل، لا سيما بعد أحداث غزة الأخيرة، بعدما كانت أنقرة ولا تزال تمثل إلى حد كبير، أكبر اختراق غربي إسرائيلي للعالم الإسلامي.
استعداد تركيا للتماهي مع التطلعات الأميركية الجديدة؟
أخرج الخطاب الرسمي الأميركي من قاموسه حتى الآن مصطلحات كانت تثير حساسية وغضب الأتراك، فلم تعد ترد مصطلحات: استخدام القوة ولا محور الخير والشر ولا الحرب على “الإرهاب”.
وهذا بلا شك يشكل إشارات تحفز أنقرة للتجاوب مع واشنطن وتوفير فرصة لها لتجسيد تطلعاتها الجديدة.
وبعد سنوات ثمان عجاف في العلاقة التركية الأميركية لا تريد أنقرة أن تقطع الطريق على الفرصة الجديدة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.
غير أن النوايا وحدها لا تكفي، فستعمل أنقرة على تشجيع المناخ التفاؤلي الجديد في العلاقات الثنائية وفي المنطقة، وستتعامل مع نتائج زيارة أوباما وفقا لسياسة الكرة المتدحرجة أو نظرية الدومينو التي تقول إن اختراقا في ملف ما يفتح الباب أمام إمكانية اختراق في ملف آخر وهكذا.
وكما لم تعتمد أنقرة التعامل مع كل الملفات وفقا لمعيار واحد مسبقا، فإنها ستستمر في اعتماد هذا النهج ولن تشترط التعاطي مع سياسة أوباما تجاه الملفات على أساس المقايضة الشاملة، فكل منها على درجة من التفاوت بحيث يتعذر وزنها بالميزان نفسه.
ولا شك أن أولويات أنقرة، بل هاجسها الرئيس ينطلق بداية من الملفات التي تمسها مباشرة وهو ما نسميها الدائرة الاولى.
في الدائرة الأولى تريد
1. تعاونا أميركيا لإنهاء مشكلة حزب العمال الكردستاني في العراق، وقد تعهد أوباما بالتعاون ضد “إرهاب ” العمال الكردستاني لكنه لم يفصح عن آليات هذا التفاهم. وفي الوقت نفسه ربما يكون أوباما قد أزعج الأتراك بدعوته إلى منح أكراد تركيا فرصة للتساوي مع المواطنين الآخرين واستخدام لغتهم وثقافتهم وما إلى ذلك.
2. ضمانة لدور تركي أمني واقتصادي في العراق وفي شماله تحديدا، بحيث تكون تركيا، وليس عمليا بغداد، هي المسؤولة أو الراعية للأمن هناك بعد الانسحاب الكامل للقوات الأميركية، منعا لانتقال أكراد شمال العراق إلى مرحلة الدولة المستقلة. وهنا أيضا يمكن القول إن الأتراك ليسوا راضين كثيرا عن مواقف أوباما عندما رد على سؤال حول ما إذا كان مع دولة كردية في العراق بقوله “أنا مع وحدة الأراضي التركية” (التركية وليس العراقية).
3. تدخل أميركي للمساعدة لحل المشكلة بين أرمينيا وتركيا وبين أرمينيا وأذربيجان، وبالتالي إيجاد صيغة مناسبة لمسألة مطالبة الأرمن الاعتراف بـ”الإبادة” عام 1915، وعدم اعتراف الكونغرس بالإبادة. وهنا مشى أوباما على حد السكين، فإذا كان قد رضخ لضغوط المصالح الأميركية في حاجتها لتركيا فلن يعترف رسميا بالإبادة الأرمنية، إلا أنه قال علنا في تركيا إنه لم يغير موقفه الشخصي من المسألة (أي اعتباره أحداث 1915 “إبادة”) وهذا موقف جديد يحصل للمرة الأولى مع رئيس أميركي، وهو ما لا يثير ارتياح الأتراك.
4. تدخل الولايات المتحدة لمنع استمرار المسألة القبرصية عقبة أوروبية أمام مسيرة مفاوضات العضوية التركية للاتحاد الأوروبي.
في الدائرة الثانية
من الأهداف التركية في التعاون مع إدارة أوباما تكمن القضايا التي تقع في المحيط الإقليمي المباشر لتركيا، والتي تنعكس توتراتها سلبا عليها، ومنها:
1. عدم اللجوء إلى القوة لحل مسألة البرنامج النووي الإيراني.
2. تشجيع مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل.
3. فتح قنوات اتصال بين أميركا وحركة حماس.
4. حل المشكلة الأفغانية على أساس الحوار مع حركة طالبان.
المساومة بين الأولويات
لا شك أن أولويات تركيا هي لدائرتها الأولى المباشرة، وهذا أمر طبيعي. ولكن هل يمكن أن تلبي أميركا بعض المصالح التركية على حساب تبدل موقف تركيا في ملفات الدائرة الثانية؟
إذا كانت الولايات المتحدة تريد استمرار السياسات السابقة المنحازة ضد فلسطين وحماس وسوريا وإيران وما إلى ذلك، فإنها سوف تراهن على مثل هذه المقايضة التي لن تجد قبولا واسعا لدى القيادة التركية، لأن تخلص تركيا من ملفات مثل “حزب العمال الكردستاني” و”المسألة الأرمنية” لا يمكن أن يكون على حساب تنازل تركيا عن إقامة علاقات جيدة وممتازة مع إيران وسوريا أو الدفاع عن القضية الفلسطينية. لذا يجب هنا الأخذ في الاعتبار:
1- إن تركيا ستسعى ليس لأن تتغير هي، بل لأن تغيّر السياسات الأميركية أو على الأقل التقليل من غلوائها. والمواقف المعلنة على الأقل خلال زيارة أوباما عكست هذا الواقع. أي أن هناك اقترابا أميركيا من المواقف التركية وليس العكس.
2- إن سياسة تركيا الجديدة في “تعدد الأبعاد” سابقة على سياسات جورج بوش. وهي تنطلق من قاعدة وقناعة أيديولوجية نظرية تولي أولوية لعمق تركيا التاريخي والجغرافي، وأظهرت الوقائع الميدانية -وهذه نقطة مهمة جدا- أن هذه السياسة هي التي منحت تركيا وأكسبتها الثقل الجديد في الشرق الأوسط، وفي ظل سياسات جورج بوش العدائية والعدوانية من تركيا ومن غير تركيا، وفي ظل تعرضها لضغوط هائلة من أميركا والغرب، لم تغير في مواقفها تلك، ومع ذلك لم تفقد هذه السياسة الوسطية أهمية تركيا ودورها لدى الغرب وإسرائيل. لذا فإن أي تقارب تركي أميركي في عهد أوباما، الأقل عدوانية، في قضايا الدائرة الأولى، لن يكون على حساب المواقف التركية الوسطية السابقة، أو يعني العودة إلى المربع السابق على سياسة “تعدد الأبعاد” لأن هذا يعني ببساطة الإطاحة بكل المكاسب التركية السنوات الأخيرة.
المتوقع من تركيا
وانطلاقا من ذلك ومن أن إدارة أوباما تريد تفكيك ألغام الشرق الأوسط، يمكن توقع ما يلي:
1. إن تركيا مستعدة للمشاركة في استئناف جهود الوساطة بين سوريا وإسرائيل. وهذا ليس موقفا جديدا بل استمرار للموقف التركي المعروف والمعهود.
2. تركيا مستعدة للمشاركة في جهود الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
3. تركيا مستعدة للتقريب بين إيران وأميركا.
4. تركيا مستعدة للوساطة في الأزمة الأفغانية.
في المقابل
1- بسبب تداخل المصالح المشتركة لاسيما في المجال الأمني ووحدة الموقف من المسألة الكردية، وهي جوهرية، لا يمكن التوقع من تركيا أن تمارس ضغوطا سلبية على سوريا أو إيران  لحملهما على تعديل مواقفهما، بل في أقصى الأحوال ستمارس ضغوطا إيجابية ليس أكثر. وبالتالي لا يمكن توقع أية مقايضة تركية مع أميركا على حساب العلاقات الجيدة مع سوريا أو مع إيران.
2- إن الدور التركي  الوسيط  في الشرق الاوسط  تحديدا، كما كان من قبل، سيكون أيضا مساعدا وليس أساسيا. أي بإمكان تركيا أن توفر دورا لوجستيا أو ناصحا أو محذرا وليس أكثر. إذ لا تملك تركيا أوراق ضغط على الأطراف المتحاورة للتوصل إلى اتفاق، كما لا تملك القدرة على حماية أي اتفاق قد يتم التوصل إليه بين الأطراف المتنازعة. وهذا كان من أسباب فشل المفاوضات بين سوريا وإسرائيل كما بين محمود عباس وإسرائيل. وقد أعلن الرئيس السوري مرة أنه يريد أن تنتقل المفاوضات إلى الرعاية الأميركية المباشرة، لذا لا يمكن لتركيا أن تمارس دورا أكبر من قدرتها وإمكاناتها، ولا ترغب في ذلك أيضا لأن الفشل سيكون في هذا الحالة مضاعفا.
3- إن أقصى ما تطمح تركيا إليه في ظل أي مقايضة محتملة هو انتزاع اعتراف بدور قوي في العراق، اتصالا بملف حزب العمال الكردستاني وأكراد العراق والتعاون الاقتصادي. وفي هذا المجال ليس واضحا بعد ما تريده أميركا من تركيا.
4- ويستبعد كلية أي مساومة أو مقايضة تركية مع أميركا على حساب المصالح الشرعية للشعب الفلسطيني أو خلافا لما يتفق عليه الفلسطينيون، خصوصا في ظل استمرار حزب العدالة والتنمية في السلطة بمعزل عمن يحكم في إسرائيل، بل سيزداد الاحتضان التركي للشعب الفلسطيني وحركة حماس مع وصول بنيامين نتنياهو وحكومته الأكثر تطرفا من سابقتها.
5- لذا فإن المسرح الرئيسي للتحول الإيجابي في العلاقات التركية الأميركية بعد زيارة أوباما لن يكون الشرق الأوسط وخصوصا بعد وصول حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية الرافضة لحل الدولتين، بل سيكون مسرح التحول الرئيسي في أفغانستان وباكستان والعراق والقوقاز وقضايا الطاقة. وهذا لا يعني عدم القيام بمحاولات جدية في الشرق الاوسط للإدارة الأميركية الجديدة بالتعاون مع تركيا، إلا أن مساحة النجاح للتعاون التركي الأميركي ستكون أوسع مجالا وأكثر قابلية للتطبيق في ملفات أخرى خارج المسألة الفلسطينية تحديدا.
توصيات
انطلاقا مما تقدم، يمكن أن نشدد على النقاط التالية:
* على العرب والإعلام العربي عدم التشكيك بنوايا حزب العدالة والتنمية في سياسته الشرق أوسطية التي كانت إلى جانب العرب في أصعب الظروف والتي لا نتوقع تبديلا دراماتيكيا فيها كما عرضنا.
* تشجيع تركيا على استمرارها في هذا الدور الإيجابي من خلال إظهار المكاسب التي تجنيها منه معنويا على صعيد صورتها لدى الرأي العام العربي والإسلامي، واقتصاديا وثقافيا، وبالتالي قطع الطريق أمام أي محاولة تركية لتغيير سياساتها التي اتبعتها خلال السنوات الماضية.
تحفيز تركيا، بناء لمكاسب سياساتها السابقة، على أن تمارس هي ضغوطا على الإدارة الأميركية لتغيير مواقفها من القضايا العربية والإسلامية لاسيما في القضية الفلسطينية. ويمكن هنا البحث في جهد مشترك عربي تركي للتباحث مع الإدارة الأميركية في آفاق تسوية النزاع العربي الإسرائيلي، بما يساهم في تكوين حالة ضغط أوسع من الساحة العربية، خاصة في ظل عجز العرب عن إثبات الحضور والاستقالة من مسؤولياتهم التاريخية، فغابوا عن الدور الذي ملأه الآخرون.
* تشجيع منح تركيا دورا أكبر في العراق يخدم الحفاظ على وحدته، على ألا ينتقص هذا الدور من سيادة العراق واستقلاليته وأن يكون بالتنسيق مع حكومة بغداد.
* عدم تحريض العرب، أنظمة وإعلاما، تركيا على الانحياز لطرف عربي دون آخر.
* عدم تخوف أي طرف عربي من تنامي الدور التركي لأنه، من جهة، يمنح الوضع العربي المنقسم والمنهزم عنصر قوة لا عنصر ضعف، ولأنه لن يكون في ظل استمرار حزب العدالة والتنمية في السلطة، على حساب الحقوق العربية التاريخية في فلسطين.
* عدم المحاولة في توظيف هذا الدور لصالح طرف عربي معين ضد إيران، لأن مثل هذا التوظيف يضعف العرب تجاه أميركا وإسرائيل، فضلا عن أن تركيا ليست في وارد الدخول في لعبة المحاور، وإن لعبتها فلصالحها هي وليس لصالح أي طرف عربي.
أكاديمي لبناني متخصص في الشأن التركي
الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى