التفاوض السوري الإسرائيلي

سوريا وإسرائيل… ضباب على الطاولة!

null
باتريك سيل
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في تصريح له الأسبوع الماضي، إنه من المتوقع جدّاً أن تمهد المحادثات غير المباشرة التي تجريها بلاده حالياً مع سوريا، عبر وساطة تركية، الطريق لتحولها إلى محادثات مباشرة. وقد فسر ذلك التصريح من قبل الكثيرين، على أنه إشارة مؤكدة على إحراز تقدم في تلك المحادثات. ولكن بلفت الأنظار إلى المحادثات الثنائية التي تجريها بلاده مع دمشق، ربما أراد أولمرت أن يصرف الاهتمام عن مشكلاته وأزماته الداخلية، إذ لا يزال يصارع من أجل الدفاع عن نفسه أمام عدد من اتهامات الفساد المدمرة لمستقبله السياسي. هذا ويرجح الكثير من المراقبين للمشهد السياسي الإسرائيلي، ألا يتعدى بقاء أولمرت في رئاسة الوزراء الإسرائيلية مدة لا تتجاوز موسم الصيف الحالي.
ومهما تكن الأسباب والدوافع التي انطلق منها أولمرت في ذلك التصريح، فإن المؤكد أن مزاجاً سياسيّاً جديداً بدأ يعم منطقة الشرق الأوسط، مع دخول سوريا إلى مركز حلبة النشاط الدبلوماسي. وفيما يبدو فقد كانت لدمشق يدٌ في اتفاق التهدئة الذي أبرم مؤخراً بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة، وهو دور مشابه لما لعبته دمشق في “اتفاق الدوحة” الذي توصلت إليه الفصائل اللبنانية المتناحرة، والذي يتوقع له أن يسفر خلال الأسبوع الحالي، عن تشكيل حكومة وحدة وطنية لبنانية، بعد مخاض طويل من التأجيل والصراع والتطاحن بين شتى الأطراف.
وبالقدر نفسه تمكنت دمشق وفي خطوة سريعة مفاجئة، من تحسين علاقاتها مع كل من فرنسا وألمانيا، على رغم البرود القاتل الذي أبدته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إزاء دمشق في وقت مبكر من العام الجاري. وبالنتيجة فإن من المرتقب رؤية وفود رفيعة المستوى من كلتا الدولتين الأوروبيتين في دمشق قريباً جداً، إن لم تكن قد وصلت سلفاً إلى هناك. وفي خطوة مماثلة زار وزير الخارجية النرويجي “يوناس جاهر ستور” العاصمة السورية في الأيام القليلة الماضية، وهو معروف بحماسه ودوره في عملية سلام الشرق الأوسط.
هذا ويتوقع أن يزور الرئيس السوري بشار الأسد العاصمة الفرنسية باريس في 12 يوليو الحالي، لإجراء محادثات مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، وكذلك لحضور قمة “الاتحاد المتوسطي” التي يتوافد إليها ما يزيد على 40 من رؤساء الدول والحكومات، وهي من أهم المشروعات السياسية التي يرعاها الرئيس الفرنسي.
ووفقاً للمراقبين الدبلوماسيين للمحادثات الإسرائيلية/ السورية، فقد تمكن الجانبان حتى الآن من مراجعة وتحديث ما تم التفاوض عليه من قضايا بينهما في عام 1990، حيث أوشك الطرفان على التوصل إلى اتفاق فيما بينهما.
أولى تلك القضايا: تعهد إسرائيل بالانسحاب الشامل من أراضي مرتفعات الجولان في إطار اتفاق سلام يبرم بين الجانبين، تلتزم فيه سوريا، في المقابل، بمراعاة الهواجس الأمنية الإسرائيلية والتصدي لها. والثانية: الاتفاق على ترسيم الحدود النهائية بين البلدين. والثالثة: وضع جدول زمني لانسحاب المستوطنين الإسرائيليين من الجولان. والرابعة: التوصل إلى اتفاق ثنائي بشأن الترتيبات الأمنية المستقبلية بين البلدين. وتشمل هذه الترتيبات، الإعلان عن مناطق غير عسكرية في جانبي الحدود المشتركة بين البلدين، إلى جانب تحديد مناطق أخرى ذات وجود عسكري محدود، إضافة إلى إقامة محطات للإنذار المبكر على جانبي الحدود المشتركة. والخامسة: التفكير في احتمال إنشاء “متنزه سلمي” في الشاطئ الشمالي الشرقي من بحيرة طبرية، على أن يكون مفتوحاً أمام الجمهور السوري والإسرائيلي على حد سواء.
غير أن مصادر دبلوماسية يؤيدها عدد من المراقبين والمحللين السياسيين لتطورات هذه المحادثات، ترجح أن تتطلب هذه المحادثات جهداً تفاوضيّاً خارقاً وماراثونيّاً، ما يجعل من احتمال استمرارها حتى العام القادم أمراً شبه مؤكد. وفيما لو استمرت المحادثات حتى العام المقبل، فلاشك أنها ستحظى بتدخل أميركي مُواتٍ في وقته تماماً. وللسبب عينه، يتطلع كلا طرفي المحادثات إلى ما ستسفر عنه المعركة الفاصلة للانتخابات الرئاسية الأميركية في شهر نوفمبر المقبل، وإلى طبيعة الإدارة التي ستخلف إدارة بوش الحالية في البيت الأبيض، في مطلع العام المقبل. ولكلا الطرفين أسبابه ودوافعه وتوقعاته وراء هذا التطلع بالطبع.
أما عن المرحلة التي بلغتها المحادثات المشتركة بين الجانبين في طورها الحالي، فيقول مراقبوها الدبلوماسيون والسياسيون، إنها تركزت حول أجندة التفاوض بحد ذاته، دون أن تنتقل بإلقاء ثقلها كله على عدد من القضايا الجوهرية الحساسة. فعلى سبيل المثال، لم يقترب أي من الطرفين حتى الآن من إثارة أي من القضيتين الأكثر حساسية: مدى الأثر المتوقع لهذه المحادثات على مصير الشراكة الاستراتيجية التاريخية التي تجمع بين كل من دمشق وطهران. ومدى الارتباط المتوقع بين مساري المحادثات الإسرائيلية- السورية من جهة، والمحادثات الإسرائيلية- الفلسطينية من جهة أخرى.
على أن إسرائيل لم تُخفِ دوافعها وأهدافها وراء هذه المحادثات، المتمثلة في بتر علاقات التحالف الاستراتيجي التي تربط بين دمشق وطهران. وربما يبدو هذا الهدف غير واقعي عند النظر إليه ابتداءً، بحكم رسوخ العلاقات وتعدد جوانب المصلحة المشتركة بين دمشق وطهران. أما فيما يتعلق بمدى الارتباط الممكن بين مسار المحادثات الإسرائيلية- السورية من جهة، ونظيرتها الإسرائيلية- الفلسطينية من جهة أخرى، فربما يكشف عنه التصريح الصادر على لسان وزير الخارجية السوري فؤاد المعلم مؤخراً، بقوله إن محادثات بلاده مع إسرائيل يجب ألا تكون خصماً على حساب الفلسطينيين، أو أن تستخدمها إسرائيل ضدهم بأي حال من الأحوال. وبعد هذا التصريح فليس أمامنا إلا أن ننتظر لنرى ما ستكشفه لنا الأيام، عن مدى التقدم الذي يمكن أن تحرزه محادثات تل أبيب مع دمشق، في ظل غياب لا يزال واضحاً لأي تقدم جدي في خطى الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

جريدة الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى